- فاضل المناصفة
زيارة وزير الخارجية الأردني تليها زيارة لوفد برلماني لـ 8 دول عربية ثم زيارة لرئيس الوزراء المصري الى دمشق تحت مسمى " التضامن العربي مع سوريا " تؤكد أن ثمة شيء ما يطبخ في البيت العربي فيما يخص سورية، وما يزيد الأمر تأكيدا هو المفاجئة الكبيرة التي فجرها موقع موقع “إنتلجنس أون لاين” الفرنسي حول وجود مساعي للتقارب بين السعودية وسوريا خاصة وأنه يجري التحضير لزيارة ووزير الخارجية السعودي الى دمشق خلال الأيام القليلة القادمة حسب الموقع، فهل ستكون هذه الزيارة إعلانات لعودة القنوات الديبلوماسية بين البلدين بشكل رسمي واعلانا صريحا لقبول السعودية لعودة سوريا الى الجماعة العربية ؟ وما محل إيران من الإعراب؟
الحديث عن ملف التقارب السعودي السوري ليس وليد مرحلة ما بعد الزلزال، بل سبقه العديد من الإشارات خلال السنوات الماضية ففي عام 2018 تحدثت العديد من المصادر عن أن زيارة الرئيس السوداني المطاح به عمر البشير قد توجه الى دمشق في زيارة رسمية حاملا رسالة من الجانب السعودي الى الجانب السوري، وفي عام 2021، تحدثت تقارير إعلامية عن زيارة وفد أمني سعودي إلى دمشق لكن هذا بقي من دون تأكيد من الجهات الرسمية في الرياض، اما الإشارة الأخيرة التي أتت من وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان آل سعود على هامش مؤتمر ميونخ للأمن حول ضرورة وجود نهج عربي جديد حيال سوريا كانت أقوى الإشارات التي تقيس مدى رغبة السعودية في الانفتاح اتجاه النظام السوري ولا ننسى أن هذا التصريح أتى خلال مؤتمر دولي له وزن ثقيل .
صحيح أن حجم الهوة الموجودة بين النظام السوري والسعودي كبيرة وقديمة اذ بدأت تبرز مع قدوم الأسد الابن للحكم وموقفه من الغزو الأمريكي للعراق وتغليبه للمصالح الإيرانية في العراق ولبنان وفلسطين على حساب المصلحة القومية العربية، وكانت النقطة التي أفاضت الكأس عندما هاجم الرئيس السوري بشار الأسد بطريقة غير مباشرة النظام السعودي في كلمة القاها خلال مؤتمر اتحاد الصحفيين سنة 2006 حيث قال بان ما حرب تموز في لبنان قد اسقطت أنصاف الرجال وهو التصريح الذي فهم منه أنه يوجه كلامه للسعودية التي كانت أول المنتقدين لسياسة حزب الله التصعيدية في المنطقة، ولكن كل هذه الأمور أصبحت من الماضي وتجاوزتها التحولات السياسية التي حصلت في المنطقة وبات لزاما الوصول الى توافقات تحمي المصالح السعودية وتسمح لها بمعالجة المعضلة اللبنانية أيضا .
لقد أدى التقارب الروسي السعودي الذي أتى على حساب خلافات عميقة مع الولايات المتحدة الأمريكية وموقفها مما يجري في اليمن الى ضرورة أن تختار السعودية التوجه الى فتح عهد جديد في العلاقات مع سوريا الأمر الذي سيكون بمثابته تحدي واضح للمشروع الأمريكي في المنطقة ورسالة تدل بوضوح على ان السعودية قد اختارت الاصطفاف في المعسكر الروسي، وما التقارب من سوريا الا دليل واضح على استمرار الخلافات مع أمريكا واختيار روسيا شريكا جديدا وربما توظف هذا الشريك الجديد في حل خلافاتها مع إيران في الشأن اليمني عبر بوابة موسكو، بعيدا عن الشريك الأمريكي السابق في المنطقة والذي لم يغير شيئا في ملف اليمن .
ولكن أمام التقارب السعودي السوري معوقات كبيرة تبدأ بالتصورات السعودية للحل السياسي في سوريا وضرورة تطبيق قرار مجلس الأمن رقم 2254 الذي يهدف إلى التوصّل إلى تسوية سياسية دائمة عبر فتح المجال لتعدديّة سياسية حقيقية في سوريا تهدف الى تغيير نظام الحكم وهو أمر يحتاج الى مراجعة لأن الأسد لن يضع يده بيد من يريد رحيله، أما المشكلة الثانية فهي تكمن في وجود إيران طرفا في المعادلة يمتد تأثيرها من العراق الى لبنان عبر سوريا وهنا ستضع السعودية الأسد امام شرط صعب وهو الابتعاد عن ايران من أجل تسهيل الاقتراب من الحاضنة العربية وترسيم عودة مقعد سوريا في القمة العربية القادمة التي ستعقد في الرياض .
من المستبعد أن يقوم الأسد بقبول عرض السعودية للعودة الى الحضن العربي على حساب تحالفه مع إيران خاصة وأن العودة الى الجامعة العربية لا تغريه كثيرا لأنها حسب منظوره لن تمكنه من كسر العزلة واسقاط العقوبات الدولية ضد نظامه مادامت الجامعة طرفا غير مؤثر في القرارات الدولية ومادامت بعض العواصم العربية مستعدة لاستقباله من دون الحاجة الى عمل عربي مشترك، ومن المستعبد أيضا الوصول الى حلول وسط في بين دمشق والرياض الا إذا قدمت إيران خدمة للأسد من خلال تقديم تنازلات في مشروعها القائم بلبنان ومن هنا نستنتج أن حظوظ التقارب بين السعودية وسوريا ستبقى ضئيلة الا إذا كان لإيران رأي آخر في المسألة، فمن طهران تناقش السياسة الخارجية لسوريا .
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت