- جهاد حرب
أظهرت المجزرة التي ارتكبها جنود الاحتلال الإسرائيلي في مخيم جنين أمس الصورة الحقيقية لائتلاف "الحكومة الإسرائيلية" اليميني الفاشي القائم على أحزاب المستوطنين، وهي تعبير واضح لخلاصة نتائج انتخابات الكنيست الأخيرة؛ فقد تحولت تخوفات الفلسطينيين من صعود الفاشية الإسرائيلية وسيطرة أحزاب المستوطنين على سياسات الحكومة الإسرائيلية إلى واقع فعلي تجسده قوات الاحتلال.
وحشية القتل وحجم الدمار الذي أحدثه جنود الاحتلال في مخيم جنين خلق تحولاً نوعياً أو في طرق التحول لمواجهة واسعة، وهي أجبرت القيادة السياسية للشعب الفلسطيني على اتخاذ قرارات "إجراءات" قد توسيع المواجهة القائمة على الأقل من آذار/ مارس الماضي. هذه الإجراءات تنم عن تغير في تفكير، قد يكون محدود إلا أنَّه هام، الرئيس الفلسطيني الذي يتسرب اليأس إليه من سياسات الحكومة الإسرائيلية التي لا تشي ببصيص أمل أو نقطة ضوء يمكن أنْ تكون تلوح في الأفق مع تركيبة هذه الحكومة، وفي ذات الوقت تراجعت ثقة المواطنين بالقيادة السياسية إلى أدنى مستوى في تاريخ الشعب الفلسطيني. وفي ظني باتت هذه القيادة أمام مفترق طرق أو خيارين لا ثالث لهما إما المواجهة المحسوبة مع الاحتلال أو الانهيار بفعل فقدا الثقة.
اتخذت هذه الإجراءات ثلاثة مسارات رئيسية؛ المسار الأول: وقف التنسيق الأمني "لم يعد قائماً" وهي في إطار مواجهة مباشرة مع الحكومة الإسرائيلية، والمسار الثاني: الاستمرار في سياسة دولة فلسطيني بالتوسع بالتوقيع على المعاهدات الدولية والانضمام إلى المؤسسات الدولية والنضال السياسي والحقوقي والقانوني في المؤسسات الدولية السياسية منها والقضائية، والمسار الثالث: الدعوة للقاء وطني يضم جميع الفصائل الفلسطينية بما فيها حركتي حماس والجهاد الإسلامي.
وفي ظني أنَّ المسار الثالث هو الأصعب في التحقق؛ خاصة أنَّ هذا المسار فشل على مدار الثلاثة عشر عاما أي منذ التوقيع على اتفاق القاهرة عام 2011، ومع ذلك فإن استثمار تحركات الجهورية الجزائرية واهتمام الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون قد يحرك المياه الراكدة على الأقل بالاتفاق على إطار وحدوي ميداني للجبهة الوطنية أو القيادة الموحدة لمواجهة في الضفة الغربية والاتفاق على وسائل وأدوات المعركة القادمة مع الاحتلال وتمظهراته؛ الوجود العسكري والاستيطان الاستعماري للاحتلال.
أما المسار الثاني، فإنَّ استمراره مرهون بعوامل مختلفة حيث أنَّ الفلسطينيين ليسوا اللاعب الوحيد في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ولدى اللاعبين الاقليميين والدوليين تأثيرات متعددة على طرفي الصراع ومصالح مختلفة وأحيانا متناقضة، كما يعتمد على قدرة الفلسطينيين على الصمود في وجه الإجراءات الإسرائيلية؛ بخاصة الجانب المالي منها بعدم تحويل ما يعرف بأموال المقاصة التي تشكل ثلثي الموازنة العامة.
أظهرت نتائج استطلاع الرأي العام للربع الأخير من العام الفارط الذي أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية،
تصاعد الإحباط لدى الفلسطينيين يترافق ذلك مع فقدان الأمل لدى أغلبية المواطنين الفلسطينيين بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي وبقيام دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل في الأعوام القادمة. ويفضل نصف المواطنين الفلسطينيين العمل المسلح باعتباره الطريقة الأمثل لإنهاء الاحتلال وقيام دولة مستقلة، وأنَّ أغلبية الفلسطينيين يؤيدون العودة للمواجهات والانتفاضة المسلحة. وأنَّ ثلثي المواطنين في الضفة الغربية يؤيدون تشكيل مجموعات مسلحة مثل "عرين الأسود.
إنَّ نتائج استطلاعات الرأي العام على مدار السنة الفارطة؛ بالإضافة إلى عنف الاحتلال واستخدامه وسائل القهر الفاشي، واستمرار ارتقاء المزيد من الشهداء، وزيادة اعتداءات المستوطنين، والعدوان على المستجد الأقصى وباحاته، وتهجير الفلسطينيين من مدينة القدس ومناطق "جيم" في الضفة الغربية والاستيلاء على أراضيهم، والتمييز العنصري الذي تمارسه سلطات الاحتلال. في المقابل وقف التنسيق الأمني، وارتفاع التضامن الشعبي مع المجموعات المسلحة، والتمجيد الشعبي للشهداء، والنشوة بالتأييد العربي الواسع، وزيادة الإحباط الداخلي والاحتقان الشعبي، ترجح اتساع المواجهة العنيفة مع الاحتلال الإسرائيلي وتمظهراته.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت