البنوك ما بين المسؤولية الاجتماعية والاستدامة: بنك فلسطين مثالا

بقلم: تحسين يقين

تحسين يقين.jpg
  • تحسين يقين

يتمحور عمل البنوك في العمل المصرفي، وهو يقوم على علاقة نفع بينه وبين المواطن، بهدف تحقيق الربح للطرفين، وهو في سياق هذه العملية التقليدية القديمة، يقوم بدفع الضرائب للحكومة، كما يساهم في تشغيل الأفراد لتأمين دخول لهم، كأي قطاع خاص، إضافة لنشاطه الطوعي في مساعدة الفئات قليلة الدخل والفئات المتضررة، وهو ما يندرج تحت ما يسمى بالمسؤولية الاجتماعية.

لذلك ونحن نعيش ثقافة اقتصاد السوق وما فيه من تحديات، من المهم التركيز على الأخلاقيات التي تشكل معادلة اقتصادية ومجتمعية إنسانية، بحيث يتم ضمان الحد الأدنى الكريم لعيش المواطنين؛ فلم يختر مجموع المواطنين، ولا أغلبيتهم النظام الليبرالي اقتصاديا، بل تم فرضه من خلال موازين القوى العالمية والمحلية. وعليه، وفي ظل تفهمنا لكل ذلك، رغم عدم استحساننا لهذه الخصخصة التي لم تنجح في الدول المستقرة، (فكيف بشعب تحت الاحتلال؟)، إلا أننا نجد الآن أنه من المهم مراعاة الفقراء والعاطلين وذوي الحاجات الخاصة والنساء (خاصة من يرأسن أسرهن في فلسطين بسبب قمع الاحتلال لأزواجهن وإخوانهن وآبائهن وأبنائهن) وأصحاب الدخول المحدودة من موظفين وآخرين، وهذا هو صراحة أصلا جوهر إدماج النوع الاجتماعي، كأداة عدالة اجتماعية وتنمية.

في سياق اقتصاد السوق، فإن البنوك هي جزء من كل هذا الحراك، وصارت ضرورة عصرية، بل صار العمل المصرفي أحد روافع النمو الاقتصادي، بل واستقراره.

من مضمون المسؤولية الاجتماعية الى الاستدامة، هكذا يمضي بنك فلسطين منذ عامين تقريبا، من خلال مأسسة (وحوكمة) الاستدامة. وهذا ما تم عرض التقرير الخاص بها في ندوة بعنوان "من أجل مستقبل أخضر ومستدام"، عقدت قبل أيام في رام الله.

نحن إزاء مفهومين مختلفين، لكنهما متقاطعان، بحيث صارت المسؤولية الاجتماعية جزءا من الاستدامة؛ لذلك فإذا فهمنا أن غياتهما واحدة، فإن الفئات تختلف، كون أن فئات الاستدامة تندرج ضمن تسهيلات بنكية لما يشجعه البنك من مشاريع استدامة، "بما يشمل قروض العملاء التي تتعلق بالمشاريع الصديقة للبيئة، مثل الطاقة الخضراء، والزراعة، وتكرير المياه، ومعالجة المخلفات والنفايات الصلبة، وعملية تدويرها.".

لذلك، من المهم هنا، أكانت المسؤولية الاجتماعية على حدة أو ضمن الاستدامة، التركيز على الجانب الإغاثي، والذي هو ضمن ما اجتهدت به من وصف للبنوك فيما افتتحت مقالي به.

وعليه، فإننا إن وضعنا مجتمع (الفقراء والعاطلين وذوي الحاجات الخاصة والنساء (خاصة من يرأسن أسرهن) وأصحاب الدخول المحدودة من موظفين وآخرين) في اعتبارنا، فإنّ من المهم، في ظل الحديث عن الشفافية، أن نطمئن الى:

  • طبيعة المشاريع وطلبات الدعم التي تم الاستجابة لها، بمعنى هل يمكن مثلا فحص ما تم التقدم به للبنك وغيره من البنوك وما تمت تلبيته، ووفق أية معايير؟
  • هل تم تضمين لجان البحث شخصيات اعتبارية من خارج منظومة البنوك؟

بنظري، رغم احترامنا لأية تطوير في العمل والموارد، فإن اهتمامنا الأساسي يصب في الانحياز للمشاريع وطلبات المؤسسات والأفراد التي تستحق أن تكون ضمن أولويات التمويل والمساعدة.

