بحضور وزارة العمل في قطاع غزة، وعدد من المؤسسات الحقوقية والأهلية والإعلامية؛ عقد الائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة (أمان) جلسة استماع حول السياسات الحكومية تجاه الحد الأدنى لأجور العمال في قطاع غزة، نظراً لعدم التزام جميع الجهات المختصة في قطاع غزة بتطبيق الحد الأدنى للأجور لشريحة العمال العاملين في القطاع الخاص المنظم وغير المنظم، ما ساهم في إضعاف ثقة المواطن بالجهات الرسمية وقدرتها على الإيفاء بالتزاماتها نحو تطبيق القانون الذي يكفل كرامة المواطنين والعيش الكريم للعمال وأسرهم.
وتأتي الجلسة في إطار تردي وضع العاملين والعاملات في قطاع غزة، حيث حرم الكثيرون/ات من ممارسة حقهم في العمل، واستحقاقهم لأجورهم، وبالتحديد تلك الفئة التي تتلقى مقابل مالي أقل بكثير من الحد الأدنى للأجور المنصوص عليه في القانون الفلسطيني، في ظل ارتفاع نسب البطالة التي وصلت الى 44% في قطاع غزة مقابل 12% للضفة الغربية بحسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني.
أجمع المشاركون على رفع توصية تتمحور حول إعادة تفعيل لجنة الأجور لإعادة النظر في ملف الأجور في قطاع غزة لدراسة واقع القطاع الاقتصادي ومراجعة الحد الأدنى للأجور وفقا له، فيما توافقت جميع الأطراف المشاركة في الجلسة على ضرورة تبني نقابة العمال لمبادرة تعمل على معالجة ملف الحد الأدنى للأجور من خلال دراسته بإشراك وزارة العمل وكافة الأطراف من أرباب العمل لايجاد الطريقة المثلى لحالة التوازن التي تعزز كرامة وحقوق العاملين.
قرار رفع الحد الأدنى للأجور لا يشمل تفاصيلا حول آليات تطبيقه
وكان مجلس الوزراء قد أصدر قراراً رقم (4) لسنة 2021 حول الحد الأدنى للأجور في فلسطين، حيث رفع الحد الأدنى للأجور إلى 1880 شيكل بالشهر (85 شيكل باليوم و10.5 شيكل) بالساعة ابتداءً من بداية العام 2022، ولا بد من الإشارة إلى أنه لا يشمل القرار أي تفاصيل حول آليات تطبيقه، كما لم يطبق في قطاع غزة، نتيجة استمرار حالة الانقسام السياسي وتداعياتها الخاصة بغياب سياسات وطنية للتشغيل ودعم القطاع الخاص، وتفعيل إجراءات الرقابة على المنشآت العاملة وضعف دور النقابات العمالية في قطاع غزة في تعزيز حقوق العمال، الأمر لذي ساهم في غياب الالتزام بتطبيق قانون العمل الفلسطيني والمعايير الدولية للحق في العمل.
أمان: رصدنا العديد من الشكاوى والشهادات الحية لمبلغين ومبلغات عبروا عن تظلماتهم من ظروف عمل سيئة يلازمها أوضاع معيشية متردية
افتتح الجلسة السيد وائل بعلوشة، مدير المكتب الاقليمي في قطاع غزة، حيث تحدث عن رصد بعض الشكاوى، والشهادات الحية لمتوجهين الذين عبروا عن تظلماتهم لوحدة المناصرة في ائتلاف أمان ولمؤسسات حقوقية، ولتظلمات منشورة على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث أكد بعض العمال العاملين في المنشآت التجارية ممن تواصلوا مع أمان أن أجرهم يحتسب بمعدل 2 شيكل للساعة وبساعات دوام تصل لإثني عشر ساعة في ظروف غير صحية وغير مهنية، مشيرا أن بيِّنات واقع سوق العمل تشير إلى وجود العديد من الفجوات والإخفاقات على صعيد أنظمة وإدارة التشغيل في سوق العمل، بالإضافة إلى وجود فجوات تمييزية بين الفئات العاملة، في ظل تزايد ارتفاع نسبة البطالة، وتدني الأجور، وعدم الالتزام بشروط وظروف العمل والحد الأدنى للأجور، والتلاعب بعقود العمل، وضعف العمل النقابي، وضعف الرقابة الرسمية على المنشآت التجارية والصناعية والحرفية.
الحد الأدنى للأجور والمفروض تطبيقه في القطاع أقل من خط الفقر المدقع
وبدورها، استعرضت السيدة مروة أبو عودة، منسقة المناصرة والمساءلة المجتمعية، واقع الحد الأدنى للأجور، مشيرة أن الحد الأدنى للأجور المفروض تطبيقه في القطاع هو 1450 شيكل، مقابل 1880 شيكل في الضفة الغربية، بينما يشير الواقع في أحسن الأحوال في القطاع أن الحد الأقصى قد يصل الى 1000 شيكل، بينما 700 شيكل في الحد الأدنى. وبيّنت أبو عودة أن خط الفقر المدقع يصل الى 1974 شيكل وهو المبلغ الذي يعكس حاجة الأسرة من تأمين الحاجات الأساسية مأكل ومشرب ومسكن، وأن خط الفقر العادي يصل الى 2740 شيكل، ما يعكس الحاجات الأساسية السالفة الذكر، إضافة الى نفقات التعليم والمواصلات لأسرة معيارية مكونة من 5 أفراد.
ضعف وعي العمال بأهمية دورهم في المساءلة عن حقوقهم
وفي حديثه، شدد السيد إيهاب الغصين، وكيل وزارة العمل في قطاع غزة، على أهمية تطبيق قانون العمل من كافة الأطراف لضمان حماية حقوق شريحة العمال، مبينا أن أهم محددات الحد الأدنى للأجور، والتي يستوجب أخذها بعين الاعتبار، وهي خط الفقر ومعدل الإعالة ومعدل الاستهلاك أو متوسط الإنفاق لكل أسرة. فيما تطرق الى عدد من المعطيات التي تعيق من تطبيق الحد الأدنى للأجور، مبيناً أنه لم يتم تمثيل محافظات قطاع غزة عندما شكلت الحكومة الفلسطينية لجنة لمراجعة الأجور، وعليه، جرى إقرار الحد الأدنى للأجور دون دراسة واقع غزة خاصة وأنه تم اعتماد نفس القيمة لكافة القطاعات والمهن. كما أشار الغصين بضعف وعي العمال بأهمية دورهم في المساءلة عن حقوقهم، وتقدمهم بشكاوى لوزارة العمل، وهم على رأس عملهم، ما يعيق اجراء رقابة فاعلة ومساءلة سريعة لأرباب العمل حول الانتهاكات بحق العمال. وأوصى الغصين بدوره بضرورة العمل على تشكيل لجنة لدراسة الأجور في غزة ومراجعتها.
تعقيبات متعددة
وعقب السيد علي الجرجاوي، مدير مركز الديمقراطية وحقوق العاملين في غزة، أن وزارة العمل اتخدت قرارا عام 2012 باعتماد التعويض عن الاصابات على أساس الحد الأدنى للأجور، ولكن تم التراجع عن القرار عام 2020 بسبب عدم التزام القضاء به، متأملا أن يتم إعادة تطبيقه بالإضافة اعتماد مكافأة نهاية الخدمة على أساس الحد الأدنى للأجور.
وأشار الباحث حسين حماد، من مركز الميزان لحقوق الانسان، أن الواقع يحتاج لتدخل الجهات الرسمية والأطراف ذات العلاقة لتنظيم ساعات العمل، وتفعيل دور الوزارة الرقابي، وضرورة إجراء حوار شامل مع كافة الأطراف لايجاد حل قانوني لهذه القضية.
فيما تطرق الباحث أنس البرقوني في الهيئة المستقلة لحقوق الانسان، أن الحل يكمن في تطبيق وزارة العمل سياسة التدرج بالحد الأدنى الأجور، مبتدئة بمشاريع التشغيل المنفذة من قبل الوزارة أو باشرافها.
في حين شدد المحامي محمد الحداد، مستشار قانوني في وزارة العمل أن دور الوزارة يكمن في تنظيم سوق العمل وأوضح أن الوزارة لديها الإدارة العامة للتفتيش التي تعمل بشكل مستمر وفاعل للرقابة على سوق العمل لضمان احترام حقوق العمال وضمان توفر بيئة العمل المناسبة لهم، مشيرا أن لجنة الإرشاد المشكلة داخل الوزارة، تقدم مشورتها لكافة الإدارات من أجل تحسين آليات الرقابة على سوق العمل
وحول الشكاوى، أفاد السيد شادي صبيح، رئيس وحدة علاقات العمل أن الوزارة تلقت خلال عام 2022، 755 شكوى، أنجزت منهم 560 مخالصة عمالية، ما يعكس فعالية المساءلة على مستوى معالجة شكاوى العمال من قبل الوزارة. وفيما يتعلق بالشكاوى الواردة من عمال النظافة؛ اتخذت وزارة العمل إجراءات عملية تنصف العمال، وصلت الى تقديم توصيات لوزارة المالية باستثناء شركات معينة من المناقصات، نظرا لعدم احترامها حقوق العمال، إذ أصبح من ضمن الشروط التي تلزم بها الشركات في المناقصات حصولها على خلو طرف من قبل وزارة العمل لضمان عدم مخالفاتها لقانون العمل قبل التقدم للمناقصة. وفيما يتعلق بقيمة الأجر الشهري للعامل، فقد تم تحديده بقيمة 700 شيكل في النظافة.