- تحسين يقين
في مسلسل قبل ثلاثة عقود، توفيت الزوجة، فحزنت الأسرة، ولكن مساء حين أعدّ الأب (عبد المنعم مدبولي) طعام العشاء لأسرته الحزينة، وأحضره لهم، نظروا نظرة لوم لأبيهم، من باب أن هذا اليوم حزين، وكأنهم رأوا ذلك غير مناسب. يشعر الأب بما في نفوسهم، فيقترب منهم، بحنان الأب، ويدعوهم للأكل. ما زالت عباراته في سمعي، حين قال لهم بعطف وهو يغالب دموعه، بأن الحياة تستمر، وحين ينتبه الأولاد لأبيهم يحتضونه بحب عظيم، كأنهم يكفّرون عن لومهم له، فيكتشفون عمق حزنه على زوجته-أمهم، لكنه، وهو الأب، يفرّق بين ما هو عاطفي وبين ما هو عملي.
ماذا يقول كل واحد فينا؟ من وحي مهنته ربما، من وحي ذكرياته، من وجعه؟ لي وقد تبلورت حياته اليوم ما بين الكتابة والزراعة، أن أحاول، فليست هذه أول زيارة لوزير خارجية الولايات المتحدة، وليست الأخيرة؟
تناول الكتاب الزيارات، ولو "جوجلنا" كلمة الزيارة، أو الزائر" سنجد أنها قديمة في عالم الأدب، والفن، حيث تم مسرحة روايات وقصص، كون المسرح كما الحياة، يرصد ردود فعل ليس الزائر فقط، بل من زارهم.
عودة الى ما بدأنا به، سننشغل بالزائر إعلاميا وسياسيا، فلسطينيا وعربيا، لكن المهم والأهم هو: أن نستمر في تقوية بقائنا هنا؛ وعوامل البقاء معروفة.
لن تخلصنا الولايات المتحدة، حتى لو ضغطت على إسرائيل (سرّ) بأن "تستحي ع حالها شويّ"، ولن تخلصنا الأمم المتحدة، ولا الاتحاد الأوروبي، لسبب بسيط، أنهم جميعا متحدون على فكرة بقاء الحال، وهو ما ينسجم مع سياسة الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة: إدارة الصراع.
- طيب؟
- الصراحة، الكبار المتحدون وغيرهم يعرفون أن الحل ليس أمنيا، بل سياسيا: إنهاء الاحتلال!
- .....................
- نخلص أنفسنا، و"المثل يمّا ما خلا اشي الا قاله"، هكذا قالت الأمهات والجدات، ما حك جلدك مثل ظفرك فتول انت جميع أمرك.
نتولى نحن، نحن الفلسطينيين، جميع أمرنا ونستمر بتخليص أنفسنا؛ فلا يستغربن أحد إن دفعتني زيارة وزير الخارجية الأمريكي وما تلا ذلك من زيارات، الى العودة الة الذات الفلسطينية، فالحديث فيها أكثر جدوة، من باب واقعي واستراتيجي ووطني وأخلاقي وسياسي: إن تقوية بقائنا هنا، في فلسطين المحتلة، هو العامل الأقوى في الصراع؛ فما ننجزه هنا، سيكون له الأثر في التأثير على الجميع، بمن فيهم حكومات إسرائيل ومن اختارها من هذا الشعب الإسرائيلي المخدوع، والذي سيكتشف الوهم الذي يعيشه هنا، وبأن هذه الرفاهية المبنية على آلام الأخرين لن تطول؛ فهنا شعب أصلاني كامل، له طموحاته وحقوقه، وأن الحقيقة ما زالت حاضرة، فكل هذا الوجود الإسرائيلي قلق، ما دام شعبنا تحت الاحتلال، وإلا فما معنى مطاردة "الجيش الذي لا يقهر"، الجيش الذي يعد نغسه لحرب محتملة مع دول، كإيران مثلا، ما معنى مطاردته للفتيان هنا؟ ما معنى خوفه وقمعه المبالغ فيه لمسلحين هنا وهناك؟
يدرك الجيش الإسرائيلي جيدا أخطاء الساسة، بل يكاد يسخر منها، فكيف تراجع الساسة في إسرائيل عما استخلصه رابين يوما؟
الرهان على كسر أيدي الفتيان والشباب رهان خاسر، لان لهم حاضنة عظيمة هي شعب كامل؛ فسيصعب إذن كسر فلسطين الشعب والأرض.
لذلك، وبدلا من الحديث عن تطبيع هنا وهناك، يتم بقوة حلفاء إسرائيل، من الأهم التركيز على ما يمكن فعله في فضاء فلسطين المحتلة، من إبداع إداري لشعبنا، لمؤسساته، وشبابه وشاباته، من عدل واحترام وحريات، وتعديل للنظام الاقتصادي، والنهوض بالمدارس والعيادات، والمزارع.
كل ذلك يمكن أن يكون معا، نضال بأنواعه، ولا أحد يمكنه منع أي إنسان من ممارسة فعله، لكن يمكننا معا بناء منظومة مجتمع قويّ تحت الاحتلال.
ربما ليس المطلوب أن نقول شيئا كثيرا، لكن في مقدور مجلس الوزراء أن يفعل، لأنه من يقف على تماس مباشر مع شعبنا، ويبدأ ذلك من منطلق مضمون العمل، وجوهره وطنيا، بأن مؤسسات فلسطين المحتلة، هي مؤسسات ترعى شعبنا، والمسؤولون هم موظفون لدى شعبنا. لذلك من المهم جسر كل الفجوات، ومن الضروري التأكيد على الفعل القدوة. ومن الضروري أن يكون المجلس سيّد نفسه، حتى يستطيع عمليا الاستجابة لمصالح شعبنا وحاجاته الفعلية حقا.
فقط لنقرأ عينة من الأخبار، أو لينظر الموظفون والموظفات في مؤسساتهم والنخب المختصة مثلا ما الذي يجري على الأرض؟
فلا تركز كثيرا على الزائر ولا الزيارة، بل بالأحرى لنركز معا على حالنا، على قيادة فعل مؤسساتي إبداعي واقعي، فكل مشروع لا تكون مخرجاته واضحة تقوي جوانب حياة شعبنا هو مشروع مشبوه، جيء به لننشغل عن ما هو مهم واستراتيجي؛ وليتنا لا نضطر الى تسمية كل الأمور!
نستمر بالحياة رغم الحزن، والغضب، والاحتلال، الذي من الممكن مقاومته بوسائل ممكنة لها أثر استراتيجي، بالاستثمار في الأطفال، فكيف نتقبل مثلا لجوء الأهالي الى الدروس الخصوصية لأبنائهم في الصف الأول! وكيف ونحن نزرع نكون قلقين على تسويق منتجاتنا؟ وكيف يستمر التداوي الخاص؟ وكيف تستمر الأسر الفقيرة وكبار السن بدون مخصصات تحفظ الكرامة؟
حكومة شعب تحت الاحتلال، هي هيئة وطنية مهما كان الوصف، وهي مؤتمنة، وفعلها نضالي حقيقي، وليس شكليا أبدا، وهي تستمد قوتها ومشروعيتها من رضى شعبنا عن أدائها.
- والزائر الأمريكي؟
- هي زيارة في أنفسنا نحن الفلسطينيون، وزيارة النفس صعبة.
- ..................................
- لقد تعلمنا أن لا مخلص هنا ولا هناك، إنما هم، (ولا تقل لي من هم؟" يبحثون عن خلاصهم.
- خلاصهم؟
- نعم يا ولدي، نعم يا بنتي..
- إنهم كباااار!
- انما هم يزورون أنفسهم، يخشون من فعل، يؤثر على وجودهم، أو يؤثر (بالنسبة للولايات المتحدة) على ما تبيته من فعل ما!
- ما بالك تغرق بالرموز؟ والألغاز؟
- يا ابني وبنتي واخوتي وأخواتي، أنتم جميعا تدركون كل الرموز، فلا ألغاز هنا.
هذا موسم "التقنيب"، بلهجة الفلاحين، وهي كلمة عربية فصيحة ودقيقة، والتقليم من جنسها، فقط لنزيل الزوائد ونربي الطلوق! ألم يقل محمود درويش يوما نربي الأمل؟ حتى لو كان فراخا، فإنها ستصير يماما يحلق؟ والطلوق مع الدفء تعيد الفروع الطويلة بورقها وثمرها.
وحتى لا نطيل، فكل مسؤول، وكل مواطن، في الواقع والحقيقة يعرفان ما الذي ينبغي فعله في تربية الأمل. طريق تنشئة الأطفال ورعاية الشباب والشجر واضح. تلك طريق التحرر، ومن السهل أن تنتصر "الطلوق" النامية الطرية على البنادق الجامدة.
- أستاذ..والسيد بلينكين؟
- عليه وعلى الإدارة الأمريكية السلام!
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت