- بقلم: د. أماني القرم
ليس مفاجأة أو حالة استثنائية طارئة ما يحدث في السودان من اقتتال بين طرفين يريد كل منهما محو الاخر والاستئثار بالسلطة .. هو نتاج طبيعي وحتمي لكل دولة يمكن تسميتها (بطن رخو) تنعم بالفساد وبالقوانين التي تملأ الاوراق ولا تنفذ، وترزح تحت ارث ثقيل من سوء الادارة والترهل والفقر الذي يقود الى انتكاسات سياسية وحوادث تمرد وانهيارات مؤسسية.
السودان وحده تعرض الى 15 حالة انقلاب سياسي منذ العام 1950 وحتى العام 2022 نجح منها خمسة فقط . هذا ما يحدث حين يتم التعامل مع البلاد ومواردها ومقدراتها كمؤسسة خاصة للطبقة الحاكمة، كل شيء يصبح مباح بالنقود والنفوذ والسلاح، حيث الكبار يسودون والصغار مرتشون والمواطن مطحون، ولا قانون فوق قانون المصلحة الشخصية والقوة.
والبطن الرخو مركز ضعف لا يمكن أن يستقر فهو ملعب متاح للاختراقات الخارجية ويتسع للاعبين كثر مصالحهم متناقضة من شأنها تغذية فرص الاقتتالات الداخلية، كما أنه لا يمكن أن يبقى منفصلاً عن باقي الكيانات المجاورة بل يؤثر/ كما الدومينو/ سلبًا على جيرانه وأمنهم القومي واستقرارهم جراء الازمات التي يتم تصديرها بحكم الجوار الجغرافي كاللاجئين والارهاب والصدمات التجارية. دول كثيرة في العالم العربي هي بطون رخوة /وإن كانت بدرجات متفاوتة/ مثل السودان واليمن والعراق وليبيا وسوريا ولبنان ، تعرضت للاختراق الخارجي والعبث الداخلي وكان لأزمتها الداخلية امتدادات مؤثرة على جيرانها وأبعد من جيرانها .
وعلى مدار السنين السابقة وجراء هذا الارث من الانقلابات وعدم الاستقرار السياسي والاقتصادي، كان السودان البلد الغني بموارده الهائلة وموقعه الاستراتيجي مرشحًا قويًّا لتعدّد اللاعبين الاقليميين والدوليين، فعلى سبيل المثال: ايران كانت تطمع بقفزة استراتيجية في السودان لزيادة نفوذها في غرب واواسط افريقيا والسيطرة على احتياطات الغاز والنفط واليورانيوم. كذلك الصين التي استطاعت ان تسد فجوة عدم الاهتمام الامريكي بالقارة السمراء وتتعدى حدود المحاذير السياسية النابعة من طبيعة المؤسسة الحاكمة وتصنع نفوذا لا يستهان به في البلاد وحافظت على علاقات ودودة مع الخرطوم ومصالح اقتصادية كبيرة عبر استثمارات في القطاعات النفطية والمعدنية هناك. روسيا أيضا نظرت بامعان الى العمق الاستراتيجي السوداني بفضل موقعه المشاطئ للبحر الاحمر والمجاور لسبع دول افريقية واحتياطي الذهب الهائل فيه والذي يسلك طريقا مباشرا الى روسيا عبر شركات التعدين الروسية ومرتزقة فاغنر وقاعدة عسكرية روسية محتملة على شواطئ البحر الاحمر في السودان.
اسرائيل لم تكن يوما بعيدة عن محاولة اختراق السودان لاسباب امنية واستخباراتية واقتصادية متعددة حتى تم لها الامر بهرولة تطبيع سريعة أو مقايضة بالمعنى الاصح في 2020. بالمناسبة اسرائيل تربطها علاقات جيدة مع طرفي الصراع القائم فالعلاقات مع الجيش النظامي بقيادة البرهان تتبع المؤسسة الرسمية الاسرائيلية ، والعلاقات مع حميدتي (قوات الدعم السريع) يتولاها الموساد!
إن مشاهد الجلاء الدولي من موظفين وجاليات ودبلوماسيين توحي ان العالم لن يتدخل قريبا وأن الحرب طويلة، والفرجة مجانية حتى يستنفذ كلا الطرفان قواهما أو يبرز الاقوى او تتضح المخططات القادمة. ما تزال الولايات المتحدة غير مهتمة، وروسيا حاليا مشغولة، والدول العربية المؤثرة في السودان لها مصالح لا تتفق، فمنهم من يدعم الجيش النظامي ومنهم من يدعم ما يسمى بميليشيات الدعم السريع . صحيح أن الصراع الدائر في السودان حاليا يجري بين من كانوا رفقاء سلاح ضد جماعات المتمردين في دارفور . وباتوا خصوما يتصارعون على النفوذ، لكن المشهد الاكبر يوحي بأنه من المنطقي أن يتطور ليصبح صراعاً دوليًّا بالوكالة..
وعجبي على 22 دولة عربية تراقب الوضع في السودان واسرائيل تعرض مبادرة للتوافق واستقبال الجنرالين المتصارعين .!
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت