- بقلم: ينيف كوفوفيتش:
صباح هادئ في حوارة. المحلات مفتوحة وحركة السيارات في الشارع الرئيسي نشطة وهنا وهناك تسمع أصوات أبواق السيارات، حياة روتينية. على جانب الطريق يوجد موقع حراسة مرتجل للجيش الإسرائيلي يقف فيه جندي احتياط في الثلاثينيات، يستند الى أكياس الرمل التي وضعت في المكان. خوذته مائلة، هو ينظر بلا مبالاة الى ما يحدث حوله، ويبدو أنه لا يريد أن يكون هنا. ربما أكثر مما يظهر، "عقلي لا يتوقف عن العمل"، قال في محادثة عارضة مع "هآرتس". "كل ما يدور في ذهني هو متى سأغادر هذا المكان".
جندي الاحتياط هذا سنسميه هنا ج. هو يقول بأنه منذ بدء الاحتجاج ضد الانقلاب النظامي فإن له دوراً فعالاً فيه. في تظاهرات نهاية الأسبوع في شارع كابلان في تل ابيب وقع على عريضة تطلب من جنود الاحتياط الى رفض الخدمة اذا لم تعد إسرائيل دولة ديمقراطية. "فكرت بيني وبين نفسي متى يكون من الصحيح اتخاذ هذا القرار"، قال. "بعد الليلة السوداء في حوارة قررت، أنهيت عملي مع رجال الاحتياط في المناطق". في المرة القادمة التي سيأتي فيها الاستدعاء سيتجاهل ذلك. "ما حدث في تلك الليلة لي ولأصدقائي أمر سيبقى معنا طوال حياتنا. كانت هنا ليلة البلور".
جرت المحادثة بعد اسبوع تقريباً، الثلاثاء الماضي، في الحادية عشرة صباحاً. رغم الفترة التي انقضت وكل ما مر عليه في خدمته العسكرية – الخدمة النظامية والاحتياط – فان ما حدث في تلك الليلة كان شيئاً مختلفاً. "كان هنا مستوطنون، وكان القتل يشع من عيونهم"، يستذكر. مؤلمة هي حقيقة أن السكان الفلسطينيين تركوا لمصيرهم. "أقف هنا ولا يمكنني النظر الى الفلسطينيين الذين يمرون من هناك من شدة الخجل".
انقضى يوم منذ أن طرح ج. خيبة أمله غير الرسمية، وقدم الجيش الإسرائيلي موقفه الرسمي من أحداث تلك الليلة التي عربد فيها نحو 400 مستوطن في حوارة في جنوب نابلس. حسب التحقيق العسكري فانه لم يكن هناك ما يكفي من القوات في تلك المنطقة لمنع العنف وتخريب السيارات واحراقها واحراق بيوت تعود لسكان القرية. وقال رئيس الاركان، هرتسي هليفي، إن القيادة اخطأت في تخصيص القوات والسيطرة على الحدث. اضافة الى ذلك كل هذه الجهود أدت الى الاستنتاج بأنه لم يتم اتخاذ أي خطوات انضباطية ضد المشاركين.
لكن يبدو أن عددا من المتورطين، على الاقل في الجانب العسكري، يستخلصون الدروس وحدهم، حتى أنهم يندمون على الخطأ. "أشعر بأنه يصعب علي اليوم الوصول الى الفلسطينيين في حوارة والتحدث معهم. هناك شعور من الخجل بسبب أنه لا يوجد ما يمكن قوله لهؤلاء الناس"، قال أحد القادة الذي كان في المنطقة في تلك الليلة في نقاش امني مغلق. وحسب اقوال مصدر مطلع على تفاصيل المحادثة التي شارك فيها ايضا ضباط كبار فان "الجنود مروا بوضع صعب جدا من ناحية نفسية". أو حسب تعبير القائد: "جاء الناس لي بعد الحادثة وقالوا بأنه كان صعبا من ناحية نفسية وأنهم لم يكونوا مستعدين له. أيضاً في غرفة العمليات وفي نقاط المراقبة هناك طلبات كثيرة للمساعدة النفسية بسبب الأحداث والأصوات. عائلات كثيرة كانت عالقة في البيوت التي تحترق وقالوا إنها ستحترق في البيوت مع أبناء العائلة. وجد الناس صعوبة في مواجهة هذه المشاعر".
يبدو أن الصعوبة النفسية للجنود تتكون من عنصرين. الأول هو مواجهة مشاهد الأولاد والشيوخ العالقين في بيوت تحولت الى شرك من النار، وأسطول السيارات المحروقة. الثاني هو مشاعر الذنب، والمسؤولية عما حدث للفلسطينيين في القرية في الساعات الأولى للاضطرابات حيث تركزت معظم جهود قوات الجيش على ملاحقة "المخرب" الذي قتل الأخوين هيلل ويغيل يانيف قبل بضع ساعات من ذلك. "علمت القوات على الأرض أن هناك مستوطنين جاؤوا لكنهم لم يستطيعوا تقدير العدد وما الذي يفعلونه لأنهم كانوا متفرقين، حاول ضابط كان في المكان الشرح. "فقط عندما حل الظلام وكان يمكن رؤية اللهب والدخان وبدأت تصل الأنباء عن عائلات كاملة عالقة في البيوت فهمنا عظم الحدث وما الذي يحدث. عرفنا ايضا بأن إلقاء القبض على 'المخرب' اصبح حدثاً ثانوياً في هذا الامر. كان من الواضح لنا أن 'المخرب' سنعتقله، لكن كان يجب علينا انقاذ الارواح". هكذا، في يوم الثلاثاء الماضي قتل عبد الفتاح خروشة المتهم بقتل الاخوين يانيف أثناء نشاط للجيش الإسرائيلي في مخيم جنين.
أمر عسكري لتنفيذ مذبحة
في بداية الأسبوع الماضي انطلقت قوة للجيش الإسرائيلي من اجل القيام بنشاط استثنائي في حوارة. القوة، وهي عدد من كبار الضباط الذين تجولوا بين بيوت القرية وبين العائلات التي كانت ضحية للمذبحة في محاولة لتقرير الأضرار للبيوت والأشخاص والعلاقات مع جنود الإدارة المدنية الذين جاؤوا في النهاية لمساعدة السكان. الضباط الكبار استقبلهم وليد (اسم مستعار)، أمام مبنى محترق وليس فيه أي نوافذ أو أبواب وهو غير قابل للسكن. ولكن لا يوجد بيت آخر لعائلته. "هذه هي المرة الرابعة التي يحرقون فيها بيتي"، قال وقدم لهم التفاصيل الدقيقة عن تسلسل الأحداث في ذلك المساء كما شهدها هو وأولاده الستة. "المستوطنون الملثمون الذين طوقوا البيت وهم مسلحون بالحجارة والهراوات وقاموا بتحطيم النوافذ ورش الغاز على الأولاد وهذا ما فعلوه أيضاً بالكلاب. لقد اخذوا كلبين من مدخل البيت وقاموا بضربهما وقتلوهما أمام عيون الأولاد الذين كانوا يسمعون نباح الكلاب والصراخ". وقال إنه حاول الهرب مع الأولاد من البيت ولكنه كان محاصراً. المستوطنون كانوا حوله من كل الجهات وكانوا يرشقون الحجارة. طلب من الأولاد الاختباء في الغرفة، وبعد ذلك بدؤوا يشمون رائحة قوية للوقود وبعد ذلك بدؤوا يرون دخاناً. لقد بدؤوا في إحراق البوابة الرئيسية. امتلأ البيت بالدخان ولكنهم أغلقوا طريق خروجنا. منذ ذلك الحين مرت ساعتان الى أن أنقذهم ضباط الإدارة المدنية من البيت المشتعل في اللحظة الأخيرة. "لو أنهم لم يأتوا في ذلك الوقت لكنا سنموت داخل البيت"، قال. "لا شك لدي".
ضابط كبير كان في المكان قدم الاعتذار، وعندها استند الى شجرة الليمون ومسك رأسه. "من فعل هذا هو غير يهودي"، قال احدهم لزميله. "لا يمكنني النظر في عيونهم. لا يمكن الوقوف هناك قرب هذا الأب مع اولاده وسماع مثل هذه القصص. يجب علينا التوقف للحظة والسؤال الى أين نحن وصلنا".
في محادثات مع جنود احتياط، قادة، وضباط (أيضاً ضباط كبار)، عاد وظهر الشعور بأن هناك شيئاً قد تغير. نوع من الاستيقاظ بخصوص مكانة الجيش كحاجز بين الفلسطينيين والمستوطنين، وبشكل عام نشاطاته في "المناطق". "كان هناك جنود ببساطة لم يستطيعوا استيعاب أن اليهود يركضون بين البيوت ويحاولون حرق أولاد ونساء وشيوخ"، قال ضابط كان في المكان في تلك الليلة. "سماع شخصيات رفيعة في الدولة تؤيد ذلك، هذا أمر لا يمكن استيعابه. لا توجد لديهم أي فكرة عما حدث هنا".
حسب أقوال هذا الضابط فانه عندما حاول هو وجنوده إبعاد المستوطنين عن المكان فإن الأخيرين ببساطة هاجموا الجنود بعنف. "أنا لا أتذكر مثيلاً له". قبل ذلك، شاهد كيف أن مجموعة من المستوطنين انتظرت خارج البيت الذي تم احراق واجهته. "لقد انتظروهم هناك وهم يحملون الحجارة والعصي والغاز المسيل للدموع لهدف واضح: اذا هربوا من النار فهم سيصلون مباشرة الى ايديهم وعندها سيهاجمونهم. فقط بمعجزة تلك الليلة لم تنته كما انتهت بعائلة دوابشة في دوما".
على بعد بضعة أمتار من بيت وليد يوجد بيت أحمد، وهو موقع للسيارات. هو أيضا تحدث عن عشرات المستوطنين الملثمين عن رشق الحجارة ورش الغاز المسيل للدموع وإشعال النار. أمر عسكري بتنفيذ مذبحة. والدته (76 سنة) كانت معه في البيت، وأيضاً ابنته التي هي من ذوي الاحتياجات الخاصة. "خفت أن يصيبوهم بأي سوء. أيضا طلبت من والدتي الاستلقاء على الأرض والتظاهر بأنها فاقدة الوعي وأنها لا تتحرك"، قال. "البيت كان مملوءاً بالدخان ودخل عدد من المستوطنين اليه وقاموا برش الغاز علينا. مرّ أحدهم بجانب والدتي المستلقية على الأرض وحاول تحريكها بقدمه للتأكد من أنها فاقدة للوعي حقاً. ولكن كما يبدو أشفق عليها وتركها".
خلال كل هذا الوقت انتظر احمد أن يأتي أحد من الجيش. "كان الكثير من الجنود خارج البيت وقد شاهدوا بأن هناك مشكلة، لكنهم لم يحاولوا وقف المستوطنين"، قال للضباط. "لقد تركوني أنا وأمي واولادي لنموت في البيت". في النهاية فقط جاء الجنود، ضباط الإدارة المدنية دخلوا الى البيت المشتعل وقاموا بانقاذ السكان، قبل لحظة من أن يكون الوقت متأخراً جداً.
أين لوائح الاتهام؟
أحد الضباط الكبار في الجولة هو الجنرال غسان عليان، منسق أعمال الحكومة في "المناطق". هو عبر عن الأسف وقال إنه يخجل مما حدث، ووعد بإصلاح الوضع. ولكن على سؤال أحمد لم يكن لديه أي جواب واضح. "يعرف الجيش الإسرائيلي في كل لحظة أين نوجد، من يسافر ومن ينام ومن يأكل، كيف لم يقوموا باعتقال هؤلاء المجرمين؟"، تساءل والدموع في عينيه. "كيف أن الجيش حتى الآن يسمح لهم بالتجول في الخارج؟".
أحمد ليس الوحيد الذي سأل هذا السؤال. بعد أُسبوعين على الحادثة تم اعتقال (وتم إطلاق سراح) عدد من المشبوهين. وهناك عدد قليل من المعتقلين الاداريين. ولكن لا أحد حتى الآن تم تقديمه للمحاكمة. "هناك أسماء الأشخاص البارزين الذين خططوا وشجعوا على الحادثة في حوارة وكانوا مشاركين في عملية الإحراق"، قال مصدر امني مطلع على تفاصيل الحادثة. "هذه القوائم توجد لدى جهاز إنفاذ القانون، وحتى الآن لم يحدث أي شيء باستثناء عدة نشاطات محددة".
في أوساط كبار الضباط في جهاز الأمن هناك شعور بأن الحكومة الإسرائيلية لم تتخذ بعد أي قرار حول كيفية مواجهة التطرف في أوساط المستوطنين، بما في ذلك، وربما بالأساس، المذبحة في حوارة. "الشعور هو أنه لا أحد يريد العمل ضد ذلك، ولا يريد حقا تقديم هؤلاء المجرمين للمحاكمة"، قال مصدر امني مطلع على تفاصيل التحقيق في محادثات مغلقة. "هم يعرفون من الذي قاد هذا العار في حوارة. الآن يمكن الذهاب الى بيوتهم واحضارهم. لا أعرف إذا كان هذا أمرا من الاعلى، عدم العمل ضد الزعران، أم أن النظام بدأ يفهم وحده متى ينتظرون منه العمل ومتى لا، لأن هذا وضع خطير من المحظور الوصول اليه".
ربما تحقق الوضع الخطير، وهو يحدث في هذه الأثناء. بالنسبة للعالم لا يوجد أي سؤال. "صحيح أنه حتى الآن لا توجد أي جهة دولية تعتقد بأن إسرائيل غير مذنبة فيما حدث في حوارة"، قال مصدر أمني في النقاش الذي اجري في قيادة المنطقة الوسطى بعد المذبحة. "لا يوجد من يعتبرنا على حق. المسؤولية عن هذه الحادثة موجهة لإسرائيل".
تحولت حوارة أيضاً الى رمز. شاهد سكان القرية التنكيل والإحراق خلال السنوات. ولكن عندما ألقيت في الجو كلمات "المذبحة في حوارة" اصبح من الواضح للجميع أن الأمر يتعلق بأحداث 26 شباط 2023. في هذا الوضع تقف القرية على الخارطة كمكان معد لاضطرابات متكررة. حسب اقوال مصدر أمني فإن أي عملية يمكن أن تؤدي بالمشاغبين الى العودة الى حوارة لجولة أخرى. "لقد حولوها الى ساحة قتال".
في غضون ذلك قرر شباب فلسطينيون الاستعداد لما سيأتي. في الأسابيع الأخيرة أقاموا منظمة حراسة تشبه "الحارس الجديد" في إسرائيل. مجموعات من عشرات الفلسطينيين يأتون الى المنطقة قرب نقاط الاحتكاك ويجلسون حول مواقد للنار في الليل، هكذا وصف ضابط رفيع. وحسب قوله هم لا يحملون السلاح، ولكنهم يعتبرون انفسهم قوة ستدافع عن القرى الفلسطينية اذا حدثت أحداث مشابهة. "في هذه المرحلة هم لا يعتبرون تنظيمات"، أشار. "لكن من أجل تمويل النشاطات لا نستبعد إمكانية أن تعتبر التنظيمات الإرهابية هذه المجموعات أرضية خصبة للدخول إليها".
عن "هآرتس"