- بقلم الأسير:- مراد ابو الرب
عندما نكتب عن معاناة الأسرى في السجون الإسرائيلية نطلق العنان لِأقلامنا و أفكارنا , و كذلك نكتب عن أمهات الأسرى و شقيقاتهم , واصفين المعاناة و هنّ يسافرن و يتنقلنّ بين السجون و أثناء الزيارة , و لكن قليلاً ما نكتب عن معاناة زوجات الأسرى !
اللواتي تركن ملذات الحياة و ربطن مصيرهن بمصير أزواجهن ، و بالذات ذوي الأحكام العالية و المؤبدات ، و غالبيتهن يكوننّ في ذاك الوقت اي بوقت الاعتقال في ريعان شبابهن و أعمارهن ، في العشرينات أو الثلاثينات من العمر لأقصى حد ، و جميعنا نعلم احلام الفتاة في تلك الفترة ، المسكن في بيت و زوج ، يتعاونان في الحياة و تربية الأولاد.
وهنا في السجون قابلت الكثير من الأسرى المتزوجين و قد مضى على اعتقالهم أكثر من عشرين عام ... نعم !! .. لا تستغربوا عشرين عاماً !!! , مع أنه بإمكانها لحظة الاعتقال أن تعيش حياتها و تطلب الطلاق و تتزوج ، لكنها آثرت على نفسها و قررت أن تكون بجانب زوجها في تلك الصعاب ، و رفضن حتى مجرد النقاش في هذا الموضوع مع أنه للعلم ليس بالعيب أو الحرام .
فمن حقها العيش كما تريد ، و لا تقف معاناة الزوجة عند التنقل بين السجون من أجل زيارة زوجها لمدة خمس و أربعين دقيقة كل شهر و طبعا يكون اللقاء من خلف الزجاج ، فلا ملامسة ولا ملاطفة ولا حتى قبلة ، و المعاناة الأكبر في البيت تربية الأولاد ، فالزوجة هنا تلعب دور الأب و الأم معاً ... تخيلوا !! مصاعب الحياة ، تواجهها امرأة ترعى الأسرة بكل تفاصيلها ، فإطعام الأولاد و تعليمهم و مراقبتهم وهم يكبرون ، و شراء ملابس العيد لهم ، و حضور حفلات التخرج .
وكيف ستشرح للأطفال عدم وجود والدهم كبقية الأولاد و تخبرهم عن سبب وجود أبيهم في السجن ، لان السجن عند الأطفال للمذنبين و المجرمين ، وبذلك عليها أن تشرح لهم يعني اي عليها أن تشرح القضية الفلسطينية من ألفها إلى يائها .
و بذلك تلعب دور جديد وهو دور المعلمة ، و اذا مرض أحد ابنائها ستخرج في غسق الليل باحثة عن طبيب و دواء لأطفالها ، ومن ثم يكبرون شيئاً فشيئاً ، و تكبر همومهم و مشاكلهم و تكوين الصداقات و الاصدقاء و تسجيلهم في المدرسة وكل ذلك يكون على عاتقها ؛ اي حل تلك الإشكاليات , و من ثم بعدها الجامعة حيث متابعة المصاريف و الدراسة , و بما أنهم أبناء مناضل يجب أن يكونوا قدوة و مثلاً للحفاظ على ذلك الإرث الذي قدمه والدهم .
ولا ننسى هنا أنه على الزوجة أيضا أن تكون على علاقة قوية مع ام الأسير و شقيقاته فلا تريد أن تغضب أهل زوجها خوفاً على مشاعره و كذلك فضولية الناس , فَزوجة الأسير عين تحت المجهر على الدوام ، فكلما قامت بعمل قالوا :
زوجة أسير !! و تعمل كذا و كذا !!! .
فزوجة الأسير استطاعت التغلب على كل المصاعب و أنتجت اولاداً يفخر بهم والدهم ، فغالبيتهم تخرجوا من الجامعات ومنهم من توظف في أحد الوظائف وهي تقدم وقتها ما بين أولادها و زوجها .
وهناك من يعانين أكثر وهنا الممنوعات من الزيارة ، فقد تمر سنوات على الزوجة دون زيارة زوجها لمدة خمس أو عشر سنوات ، فكل هذه الفترات من الغياب يجب أن تشرحها إذا تمكنت من الزيارة خلال خمس و أربعين دقيقة !!! .
زوجة الأسير لا أبالغ إن قلت انها تعاني أكثر من الأسير نفسه ، ولا ننسى هنا معاناة الزوجة وهي تتابع أمور زوجها في السجن ، لكي لا ينقص عليه شيء من كنتينا و دخان وملابس !!
و المفارقة هنا .. أن العادة تكون بشراء الزوج ملابس هدية لزوجته ولكن الزوجة هنا هي التي تشتري ملابس لزوجها ، ويمكن أن نقول أنه طفل آخر من أطفالها .
إن زوجة الأسير هي امرأة خارقة !! بكل ما تعني الكلمة من معنى ، فلم أسمع عبر التاريخ عن وجود امرأة استطاعت أن تتحمل كل هذه الصعاب ، و بالتالي نجاح مبهر !!
ولو أردنا القياس كم من النساء اللواتي يعشنّ مع أزواجهن انفصلوا بسبب مشاق و متاعب الحياة !!! .... و المشكلة التي لا يلتفت إليها أحد أن معاناة الزوجة تستمر حتى بعد تحرر زوجها من الأسر ... نعم بعد التحرر !!! لأن الغياب الطويل لسنوات و عدم التواصل و الاطلاع على مجريات الحياة و تطورها يؤدي إلى صعوبة في التعامل مع الأسير .. فمن كان عمره عشرون عاماً أصبح أربعون ، ومن كان عمره ثلاثون أصبح خمسون !!
و بالتالي فإن المرأة تكبر هي أيضاً و التفاهم الذي كان في السابق بين الزوجين و بالذات أنهما اصلا لم يعيشا سويا سوى تلك المدة الطويلة من سنة إلى خمس سنوات على أقصى حد ، يتخللها المطاردة و ربما خلال فترة المطاردة لم يشاهدا بعضهما الا مرات معدودة بمعنى آخر كأنهما تزوجا بالسر ، و اذا لم يكونا حكيمين في التعاون و التعامل فإن الحياة الزوجية لن تدوم و بالذات اذا كان الأسير الأب غير متفهم لتلك المرحلة فحتى الاولاد سيكون هناك عائق بينه و بينهم و سيكونون أقرب للأم لكونها هي التي ربت و علمت حيث أن الاولاد كبروا و لم يشاهدوا والدهم إلا من خلال الزيارة .
هذه الزوجة التي تحملت كل ذلك وما زالت و حافظت على العهد الذي بينهما اي بينها وبين زوجها الأسير تستحق أن تنال وسام الوفاء و العطاء و المحبة ... وسام الصبر و الإرادة ... وسام القوة ... ووسام الحرية .. وسام الوطن !!! .. كل الأوسمة و النياشيد تستحقها زوجة الأسير بجدارة و هذا اقل شيء يقدم لها بعد رحلة العطاء الطويلة !!
قلعة الشهيد عبد القادر ابو الفحم
سجن عسقلان المركزي
الكاتب الأسير مراد ابو الرب
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت