رغم انتشار المولات التجارية الحديثة التي توفّر للمشترين سبل الراحة خلال التسوّق، ما زال سوق الزاوية الشعبي وسط مدينة غزة يحافظ على رونقه ومكانته التاريخية.
يعتبر السوق امتدادا تاريخيا لسوق "القيسارية" الأثري، الذي يعود تأسيسه إلى العصر المملوكي ويعرف حاليا باسم "سوق الذهب".
ويقع في أحد مداخله الرئيسية الجامع العمري الكبير، أكبر الجوامع الأثرية بمدينة غزة والذي تبلغ مساحته نحو 4100 متر، وتقول مراجع تاريخية أنه أقيم على أنقاض أحد المعابد الرومانية.
ينقسم السوق إلى عدد من الزوايا كل زاوية تختص ببيع نوع معين من المنتجات والسلع الغذائية، من بينها "العطارة، واللحوم والأسماك، والخضار والفاكهة، وألعاب الأطفال، والمنتجات الغذائية".
ومع اقتراب شهر رمضان تكتسي أزقة السوق، التي تنتشر فيها رائحة الأعشاب الطبيعية العطرية، بحلة الزينة الخاصة باستقبال هذا الشهر من الفوانيس والأهلّة المضيئة.
كما يتردد إلى مسامع المتجولين في السوق أناشيد تُهلل باقتراب رمضان وأصوات التهنئة بقدوم هذا الشهر بين التجّار والمشترين.
ويقول التجار في أحاديث منفصلة لوكالة "الأناضول"، إن لهذا السوق أهمية كبيرة لدى سكان القطاع، ووجهة للمشترين قبل حلول شهر رمضان مهما تطورت المحال التجارية الكبيرة واكتست بالمظاهر العصرية.
وكما بقية القطاعات الاقتصادية بغزة، تتأثر محال سوق الزاوية بالأزمة المركّبة الي يعيشها السكان، حيث بدا ذلك واضحا على حجم إقبال الناس للتجهيز لرمضان.
هذه الأزمة تجمع، وفق خبراء اقتصاديين، بين "تداعيات الحصار الإسرائيلي والانقسام الفلسطيني الداخلي وما خلّفاه من ارتفاع في نسب الفقر والبطالة، والارتفاع العالمي بأسعار المواد الغذائية، وارتفاع أسعار المحروقات والنقل، وأخيرا انخفاض قيمة الشيكل مقابل الدولار الأمريكي".
ووفق المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، فإن نحو مليون ونصف مليون فرد من سكان غزة، البالغ عددهم مليونين و300 ألف نسمة، يعيشون حالة الفقر بسبب القيود الإسرائيلية المفروضة على القطاع المشددة منذ منتصف 2007.
اهتمام شعبي
السيدة الفلسطينية سها راضي (28 عاما)، تقول لوكالة الأناضول، إنها اعتادت منذ أن كانت طفلة "التردد على سوق الزاوية قبل حلول شهر رمضان لشراء السلع الأساسية برفقة عائلتها".
وتضيف: "محلات السوق منظّمة وفق نوع السلع الغذائية، وفيها تنوع يلبّي احتياجات المشترين كافة، فضلا عن أسعارها المناسبة بخلاف المحال والمولات التجارية".
وذكرت أن "قربها من الأماكن الأثرية، كالجامع العمري وسوق الذهب يعطي التسوّق ميزة خاصة حيث تتجول في هذه الأماكن التي تشعرها بأصالة المدينة".
أما الفلسطيني محمد الحلو (٣٥ عاما)، بائع المخلّلات والعامل في سوق الزاوية منذ أكثر من 20 عاما، فيقول إن السوق من أهم الأسواق الشعبية بغزة.
ويشكو الحلو، للأناضول، وهو يرتّب أنواع المخلّلات المختلفة داخل صناديق بلاستيكية ملوّنة لعرضها للبيع، من قلة الإقبال لهذا العام بسبب الأزمة الاقتصادية.
ويلفت إلى أن "المخلّلات من أبرز الأصناف الغذائية وأهم مكوّنات المائدة الرمضانية في غزة والتي يقبل السكان على شرائها بكثرة".
أما بائع الفاكهة في سوق الزاوية منذ ما يزيد عن 58 عاما، عبد القادر أبو شعبان (68 عاما)، يقول إنه "عاش عمرا مديدا في السوق".
ويضيف لوكالة "الأناضول"، "رغم ضيق الحال إلا أن مظاهر البهجة في هذا السوق التاريخية لا تختفي، حتّى وأن لم يقبل الناس على شراء مستلزمات رمضان، فهم يستمدون البهجة والروحانية من مظاهرها".
ويوضح أن حركة السوق ضعيفة لهذا العام، مردفا: "على مدار 58 عاما، لم أعش أسوأ من هذه الأيام التي تمر على المواطنين بأزمة اقتصادية كبيرة".
وذكر أن البائعين تأثروا من تراجع حركة السوق الأمر الذي انعكس على أوضاعهم الاقتصادية وتوفير مستلزمات عائلاتهم الرمضانية.
مظاهر الفرح
ورغم الأوضاع الاقتصادية الصعبة، فقد أبدى البائعون مظاهر الفرح بحلول هذا الشهر من خلال تثبيت زينة رمضان في زوايا السوق لإضفاء نوع من البهجة على الأطفال الذي يتجولون برفقة عائلاتهم.
الفلسطيني محمد حبوش (43 عاما)، الذي يعمل في بيع زينة رمضان في الزاوية منذ 7 سنوات، إن سوق الزاوية دائما تواكب المناسبات وتكتسي بالزينة سواء في رمضان أو الأعياد.
وأضاف لـ"الأناضول" إن "المواطنين يقبلون على شراء الفوانيس المضيئة والزينة الرمضانية رغم وضعهم الاقتصادي الصعب".
وأرجع ذلك الإقبال إلى "رغبة السكان في إيجاد أي مصدر للبهجة في منازلهم ولدى أطفالهم، يخرجهم من أجواء اليأس والإحباط التي خلّفتها الحروب الإسرائيلية والظروف الاقتصادية".
كما يقول إن سكان غزة "يعيشون أجواء رمضان بكل تفاصيله وأجوائه الروحانية فيحوّلون منازلهم لما يتناسب مع هذا الأمر".
وخلال السنوات الأربع الماضية، زاد اهتمام السكان بشراء زينة رمضان زهيدة الثمن، وأصبح المواطن اليوم يبحث عن تنويع هذه الزينة والتميّز بها، بحسب حبوش.
ويضيف: "بسبب انعدام السيولة لدى المواطنين، نضطر لبيع المستلزمات والزينة الرمضانية بخسائر نتكبدها نحن، لسببين الأول تصريف هذه البضائع والثاني عدم تكبد المزيد من الخسائر".
ظروف صعبة
وحول الأوضاع الاقتصادية بغزة، يقول المحلل الاقتصادي سمير أبو مدلّلة، المحاضر في جامعة الأزهر بغزة، إن "القطاع يمرّ بظروف صعبة واستثنائية جرّاء الحصار المفروض منذ عام 2006 الذي يتحكم بحركة المعابر والصادرات والواردات وما تخلله من اعتداءات عسكرية متكررة".
وأضاف للأناضول، إن "العدوان الإسرائيلي المتواصل أدى إلى تدمير جزء كبير من الاقتصاد الفلسطيني بغزة".
وأوضح أن شهر رمضان لهذا العام يمرّ في ظل "أوضاع اقتصادية صعبة للغاية يعيشها سكان القطاع، في ظل نسبة بطالة تصل إلى 47 بالمئة وفقر مدقع تجاوز الـ53 بالمئة وتوقف عشرات المصانع بالتزامن مع تراجع في النمو ومستوى الدخل".
ويردف قائلا: "كما أن 70 بالمئة من السكان يعتمدون على المساعدات المقدّمة سواء من وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين أونروا، أو من الشؤون الاجتماعية أو المنحة القطرية أو منظمة الغذاء العالمية".
وبيّن أن هذه الأوضاع من شأنها أن تؤثر على "السلّة الغذائية الرمضانية للكثير من العائلات التي تعاني الفقر والبطالة والحرمان، والتي تعجز عن توفير مستلزماتها الأساسية".
وعن ضعف حركة الأسواق، قال أبو مدلّلة إن هذه الحركة تعتمد بشكل أساسي على "صرف رواتب الموظفين سواء في القطاع الخاص أو العام".
وأردف: "جزء من هذه الرواتب تذهب بالعادة لسداد ديون الموظفين السابقة وتسديد التزاماتهم المالية".
ولم تكتف الأزمة الاقتصادية عن هذا الحد، بل تأثر المواطنون في غزة بالارتفاع العالمي بأسعار المواد الغذائية
والمحروقات.
وقال أبو مدلّلة عن ذلك: "الأزمة الروسية الأوكرانية أدت إلى ارتفاع أسعار الحبوب ومشتقاتها ما أثر على المواطنين بغزة".
وأضاف: "كذلك ارتفاع أسعار النفط العالمي، أدى لتزايد تكاليف النقل، بالتالي تصاعد أسعار السلع في كل العالم".
وفي قطاع غزة، يتأثر الفلسطينيون بعملات الدول الأخرى حيث أدى انخفاض قيمة الشيكل لمزيد من التدهور في الأوضاع الاقتصادية، وفق أبو مدلّلة.
وقال عن ذلك: "الشيكل انخفض مقابل الدولار وكل واردات غزة بالدولار، وهذا التراجع أدى إلى المزيد من الارتفاع في الأسعار بالأسواق المحلية".