 لذلك، فقد رحت اهتم بما ورد في تقرير بنك فلسطين، الذي حمل عنوان "تقرير الاستدامة 2021، من المنطلق الذي تحدثت به آنفا، وسررت كمواطن بدعم البنك لمتضرري غزة، وتمويل رفع الوعي على مرض السكري، وتنظيم حملة رمضان الإغاثية، وتأمين حافلة لنقل مرضى قطاع غزة الى القدس، (صفحة 66).

إن أي دعم يقدم لشعبنا من شعبنا هو دعم مشكور، سواء للبنوك أو المؤسسات والشركات، تحت أي عنوان، خاصة أنه اختيار طوعي وطني لدعم صمودنا. وهو عمل أخلاقي يرسخ قيمة التضامن، والتي هي من أهم قيمنا التي نفخر بها.

جميل الحديث الاستدامة التي تقصد الاقتصاد والحياة الاجتماعية والبيئة، وجميل مأسستها وحوكمتها، ونثمن بالطبع اتجاهات بنك فلسطين في منطلقاته الحقوقية والجندرية والاستدامة، كونها جميعا روافع تنموية.

وعليه، فإننا ننظر إيجابيا لتقرير البنك الأول للاستدامة الذي وفقا للبنك قد تم "طبقا لمعايير المبادرة العالمية لإعداد التقارير، التزاماً من البنك بالإفصاح الدوري والطوعي حول اتباع أفضل الممارسات في تطبيق مبادئ الاستدامة للتعامل مع كافة شرائح المجتمع وقياس أثر هذه التعاملات على البيئة،..بما يتوافق مع نهج البنك في تحقيق أهداف التنمية المستدامة لاستراتيجيته التي تتماشى مع استراتيجية البنك الداخلية ومعايير التنمية المستدامة للأمم المتحدة.".

لقد طبق البنك معاييره في الاستدامة على مجتمعه الخاص، أي على موظفيه، بهدف الحد من الآثار البيئية من جهة، وتعزيز المسؤولية الاجتماعية، والعمل في إطار الحوكمة، والشفافية، والسعي لتحقيق الشمول المالي من جهة أخرى.

لقد استمعنا للدكتورة د. تفيدة الجرباوي، رئيسة لجنة الاستدامة في مجلس إدارة بنك فلسطين، في تركيز البنك على الاستدامة كمحور أساسي في التخطيط، وتطوير السياسات، والعمليات والأنشطة المصرفية والخدماتية، كاتجاه يراعي مستقبل الأجيال عبر الحفاظ على البيئة والمُثل العليا في الإدارة والحوكمة، بطموح ريادي لتشجيع القطاع المصرفي والوطني. ولعلنا نتذكر سلسلة مقالات هامة نشرتها دكتورة تفيدة الجرباوي هنا على صفحات الأيام، حبذا لو تم جمعها في كتاب، حيث تصير تأطيرا واعيا لأي حديث عن الاستدامة والمحافظة على البيئة التي لها خصوصية فلسطينية.

ونختتم بما بدأنا، فبالرغم من أهمية التحديث والمعاصرة، فإن هناك ما ينبغي دوما التركيز له، بحيث يشكل ضمانة للعيش الكريم لكل فئات المجتمع. وعليه، نود أن نقرأ دوما تقريرا عن المسؤولية الاجتماعية، بذكر الرقم المدفوع، وإشراك باحثين وموظفين في تقييم عمليات الدعم، وإشراك أعضاء من خارج البنوك في الاختيار، وتغييرهم باستمرار، سواء أكانوا من خارج البنك أو من داخله.

[email protected]

 

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت