- فاضل المناصفة
ربما يجهل السواد الأعظم من عامة الناس في البلدان العربية أن للفلسطينيين يوم سمي بيوم الأرض، والذي يصادف 30 مارس/آذار من كل عام، وهي رسالة فلسطينية للمحتل بأن احتلال الأرض وتحويل ملكيتها وطرد سكانها الأصليين جريمة لا تسقط بالتقادم ولا تنسى بمجرد مرور السنوات الأحداث، قد تكون رسالة مزعجة للحكومات الإسرائيلية المتعاقبة تذكرهم بأن تغيير الجغرافيا لا يعني مسح التاريخ ولكنها في نفس الوقت رسالة طمأنة بأن العرب قد تخلو كليا عن فكرة فلسطين 1948 وحق الفلسطينيين في الشتات بما أن يوم الأرض قضية داخلية " إسرائيلية " تخص إسرائيليين عرب ولا علاقة لها بالفلسطينيين ولأن فلسطين التي يطالب بها العرب هي ما تبقى من مشروع فلسطين 67 الذي تنص عليه شروط السلام مع دولة الاحتلال .
وان كنا لا نلوم الشعوب التي تتعاطف " فايسبوكيا أو ما شابه " وذلك أقصى ما يمكنه تقديمه وأقصى ما يمكن فعله، الا أننا نستغرب من الأنظمة العربية التي تحكم تلك الشعوب والتي تنادى بدعم حق الشعب الفلسطيني في قيام دولته على حدود 67 ولكنها تغيب إعلاميا في أحداث لها دلالات عميقة وقوية من تاريخ القضية الفلسطينية وتختزل من كانوا مؤمنين بفلسطين 48 وحق العودة و تمر مرور الكرام موضوع يوم الأرض بل تضعه على الهامش مقابل التركيز " برومو رمضان " و "وصفات الطبخ " والدراما الموسمية التي تنقل ما يدور في غرف النوم .... تلك هي الحقيقة التي تعني أن قضية الفلسطينيين أصبحت بهارا سياسيا خالصا لحكام العرب أو ربما يكون يوم الأرض حدثا مليئا بالحساسية التاريخية لا يجب الخوض في تفاصيله لما في ذلك من احراج ومن مشكلة تضع من يوافقون على دولة بحدود 67 أمام انكار حق من عاشوا قبل ذلك التاريخ.
لقد وضع قبول العرب بدولة فلسطينية على حدود 67 سكان فلسطين 48 في مواجهة منفردة مع الاحتلال تكون فيها مسائل البث والفصل في حقوق الفلسطينيين مسألة إدارية تخضع لتقديرات سلطة الاحتلال ولا تستند الى الميثاق العالمي لحقوق الإنسان الذي يقر أن حق العودة حق غير قابل للتصرف، لقد وضع هذا الاعتراف إسرائيل أمام اريحية التصرف في حقوق الفلسطينيين ووضع أحكام قضائية على مزاج ومقاس الدولة اليهودية والتي ترى حسب منظورها من هو الأحق بتلك الأرض حسب الولاء أو الديانة أو الانتماء، وما ان مر موضوع الاعتراف واستثمرت فيه إسرائيل لصالحها، شعر الفلسطينيون بالخديعة وبتصفية حق العودة وحق الأرض في مؤتمر مدريد الذي عُقد في العام 1991، حيث أشارت وثائق المؤتمر الى أن مرجعيات عملية السلام هي قرارا مجلس الأمن 242 و338، وحيث أن هذه المرجعيات لا تتناول قضية اللاجئين من منظور حق العودة وإنما تنظر إليها في حدود المطالبة بحلها حلا عادلا، دون الإشارة الى ماهية هذا الحل العادل، فإن النتيجة الطبيعية تضحي في تناول قضية اللاجئين تناولا تفاوضيا دون مرجعية واضحة ومحددة المعالم.
ليس غريبا أن تحتفظ السلطة الأمنية في إسرائيل الى غاية اليوم بأرشيف أحداث "يوم الأرض" من عام آذار 1976سريا حتى عام 2084، او ربما سيتم تأجيله الى يوم يبعثون، ذلك لما في ذلك اليوم من جرائم بشعة وموثقة قد تسيئ لبطلهم القومي " إسحاق رابين " مهندس عمليات إطلاق الرصاص الحي، ولكنه أيضا مسألة تفتح باب الجدل في موضوع يكشف نظرة المسؤولين الإسرائيليين لما يسمى بعرب 48 وعن أساس تصنيفهم الذي قاد الى التعامل معهم بطريقة وحشية أقرب لوصف " الإبادة "، هنا دولة اسرائيل في حرج كبير أمام المجتمع العربي الذي يعتبر مكونا فيها، من منطلق أن ملف الذاكرة يحمل إشارات قوية لا تحتمل التأويل على أن إسرائيل ستكرر السيناريو ان لزم الأمر .
لم يتغير نهج دولة إسرائيل في التعامل مع من ولدوا فلسطينيين وتحولوا لإسرائيليين تحت منطق " القوة القاهرة " اذ ينظر إليهم كإسرائيليين درجة ثالثة أو ما أكثر، ولم يصبح القادة الإسرائيليون أكثر اعتدالا في معاملتهم " للإسرائيليين ذوي الأصول الفلسطينية كما أن حكام إسرائيل مدركون لحقيقة أن عرب 48 وان انصهروا داخل الدولة العبرية فان معدنهم سيبقى معدنا تابعا لمعادلة كيميائية أخرى ألا وهي الدولة الفلسطينية التي ستسحبهم نحوها، وان كانت إسرائيل قد نجحت في الغاء حق العودة الا أنها ستبقى تواجه هاجسا أمنيا ومشكلة داخلية تسمى " واجب العودة " .
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت