"أم الياسمين"، هو عنوان المسلسل الذي باع مخرجه سيّارته ليضع أول لبنة في إنجازه، وهو الذي تطوّع ما يزيد على الثمانين فنّانة وفنّاناً بأجورهم ليتم عرضه في شهر رمضان المبارك، وهو ما كان، حيث عُرض في وقت الذروة عبر شاشة تلفزيون وفضائية فلسطين.

وسلط المسلسل الذي يخرجه بشّار النجّار، وهو صاحب فكرته والمبادر إليه، الضوء على مدينة نابلس في ست سنوات حاسمات من تاريخ فلسطين، وتحديداً منذ 1929، عام "ثورة البراق"، وحتى عام 1935 ما قبل عامٍ من "الثورة الكبرى" في فلسطين.

ومن المميّز في "أم الياسمين" مراوحته ما بين النضال الفلسطيني عامّة انطلاقاً من القدس، على خلفيّة مطامع المستوطنين اليهود في حائط البراق، نهاية عشرينيات القرن الماضي، ونضالات نابلس، المعروفة بـ"جبل النار"، في استعادة لزمن قد يعرفه كثير من الفلسطينيين، ولكن لا يعرفه آخرون منهم، كما لا يعرفه كثير من الأجيال الشابة فيها وفي الدول العربية، وإسقاطه على الواقع المعاش، حيث "وجه الاحتلال واحد، وكذلك وجه النضال".

كما كان لافتاً التركيز على تفاصيل تاريخية لا يعرفها كثيرون، والمزج ما بين الاجتماعي والسياسي، في المدينة التي تُعرف بـ"دمشق الصغرى"، حيث نتعرف على العادات والتقاليد المتوارثة في المدينة، ومن بينها "الاستقبالات"، ذلك الطقس النسوي الخاص بمدينة نابلس أكثر من غيرها، بحيث تتجمع النسوة في كل فترة عند واحدة منهن، وسط أجواء خاصة للمتزوجات دون غيرهن، في أغلب الحالات، تمتزج ما بين اللقاء، والفرح، وتناول الأطعمة والحلويات والمشروبات النابلسية.

وتمّ بناء الحارة الرئيسية في محاكاة للسوق "النابلسية" العتيقة في بلدة "عبوين" قرب رام الله، كما تمّ تجسيد نموذج القرية الفلسطينية في بلدة "جلجليا" قرب رام الله أيضاً، في حين كان تصوير الحارات والأزقة والمنازل في البلدة القديمة بمدينة نابلس، بالإضافة إلى التصوير في سجن "الفارعة" سابقاً، وبات يُعرف بـ"مركز الشهيد صلاح خلف"، حيث تم تصوير المشاهد الخاصة باحتجاز وتعذيب المقاومين داخل سجن "القشلة" في فترة الانتداب البريطاني.

وأشار مخرج العمل بشّار النجّار في حديث لصحيفة "الأيام" الفلسطينية، إلى أنه، وتبعاً لضعف الإمكانيّات الإنتاجية، كان "أم الياسمين" حلماً كبيراً سعى إليه منذ زمن، على أمل الخروج بأعمال درامية رمضانية فلسطينية قادرة على المنافسة عربيّاً.

وقال النجّار: كان لافتاً أنه في اليوم الذي اندلعت فيه ثورة البراق في القدس، كان الفلسطينيون، وخاصة في نابلس، يحيون ذكرى المولد النبوي التي لها طقوسها المميزة في هذه المدينة دون غيرها، لذا كان الربط في البداية ما بين حدث وطني كبير في جوهر وبوصلة القضية الفلسطينية القدس، وما بين مدينة مناضلة على الدوام كنابلس التي تشتهر أيضاً بطقوسها في المناسبات الدينية الإسلامية.

والمسلسل من إنتاج شركة "جنى ميديا"، التي ساهمت بدعم الإنتاج ماديّاً ولوجيستياً، ممثلةً بصاحبها يونس حساسنة وفريقها، الذي "خاض معنا هذه المغامرة"، كما كان ثمّة مساهمة بارزة لرجل الأعمال الفلسطيني باسم سميح سلامة من "مجد الكروم".

ولفت النجّار إلى أن الظروف الإنتاجية الصعبة التي رافقت العمل، جعلت الانتهاء من تصوير "أم الياسمين" وبثه في الموسم الرمضاني الحالي في مهبّ الريح، لكن إدارة تلفزيون فلسطين أوعزت ليس فقط إلى بثّه في وقت الذروة، أي بعد أذان المغرب مباشرة، بل لشراء العمل بمبلغ ساهم في سدّ تكاليف ما يزيد على نصف موازنته لوجيستيّاً، في حين بقيت أجور الفنانين وفريق العمل تطوّعاً من قبلهم.

وكشف مخرج "أم الياسمين" لـ"الأيام" أنّ الكثير من القنوات العربية التي تم التواصل معها رفضت عرض العمل، لقناعته بأن المحتوى الفلسطيني مُحارَب من غالبية إدارات القنوات العربية، وأنّ عدداً من الفنانين الفلسطينيين من ذوي الشهرة والموهبة الرفيعة عُرضت عليهم المشاركة في العمل، ورفضوا لعدم قدرتنا على توفير المبالغ التي طلبوها مقابل مشاركتهم".

وما أثلج صدور القائمين على العمل والمشاركين فيه، التفاعل الإيجابي معه، وفق النجّار، وأن "الأصداء فاقت التوقعّات"، كاشفاً عن جزءٍ ثانٍ من "أم الياسمين" في رمضان المقبل، بمشاركة عربية.

جدير بالذكر أن العمل من بطولة نخبة من الفنانين الفلسطينيين، أبرزهم: حسام أبو عيشة، وأحمد أبو سلعوم، وأسامة ملحس، وحسين نخلة، وغيرهم، عن قصة طاهر باكير، وسيناريو وحوار: فاخر أبو عيشة، ومعالجة درامية لسعيد سعادة.