- بقلم :د. ميلاد جبران البصير
الاخبار الواردة من الجنوب الايطالي، حوض البحر الأبيض المتوسط تشير إلى أن مجزره المهاجرين مستمرة نعم مجزره بكل ما تعني الكلمة من معنى حيث أن عدد الوفيات وصل إلى ٤٥ مهاجر من بينهم نساء واطفال وشيوخ . يذكر أنه نم أنقاض ٨١ متهجرا وحسب المعلومات الأولية تشير انه على متن القارب كان ما يزيد عن ١٥٠ مهاجر والتر تعود أصولهم إلى إيران وافغانستان والباكستان . للأسف لا يمر يوم لا نسمع به أن عددا من المهاجرين لقوا حذفهم بين امواج البحر المتوسط اضافه إلى اعداد أخرى يعتبرون في حسبان المفقودين . وكالات الانباء الجدية والشفافة تشير الى ان تجار البشر في ليبيا يقومون في إرسال وشحن عشرات وعشرات المهاجرين إلى السواحل الأوروبية فمنهم من يصل ومن من يصنف في بين المفقودين ومنهم من يجد يلقى حذفة بين أمواج هذا البحر الذي يعانق ويحتضن حضارات ولغات وثقافات مختلقه ، البحر الذي يجمع ويفرق في أن واحد والذي أطلقوا عليه الرومان القدامى اسم بحرنا.
المحظوظ وصاحب الحظ السعيدة من يقترب سالما غانما من الشواطئ الأوروبية وهنا يحدث ما لم يتصوره اي انسان ، فيبدأ المد والجزر بين الدول الأوروبية بخصوص استقبال هؤلاء المهاجرين الفارين من الحروب والجوع والنزاعات إضافة إلى الموت من الجوع والبرد والله اعلم كم منهم يلقى وجه ربه بسبب الجوع والعطش خلال الانتظار ، انهم تغلبوا على عنفوان وامواج البحر لكنهم لم يستطيعون التغلب على انانيه الإنسان للأسف.
بعض الأواخر الحملة بهذه البضاعة الغريبة العجيبة يبقون في عرض البحر وهم يرسلون طلبات المساعدة والاستغاثة ولكن لا حياه لمن تنادي ، اوروبا ، ام حقوق الانسان، اوروبا المتحضرة، اوروبا المصدرة للحريات والديمقراطية الى هذا البلد او ذاك من فوهات المدافع تلتزم الصمت امام نداء الاستغاثة لهؤلاء الشهداء ، نعم شهداء الحرية وشهداء لقمة العيش. منظمة الامم المتحدة المتخصصة في الهجرة والمهاجرين تحمل اوروبا هذه المسؤولية : هذه هي ورثة اوروبا ؟ هكذا صرح ممثل المنظمة الأممية. اوروبا كانت على علم ومعرفة تامه.
البحر المتوسط والذي يحتضن على تحت شواطئه العديد من الدول : دول أوروبية وأفريقية وأسيوية تحول الى مقبره للمهاجرين الفارين من الحروب ومن الفقر ومن الاضطهاد ، الحروب التي تسلحها الحكومات الأوروبية، والفقر الذي سببه سلب ونهب ثروات بلاد المهاجرين من قبل اوروبا والاضطهاد المتواصل للحكام المدعومين من اوروبا .
أن الجنود المجهولين الهوية والمرابطين بين تركيا واليونان والذي مهمتهم منع هؤلاء المهاجرين في الوصول إلى الشاطئ الأمن . هذه الجيوش المجهولة يتم تمويلها من دول الاتحاد الأوروبي بطريقة مباشرة او غير مباشرة للأسف.
نعم حان الاوان لقول الحقيقة كما هي وبدون دبلوماسية لان هؤلاء الشهداء لم يحصلوا على العدالة ولا على الحياة الكريمة اثناء حياتهم لذلك على الاقل نكرمهم ونكرم ارواحهم لأنهم سيبقون حمل ثقيل على ضمائر هذا العالم الذي يدعي اته متحضر. اما الشطر الجنوبي لهذا البحر فالحال ليس أسهل ولا اهون على حكام الامة العربية والإسلامية الذين لهم اذان ولكنهم لا يسمعون ولهم السنة ولكنهم لا يتكلمون والله اعلم إذا يمتلكون القليل من الضمائر لان مسؤوليتهم كبيره امام ارواح هؤلاء الشهداء والتي ستلاحقهم في قصورهم مسؤوليتهم كبيره امام الله وامام شعوبهم لأنهم لم يفعلوا شيء لضمان حياه كريمة لهؤلاء الشهداء ولم يحركوا ساكنا لإنقاذ حياتهم .
ان عدم المبالاة هذه تطلب منا جميعا وكل حسب موقعة ومسؤولياته ان يتفاعل وان يفضح ما حدث وان يكرم ارواح هؤلاء الشهداء وان يعمل ما في وسعه لكي يتم وضع حد لهذه المذابح . ان هذا الصمت الصاخب والمزعج من قبل المجتمع المدني ايضا لا مبرر له فأين منظمات حقوق الانسان واين اتحاد نقابات العمال العربية والأوروبية ؟ لا نريد التكريم ولا التأبين ولا القاء الخطابات ، نريد اعمال وافعال تكفل وتضمن حياه كريمة لملاين المواطنين المهددين بترك مدنهم ومنازلهم امام زحف الفقر والجوع والحروب والاضطهاد .
يقال لا يلدغ المؤمن من الجحر مرتين، فكم عدد المواطنين الاجانب الذي وللأسف تحولوا الى غذا لسمك المتوسط، لم يتعلم أحد من هذه وتلك الاحداث الدراماتيكية والتي ذهب ضحيتها الاف الفقراء.
اما تجار البشر والذين هم احرار يتجولون في سياراتهم الفاخرة في هذا وذاك البلد بدون اي مشكله ، فهل من المعقول عمليا وموضوعيا ان يبقون احرار بدون اي مسؤولية وبدون اي محاسبة ؟ فهل من الممكن ان اغنى واقوى تجمع جيوبوليتيكوا في العالم لا يستطيع القبض عليهم ومحاسبتهم امام القانون ؟
فهل من المعقول ان تتحول اوروبا الى قلعة مغلقه على بعضها البعض امام طلبات الاستغاثة ايضا ؟ ليس من المعقول قبول عدم المبالاة التي يتمتع بها العالم العربي والاسلامي بجميع مكوناته الحكومية والمدنية .
امام هذه الاحداث المزعجة والدراماتيكية نحن بحاحة الى صحوة ضمير، الى ان نفتح عيوننا وقلوبنا وضمائرنا ولنصرخ امام الحكام في الشرق وفي الغرب ليتحملوا مسؤولياتهم كامله لان التاريخ والاجيال القادمة ستحكم عليهم .
* اعلامي فلسطيني خبير في شؤون الهجرة والمهاجرين وعضو سابق في لجنه إقليم اميليا رومانيا فرع فورلي وتثيزينا المتخصصة في دراسة طلبات اللجوء السياسي
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت