نشر مركز عروبة للأبحاث والتفكير الاستراتيجي، مدونةً صوتيةً (بودكاست) لورقة تقدير موقف، تُسلط الضوءَ على تفاصيل اجتماع العقبة الأمني، ومواقف الأطراف المختلفة بشأنه، ومدى قربِه من الوقائع على الأرض.
وأوضحت المدونة أن اجتماع العقبة عُقِدَ بمشاركةٍ إقليميةٍ ودولية، استكمالًا للضغوط الأمريكية لنزع فتيلِ التصعيد على الساحة الفلسطينية، وتأسيسًا لاجتماعٍ لاحقٍ سيُعقَد في شرم الشيخ المصرية في آذار/مارس القادم.
وبيَّن البودكاست مخرجاتِ اللقاءِ التي جاءت في البيان الرسمي، والتي تمثلت بتأكيد السلطة ودولة الاحتلال التزامهما باتفاقاتهما السابقة و"خفض التصعيد على الأرض ومنع المزيد من العنف"، واستعدادهما والتزامهما المشترك بالعمل فورًا على "وضع حد للتدابير أحادية الجانب" لمدة تتراوح بين ثلاثة وستة أشهر بما يشمل التزام "إسرائيل" بوقف مناقشة أي وحدات استيطانية جديدة لأربعة أشهر ووقف منح التصاريح لأية بؤر استيطانية لستة أشهر، وبأن يعمل الجانبان "بحسن نية لتحمُّل مسؤولياتهما وتعزيز الثقة المتبادلة"، وبإقرار أطراف القمة بأهمية الحفاظ على الوضع التاريخي القائم في الأماكن المقدسة في القدس والتشديد على وصاية الأردن على هذه الأماكن، وعلى مواصَلة الاجتماع وفق هذه الصيغة وتوسيعه ليصبح عمليةً سياسيةً أوسَع نطاقًا تُفضِي إلى سلام عادل ومستدام، واتُّفِق على الاجتماع مجددًا في شرم الشيخ بمصر في آذار/مارس القادم لمتابعة مفاوضات لقاء العقبة والبناء على مخرجاته.
وأشارت الورقة إلى ما تداولته وسائل الإعلام العبرية بشأن قرار شرعنة تسع بؤر استيطانية، والإحاطة التي وردت فيها، حول تشكيل لجنة أمنية مشترَكة لبحث استئناف التنسيق الأمني، وما تداولته وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية وفا" حول المَطالب التي حملها وفد السلطة إلى لقاء العقبة.
ولفتت المدونة إلى أن هذا اللقاء لم يُحدِث تغييرًا، مُشيرةً إلى أنه وبعد إعلان البيان الختامي للقمة، أكدت حكومة الاحتلال استمرار بناء المستوطنات في الضفة، وصرَّح "نتنياهو" بأنه "خلافًا للتغريدات"، سيستمر البناء وشرعنة البؤر الاستيطانية في الضفة وفق جدول التخطيط والبناء دون أي تغيير، مؤكدًا: "لا يوجد ولن يوجَد أي تجميد"، بالإضافة إلى ما ورد من تصريحات على لسان رئيس مجلس الأمن القومي لدولة الاحتلال "تساحي هنغبي"، الذي ترأس الوفدَ "الإسرائيليَّ" في القمة، التي أكد فيها أنه "لا تغيير في السياسة الإسرائيلية"، وأن دولة الاحتلال ستشرعن تسع بؤر استيطانية وستصادق على 9,500 وحدة استيطانية جديدة في الضفة، وشدد على أنه لا يوجَد تجميد للبناء أو تغيير في الوضع الراهن في القدس ولا توجَد قيود على نشاط جيش الاحتلال في الضفة.
وذكر البودكاست مواقف الرعاة الذين حضروا وعقدوا الاجتماع، إذ عدَّت مصر والولايات المتحدة والأردن التفاهماتِ "تقدمًا إيجابيًّا نحو إعادة تفعيل العلاقات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي".
من جهة أُخرى، أوضحت المدونة ما لاقته قمة العقبة من رفض شعبي فلسطيني، ومن رفض جميع الفصائل الفلسطينية لها، باستثناء "حركة فتح"، التي صرَّح المتحدثون بِاسمها بأن وفد السلطة إلى العقبة حمل مَطالب فلسطينية عادلة وناقش قضايا الأسرى والقدس والتوسع الاستيطاني وحماية الشعب الفلسطيني. ولم يقتصر الموقف الرافض على القوى والفصائل من خارج المنظمة، إذ عبَّر جزءٌ من فصائل منظمة التحرير الممثلة في اللجنة التنفيذية عن موقفٍ معارِضٍ للمشارَكة الفلسطينية في قمة العقبة.
وأشارت المدونة إلى أن الردَّ الأوضَح والأعلى صوتًا جاء من حوارة في نابلس، بعد أيام قليلة من وقوع مجزرة نابلس الأخيرة على يد قوات الاحتلال، وتزامنًا مع انعقاد القمة، والذي نفَّذ فيها مقاوم فلسطينيٌّ عملية إطلاق نار ليخلِّف وراءه قتيلَين من المستوطنِين، في منطقةٍ تَشهد انتشارًا كثيفًا لجنود الاحتلال ومستوطنيه على مدار الساعة، بينما شنَّ المستوطنون هجومًا إرهابيًّا واسعًا استَهدَف قرى حوارة وبورين وعصيرة الشمالية بحمايةٍ من جيش الاحتلال، أدى إلى استشهاد فلسطيني وإصابة أكثر من مِائةٍ آخرِين، إذ نفذ المستوطنون أكثر من 320 اعتداءً على المواطنِين الفلسطينيِّين ضمن محافظة نابلس ومحيطها (وفقًا لتوثيق مركز عروبة لاعتداءات المستوطنين)، والتي عقبها تنفيذ خلايا المقاوَمة عدة عمليات إطلاق نار في مناطق مختلفة من نابلس، إلى جانب سلسلة من عمليات إطلاق النار قرب أريحا أدت إلى مقتل مستوطن وتضرُّر عدة مركبات، ليرتفع عدد قتلى الاحتلال إلى أربعة عشر قتيلًا في أقل من شهرين منذ بداية العام الحالي، في مقابل ثلاثة وثلاثين قتيلًا على مدار شهور العام الماضي كلها.
وأوضح البودكاست ما ورد من إدانات "إسرائيلية" في أعقاب بيان العقبة، إذ صرَّح وزير المالية في دولة الاحتلال "بتسلئيل سموتريتش"، بأنه "لن يُجمَّد البناء الاستيطاني ولو ليوم واحد"، بينما أدان وزير الأمن القومي في دولة الاحتلال "إيتمار بن غفير" الاجتماع قائلًا: "إن ما حدث في الأردن، في حال حدث شيء يُذكَر، سيبقى هناك في الأردن"، وهاجم زعيم المعارضة "يائير لابيد" اللقاء قائلًا: "من المستحيل لدولة إسرائيل أن ترسل وفدًا رسميًّا على أرفع مستوى إلى مؤتمر برعاية أمريكية وتتوصل إلى اتفاقيات، ثم يغرد وزراء كبار في الحكومة ضد أنفسهم. هذه ليست حكومة، هذه فوضى خطيرة".
وأظهر تقدير الموقف تصريحات بعض الخبراء الأمريكيون الذين شككوا في نجاح مساعي التهدئة، خاصةً في ظل استكمال حكومة الاحتلال والمستوطنين ممارساتِهم الفاشيةَ في نابلس على وجه الخصوص.
وقدمت المدونة الصوتية مجموعةً من الخلاصات أكدت أن ما أُعلِن في البيان الختامي الرسمي للِّقاء لا يعكس حقيقة ما جرى التوصل إليه، وأن البيان مجردُ إعلان "بروتوكولي" حول نجاح مساعي الحوار بين فريق السلطة والاحتلال برعاية أمريكية-مصرية-أردنية، وأن الحديث عن لقاء آخَر يسبق حلول شهر رمضان في آذار/مارس، يَعكس دقةَ التقارير "الإسرائيلية" التي تتحدث عن أن هذه الفترة الفاصلة هي فترة فحصُ قدرة السلطة على إحباط العمليات". وأن الشكل المطروح على السلطة الفلسطينية لضبط السيطرة الأمنية وتحقيق مطالبها تتمثل بالتزامها بتنفيذ خطة "فنزل" الأمنية.
وأكدت الورقة في استخلاصاتها، أن الوقائع على الأرض تُثبِتُ أن مُخرَجات قمة العقبة لن تفلح في نزع فتيل التوتر، وأن السلطة لن تستطيع أن تضطلع بدَورٍ أمنيٍّ أكثر فاعليةً وسط تصاعُد الرأي الشعبي الفلسطيني المؤيِّد للمقاوَمة وتوسُّع حالة المقاوَمة المسلَّحة وزيادة فعلها، مترافقًا مع تصاعُد سلوك الاحتلال العدواني المتمثل في جرائم جيش الاحتلال وميليشيات المستوطنِين.
للاستماع للمدونة الصوتية
https://soundcloud.com/oroubaps/wgltqxmqiklc