هل تتجه السودان نحو النسخة الليبية ؟

بقلم: عبد الرحمن سعيدي

جانب من عمليات الإجلاء في السودان (أ.ف.ب).jpg
  • الاستاذ سعيدي عبدالرحمن  كاتب جزائري ومحلل سياسي

مع اندلاع المواجهات المسلحة بين الجيش القومي السوداني وقوات الدعم السريع بعد فشل كلا الطرفين في الذهاب بعيدا  لتنفيذ الاتفاق السياسي  الإطاري  الذي تم عقده  في 5ظيسمبر 2022 مع أغلب القوي السياسية والمهنية السودانية من جهة والعسكريين من جهة أخرى لنقل السلطة السياسية إلى حكومة مدنية انتقالية
وابرز نقطة  أشار إليها الاتفاق وهي محل خلاف بين الجيش والدعم السريع هي وحدة الجيش القومي الذي يتم بموجبه دمج قوات الدعم السريع في المنظومة العسكرية للسودان وتكون جيشا واحد ومع وضع خريطة تنفيذ الاتفاق السياسي تفجرت الأزمة من جديد وسرعان ما تحولت إلى صراع مسلح بين الجيش ومليشيات حميدتي ديغلو حمدان قوات الدعم السريع بعد انتشارهم في الخرطوم عاصمة السودان ولأول مرة في تاريخية النزاعات المسلحة السودانية تدخل  المواجهات مسلحة إلى  العاصمة السودانية حيث مقرات الدولة المركزية
المتابع للوضع السوداني منذ أزمة الدارفور وبروز قوات الجنجاويد في ساحة دارفور وحسمها للتمرد في دارفور  من أيام حكم ونظام عمر البشير وبروز القائد حمدان ديغلو حميدتي مع ضعف الحكومة المركزية وفقدانها السيطرة على الأوضاع في كثير من المناطق وتقاسمت الحكم والثروة مع لاعبين جدد وشكلوا في مفاصل الدولة موقعا للضغط وشراكة و نسجوا علاقات دولية وإقليمية  بعيدا عن الحكم المركزي مما جعلهم سلطة تنفيذية ومؤثرة داخل السلطة المركزية الوطنية
 ومع اندلاع الانتفاضة الشعبية عام 2019 ومطالبة الشعب السوداني رحيل نظام البشير وقع تحالف موضوعي ومرحلي بين قيادة الجيش بقيادة قائد الأركان الفريق الأول البرهان عبدالفتاح والميليشيات الفريق الأول حمدان ديغلو حميدتي على الاطاحة بالبشير والتخلي عنه وتقاسم السلطة الانتقالية بعده  في السودان فتشكل من الطرفين مجلسا سياديا يتولى الفريق الأول البرهان عبد الفتاح رئاسته ويتولى الفريق الأول حمدان ديغلو حميدتي نيابة الرئيس
وظل كل طرف يتربص بالآخر ويهادن ويتنظر الفرصة لينقض على الاخر حتى جاءت قضية دمج المليشيات في المنظومة العسكرية للسودان في شكل جيش واحد وموحد  
ومع هذا الوضع الداخلي تكونت من حوله مصالح خارجية وظروف تستفيد  دول إقليمية ودولية من ثروات السودان وتحقق مصالحها  وتشعبت مع الوقت وصارت حيوية فتعقدت الأوضاع السودانية بتضارب مصالح الدول الإقليمية في السودان مما جعل قرار كل طرف محكوم بمصالح الدول الإقليمية خاصة العربية حتى وصل النزاع بين أطراف المتصارعة في السودان إلى نقطة اللاعودة فالجيش يريد نزاع لحسم  الأمر مع الدعم السريع والعكس صحيح
والغريب في نزاع السودان أن تجد  فيه دول عربية وإقليمية متحالفة  مع بعضها في بعض الأزمات مثل أزمة اليمن وليبيا منها الإمارات ومصر والسعودية  ومتضاربة مصالحها في السودان تقف متناقضة ومعارضة لبعضها البعض
منها الجمهورية المصرية التي تعتبر السودان عمقا أمنيا لها في مواجهة التهديدات الإثيوبية حيث صرح الأمين العام الاسبق والوزير الخارجية الأسبق المصري عمرو موسي  حيث صرح "أن بعض المصالح العربية تتعارض مع المصالح المصرية الاكثر عمقا في السودان وكذلك الحال في افريقيا " حيث طالب من وقفة صريحة وجريئة إذ مصالحنا الحيوية في تلك المنطقة بأسرها أصبحت مهددة وعلى المحك "
وقد أشار أن انفجار وانهيار السودان يهدد المصالح والاستقرار في كل من القرن الافريقي ويدخل السودان إلى نفق مظلم وتكون الوضعية الليبية مستنسخة في السودان ويتعرض الأمن القومي المصري لأخطار  كبيرة من جهتين السودانية جنوبا وليبيا غربا ومصر ليست في وضعية مريحة اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا
النزاع إلى حد الساعة لا تظهر فيه آفاق الانفراج والعودة للوضع الطبيعي واستئناف العلاقات السياسية العسكرية بين الأطراف  ضمن الاتفاق السياسي الإطاري مادام دخلت في المواجهة المسلحة  ابعادا وأهدافا  في سياق المصالح الخارجية وصراع مناطق النفوذ بين الدول الكبرى منها روسيا وامريكا حتى الكيان الصهيوني الذي القي بثقلها ليؤدي دور الوساطة في نزاع دولة عربية وهذا ما لا تقبله الدول العربية
وكل المؤشرات تفيد أن النزاع السوداني  جاء يخلط الاوراق في أوراق  تتجه نحو الترتيب  في المنطقة منها الورقة اليمنية والورقة السعودية الإيرانية وعودة سوريا إلى الحاضنة العربية  وتسريع وتيرة الخلافات في المنطقة منها قضية سد النهضة بإثيوبيا والانتخابات المرتقبة بليبيا  واحداث نزوح كبير للاجئين في المنطقة
أن النزاع السوداني جوهره الثروة وتقسيم السلطة
والسلطة في السودان  لا تقبل القسمة على اثنين حيث يعتقد الجيش أنه  هو الوحيد في إدارة السودان كمؤسسة شرعية وشعبية ومركز أساسي للدولة الوطنية بضعفه و قوته

الاستاذ سعيدي عبدالرحمن  كاتب جزائري ومحلل سياسي

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت