في منتصف الأسبوع الماضي، كان الفلسطيني محمود عليوات (13 عاما) يضغط على معلميه للحصول منهم على تقرير مدرسي كان يحتاج إليه للالتحاق بأحد معاهد مدينة القدس للتدريب على فنون الطهي.
وبعد ثلاثة أيام فقط، أصبح عليوات يرقد في المستشفى فاقدا الوعي متَّهَما بإطلاق النار على مجموعة من المارة الإسرائيليين في حي سلوان بالقدس.
وأصيب شخصان بجروح خطيرة، كما أصيب عليوات بعد أن أطلق أحد أفراد المجموعة النار عليه.
ولم تعلن الشرطة اسم المشتبه به لكن محامي عليوات يقول إنهم يتهمون الصبي بإطلاق النار والشروع في القتل، وهي اتهامات ترفضها عائلته.
ووصفت الشرطة الحادث بأنه هجوم "إرهابي"، وقالت إن الهجوم نفذه شاب في سن المراهقة يبلغ من العمر 13 عاما، مما أثار صدمة كبيرة وزاد المخاوف مما يطلق عليه هجمات "الذئاب المنفردة" التي ينفذها أفراد لا صلة لهم بجماعات سياسية أو متشددة.
وأصبح من يعرفون عليوات في حيرة بشأن السبب الذي يمكن أن يدفعه للقيام بمثل هذا العمل.
وقال مدرسون وأقارب وأطفال من منطقته لرويترز إنه لم يكن يبدي اهتماما بالسياسة على الرغم من نشأته في مدينة سلوان، وهي بؤرة للتوترات بين الفلسطينيين والإسرائيليين بالقرب من البلدة القديمة بالقدس.
ووصفوه بأنه فتى محبوب يتمتع بشخصية قوية ويعشق كرة القدم ويحلم بأن يصبح طاهيا.
وقالت سهير مكاوي (57 عاما) مديرة المدرسة التي يدرس بها عليوات "كان يبذل جهدا واضحا. منذ بداية هذا الفصل، حصل على أعلى الدرجات في ثلاث مواد هي الدراسات الاجتماعية والرياضيات والدين. لهذا السبب كانت (الأخبار) صادمة للغاية بالنسبة لنا".
وأضافت أن عليوات كان يسعى قبل أيام من الحادث للحصول على تقرير مدرسي حتى يتمكن من الالتحاق بالمعهد، قائلا لها "أرجوك يا سيدتي لن أعود للبيت حتى أحصل على التقرير. سأشعر بإحباط كبير إذا فاتني الموعد النهائي للتقديم".
وجاء الهجوم، الذي وقع في 28 يناير كانون الثاني بمدينة سلوان، وسط تصاعد العنف في الآونة الأخيرة بمدينة القدس والضفة الغربية التي تحتلها إسرائيل.
وفي الليلة السابقة للهجوم، كان فلسطيني مسلح قد قتل سبعة أشخاص بالقرب من كنيس يهودي بأحد أحياء القدس.
وكان جنود إسرائيليون قتلوا عشرة فلسطينيين، بينهم ثمانية مسلحين، قبل يوم من الهجوم على الكنيس اليهودي، في مداهمة بمدينة جنين بالضفة الغربية.
توترات في سلوان
قال المحامي إن والدي عليوات وشقيقيه اعتُقلوا بعد الهجوم. وأضاف أن الشرطة أطلقت سراح والديه وأحد الأشقاء بعد استجوابهم وأن الوالدين ممنوعان من التحدث إلى وسائل الإعلام لمدة 30 يوما.
وأوضح المحامي "لم ينفذ (عليوات) الهجوم. تقول أسرته إنه تصادف وجوده هناك حيث تعرض لإطلاق النار".
وقال متحدث باسم الشرطة الإسرائيلية إن التحقيق جار في الواقعة، لكنه رفض الإدلاء بتفاصيل.
وتظهر اللقطات المنشورة على وسائل التواصل الاجتماعي شخصا يطلق النار من مسدس على مجموعة من المارة قبل أن يرد واحد منهم على الأقل بإطلاق النار، مما أدى لإصابة مطلق النار على ما يبدو. ولم يتسن لرويترز التحقق من صحة الفيديو من مصادر مستقلة.
وتقع سلوان على أطراف المدينة القديمة بالقدس، التي احتلتها إسرائيل في عام 1967 وضمتها مع أجزاء أخرى من القدس الشرقية في خطوة لم تحظ باعتراف دولي.
وتعتبر إسرائيل مدينة القدس بأكملها عاصمتها "الأبدية غير القابلة للتقسيم". ويرغب الفلسطينيون في أن تكون القدس الشرقية عاصمة لدولتهم المستقبلية المكونة من الضفة الغربية وقطاع غزة.
ويعتقد الكثير من اليهود أن "مدينة داود القديمة" كان تقع على أرض مدينة سلوان ويشتري المستوطنون اليهود عقارات هناك، بينما يرى الفلسطينيون ذلك جزءا من سياسة لطردهم.
وقال أفيف تاتارسكي من جمعية عير عميم، وهي منظمة إسرائيلية تراقب المستوطنات اليهودية في القدس الشرقية، إن نحو 600 مستوطن إسرائيلي يعيشون الآن جنبا إلى جنب مع 50 ألف فلسطيني في مدينة سلوان.
واشتعل العنف في سلوان قبل أيام قليلة من حادث يوم 28 يناير كانون الثاني، عندما أصيب وديع أبو رموز، وهو شاب فلسطيني يبلغ من العمر 17 عاما كان يسكن في نفس شارع عليوات، خلال اشتباكات مع قوات الأمن الإسرائيلية، قبل أن يموت لاحقا.
وقالت الشرطة الإسرائيلية إن متفجرات ومفرقعات ألقيت على الشرطة خلال أعمال الشغب وإن ضابطا أصاب اثنين من المشتبه بهم بالرصاص بعد أن شعر أن حياته في خطر.
وأضافت أن المشتبه بهما، اللذين لما تذكر اسميهما، كانا يحملان راية حركة المقاومة الإسلامية (حماس) التي تدير غزة.
"لا يمكن أن أصدق هذا"
قالت هديل، والدة أبو رموز، إن ابنها لم يكن مشاركا في الاشتباكات لكنه أصيب بالرصاص عندما حاول جر صديق مصاب إلى مكان آمن. وأضافت أن ثلاثة فلسطينيين أصيبوا بجروح.
وكانت ملصقات بصور أبو رموز مع شعار حركة فتح، الفصيل الفلسطيني المهيمن في الضفة الغربية، على الجدران في سلوان عندما زارت رويترز الحي هذا الأسبوع.
واستبعد زكي عباسي من أقارب عليوات أن يكون قريبه يعرف أبو رموز جيدا، مشيرا إلى وجود فارق في العمر بينهما.
وقال عباسي إن أسرة عليوات ليس لها أي صلة بالحركات السياسية الفلسطينية وتنأى بنفسها عن أي مشكلات، قائلا إن شقيق عليوات الأكبر كان يستعد لإتمام زواجه.
وبعد هجوم 28 يناير كانون الثاني، استولت القوات الإسرائيلية على منزل عائلة عليوات وأصدرت الحكومة أمرا بإغلاقه، مما يدل على تغيير في السياسة، لأن إسرائيل لا تتخذ عادة مثل هذا الإجراء إلا بعد هجمات تتسبب في سقوط قتلى.
وقال عباسي عن عليوات "لا أصدق حدوث هذا. يشاهد الشباب أشياء على وسائل التواصل الاجتماعي. لا أحد يعرف ما الذي يمكن أن يكون قد حدث له".
وأضاف عباسي وأقارب آخرون أن عائلة عليوات كانت تخشى لسنوات من هدم منزلها لأنه بني بدون الحصول على التصاريح اللازمة من السلطات الإسرائيلية.
وقال متحدث باسم بلدية القدس إن أمر هدم صدر لمنزل العائلة قبل نحو 20 سنة بسبب "مخالفات بناء".
وأضاف المتحدث أن عشرة منازل في سلوان هُدمت العام الماضي بسبب البناء غير القانوني، مشيرا إلى أن أوامر الهدم تُنفذ بانتظام في جميع أنحاء المدينة وفقا للقانون وبالتنسيق مع الشرطة.
وتقول منظمة عير عميم الإسرائيلية إن 24 مبني فلسطينيا هدمت في سلوان العام الماضي، بينما تقول جماعات حقوقية إن الحصول على تصاريح البناء أمر يكاد يكون مستحيلا للفلسطينيين في القدس الشرقية.
وقال محمود مرعي، رئيس الطهاة بالفندق الذي يعمل به والد عليوات، إن الرجل لم يكن يتحدث قط في السياسة أمام زملائه.
ويعمل والد عليوات في غسل الصحون بالفندق إلى جانب وظيفة أخرى لتدبير متطلبات أسرته.
وقالت حياة الحسيني، التي تعمل في وظيفة إدارية بالمدرسة التي يدرس بها عليوات، إنه كان شغوفا بكرة القدم.
وأضافت "كان يقول أريد أن أكون مثل ميسي. هذا ما كان يهتم به. لا نعرف ماذا حدث وماذا دار في رأسه.. لا نعرف".