انعكست القوة المفرطة والمميتة التي تستخدمها قوات الاحتلال الإسرائيلي ضد المدنيين الفلسطينيين خلال اقتحامها المناطق الفلسطينية على الأطفال بشكل أساسي، فإضافة إلى انتهاكها الحق في حياة 17 طفلا منذ بداية العام الجاري، فقد تركت ممارساتها آثارا كبيرة على أطفال آخرين ظهرت في سلوكهم وتفكيرهم وتحصيلهم الدراسي، منتهكة بذلك حقوقهم التي كفلتها القوانين الدولية، ومهددة أمنهم النفسي والاجتماعي.
وفي هذا الصدد، وثقت الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال واقع عدد من الأطفال من محافظة جنين، الأكثر استهدافا من قبل قوات الاحتلال، من حيث الاقتحامات وعدد الشهداء.
فمن بين 17 طفلا شهيدا منذ بداية العام الجاري، هناك ستة أطفال من محافظة جنين، إضافة لاستخدام أطفال كدروع بشرية، واحتجاز آخرين لساعات طويلة في منازلهم واستخدامها كثكنات عسكرية ونقاط قنص ومراقبة، خلال اقتحامات المدينة ومخيمها، الأمر الذي أثر على الأطفال بشكل كبير.
الطفل (ي.أ 17 عامًا) قال للحركة العالمية للدفاع عن الأطفال، خلال "توجهي وزميلي محمود السعدي (17 عاما) إلى المدرسة صباحا، اقتحم جيش الاحتلال المخيم وبدأ بإطلاق النار من جميع الجهات، هرب كل منا في طريق، لأتفاجأ بعدها أن زميلي قد استشهد (21-1-2022)، كنا نخطط سويا أن نتخرج من المدرسة ونذهب للجامعة وندرس معا، لكن ذلك كله تحطم، أصبحت أكره المدرسة وطريقها".
أما الطفل (و.ز 16عاما)، فقال: "اقتحامات الاحتلال للمخيم أصبحت روتينا، الجيش يدخل في أي وقت، لذلك أصبحت لا أستطيع الخروج من المنزل، وأخاف من مداهمات الجيش وأنا خارج المنزل، اعتدت الخروج ولقاء الأصدقاء في أزقة المخيم حيث لا مكان للهو أو اللعب، فما بالك عندما يكون الخروج من المنزل أمرا يهدد حياتي، أصبحت تفاصيل حياتنا منحصرة بالحفاظ على الحدود الدنيا من الحياة بالحيطة والحذر والترقب والتوتر".
وقال الطفل (م.ن 17 عاما): "في كل اقتحام يكون هناك شهداء وإطلاق نار وتدمير بيوت وتخريب ممتلكات، الرصاص اخترق جدران منزلنا، يلاحقني الخطر وأنا في فراشي، وعندما أريد التنقل داخل المنزل اضطر للزحف على بطني خوفا من رصاص قناص، أو رصاصة طائشة، الموت أرحم من هذا الخوف والقلق، منذ أكثر من عام لا أستطيع النوم بشكل طبيعي أو لساعات كافية، أحيانا أستيقظ على صوت الرصاص والانفجارات، وأحيانا أخرى أستيقظ بفعل الكوابيس، لم أعد أفرق بين الحلم والحقيقة".
أما الطفل (ر.ع 15 عامًا) فأشار إلى أن المخيم "أصبح مليئا بصور الشهداء، وخلف كل شهيد هناك حكاية وذكريات، شاهدت من نافذة المنزل شبانا أصيبوا برصاص الاحتلال وتركوا ينزفون حتى فارقوا الحياة، وشاهدت أيضا جثامين شهداء محترقة بالكامل، أصبحت أخشى من التحرك حتى في المنزل، كنت فيما مضى أكره الليل من الاقتحامات المتكررة، لكنني الآن أكره اليوم جميعه، بليله ونهاره، كان المخيم ضيقا فيما مضى، ومع ضيقه كان يتسع لنا ولأحلامنا ولأصدقائنا، لكنه الآن ضاق إلى حدوده الدنيا، لقد اختنقت أحلامنا، يخنقها الاحتلال مع كل اقتحام يستشهد فيه صديق ما، حتى أيامنا كتلاميذ عاديين أصبحت عبئا فظيعا، المخيم والشارع والمدرسة ممتلئة بذكرياتنا مع أصدقاء شهداء".
وأضاف: "لقد قتلت قوات الاحتلال أستاذنا جواد بواقنة، كان الأستاذ الأقرب لنا، يبعث فينا النشاط والأمل عبر نشاطاته وحركته الدائمة المفعمة بالحيوية، وكان له قدرة فائقة على دعمنا نفسيا في ظل هذه الظروف التي يشهدها المخيم، واليوم فقدنا أحد أهم مصادر الدعم النفسي، باتت المدرسة ذكرى أليمة لأحبائنا، نحاول ما استطعنا البعد عنها".
وفي واحد من اقتحامات مخيم جنين، حاصرت قوات الاحتلال الإسرائيلي منزلا واقتادت الأب بعيدا عن زوجته وطفلتيه تولين (عامان) ومسك (عام)، وقد أرغم جنود الاحتلال الأم وطفلتيها على المكوث في إحدى غرف المنزل التي استخدموها كنقطة للمراقبة وإطلاق النار والصواريخ المحمولة على الكتف، معرضين حياة العائلة لخطر شديد.
والد الطفلتين قال للحركة العالمية للدفاع عن الأطفال إن سلوك طفلتيه تغير جذريا بعد هذه الحادثة، خاصة تولين التي تحولت من طفلة نشطة وكثيرة السؤال إلى طفلة منزوية ملاصقة لوالدتها ومشتتة، تخاف من أي صوت أو حركة، عدا عن الكوابيس المتكررة ونوبات البكاء التي تصيبها.
تؤكد الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال أن ممارسات قوات الاحتلال من قتل واعتقال واقتحامات وإقامة حواجز عسكرية وغيرها الكثير من الانتهاكات بحق أبناء الشعب الفلسطيني، مستغلة سياسة الإفلات من العقاب التي تترافق مع الحماية والحصانة من المساءلة التي تتمتع بها، أدت إلى تدهور واقع الأطفال في فلسطين، وأثرت بشكل سلبي على حصولهم على حقوقهم، إضافة إلى أن الآثار النفسية للانتهاكات الإسرائيلية تظل باقية في نفوس الأشخاص الذين تعرضوا للأذى أو الضرر المباشر.