منذ ثلاثة أسابيع، يقف مئات العمال في مجال الزراعة عاجزين عن تأمين متطلبات الحياة اليومية لأسرهم، بسبب الإغلاقات المتواصلة التي تفرضها سلطات الاحتلال على الحواجز المؤدية إلى الأغوار، وهو ما يعيق وصولهم لأماكن عملهم في قرى ومزارع الأغوار.
الإغلاقات أدت إلى فقدان عدد من عمال المياومة مصدر رزقهم الأساسي إما بشكل كامل أو جزئي طيلة الفترة الماضية.
المواطن أبو وديع يعمل منذ سنوات طويلة في نقل العمال يوميا بواسطة حافلته الخاصة إلى أماكن عملهم في عدة قرى زراعية في الأغوار وخاصة قرية الجفتلك.
يقول في حديثه لوكالة الأنباء الفلسطينية الرسمية "وفا": إنه يغادر مكان سكنه في محافظة طوباس في ساعات ما قبل الفجر يوميا، متجها إلى محافظتي نابلس وسلفيت، ومن هناك ينقل 19 عاملا متجها بهم إلى قرية الجفتلك.
ويضيف: منذ أكثر من 20 يوما أصبحنا نواجه صعوبة حقيقية في الوصول إلى مناطق العمل في الأغوار، بسبب تشديدات الاحتلال على الحواجز والمنافذ المؤدية إلى الأغوار.
يضطر أبو وديع برفقة العمال للمرور عبر حاجز الحمرا يوميا للوصول إلى الجفتلك، "وفي كثير من الأحيان يغلق جنود الاحتلال الحاجز بشكل كامل ولا نتمكن من الوصول نهائيا إلى العمل، وفي أحيان أخرى نقف فترة طويلة على الحاجز قبل السماح لنا بالمرور".
ويؤكد أنه مع العديد من العمال كانوا يحاولون طيلة الفترة الماضية الوصول إلى أماكن عملهم بشق الأنفس، لكن الوضع خلال الأسبوع الماضي أصبح أكثر صعوبة، وبالتالي توقف العمال الذين ينقلهم عن العمل نهائيا منذ أيام، فالحواجز باتت مرهونة بمزاج جنود الاحتلال.
يقول أحد العمال إنهم يقفون عاجزين عن تأمين أبسط الاحتياجات اليومية لأسرهم منذ بداية الإغلاق، وما فاقم معاناتهم كون الإغلاقات تزامنت مع شهر رمضان وعيد الفطر ولما لهذه الفترة من خصوصية وحاجة للإنفاق، وهو ما جعل معاناتهم مضاعفة.
ويوضح أبو وديع أن عددا من العمال يعانون مشكلة مركبة من الحواجز، خاصة عمال مناطق سلفيت ونابلس فمنهم يضطرون لعبور حواجز زعترة وحوارة وأخيرا الحمرا من لحظة خروجهم من منازلهم لحين وصولهم إلى مكان عملهم في الأغوار، وجميع هذه الحواجز تشهد تشديدات وإغلاقات كثيرة مؤخرا، وفي كثير من الأحيان يتعرضون للإيقاق أو منع المرور على واحد أو أكثر من هذه الحواجز.
ويعتبر العمال أن هذه الأيام التي يمرون بها هي الأصعب عليهم منذ فترة طويلة، وهي الأكثر خطرا على مصدر رزقهم، فمنذ حوالي 15 عاما لم تشهد الحواجز في مناطق الأغوار إغلاقات بهذه الكثافة.
إضافة إلى عمال المياومة هناك نوع آخر من العمالة الزراعية التي تختص بها مناطق الأغوار وتعتاش منها مئات العائلات، وهي العمل في قطاف المحاصيل الزراعية بنظام "الضمان" من خلال تعهد الأسرة مساحة من الأرض من صاحبها لقطاف وتسويق محصولها مقابل نسبة ربح، وهذا النوع من العمل يستوعب عائلات كاملة ويعتمد دخل جميع أفرادها عليه.
فراس براهمة الذي يعمل منذ أكثر من 20 عاما مع عائلته بهذا النظام في قرية الجفتلك، يؤكد أنهم باتوا اليوم يعانون مشكلة مزدوجة، حيث تقع عليهم خسائر مضاعفة، فهم الآن لا يتمكنون من إيصال محاصيلهم إلى الأسواق بسبب الإغلاقات والأزمات على الحواجز.
يغادر براهمة المزرعة في الجفتلك يوميا قاصدا أسواق الخضار المركزية في محافظة نابلس لتسويق الخضراوات التي يقطفها مع عائلته، خلال ذلك يضطر للمرور عبر حاجز الحمرا.
يقول: "أحيانا نقف مدة طويلة على الحاجز ولا نتمكن من إيصال الخضار في الوقت المطلوب، وأحياتا يتلف جزء منها بسبب طول الانتظار خاصة خلال الأيام الحارة، وكل ذلك يتسبب بخسائر ليس باستطاعتنا تحملها".
ويوضح أنه لا يمكن الاستهانة بحجم الخسائر الناتجة عن إغلاق حواجز الأغوار، حيث يعتمد على القطاع الزراعي في قرى الأغوار شريحة كبيرة من العمال سواء بنظام المياومة أو الضمان.
وما يفاقم تبعات هذه الإغلاقات في الفترة الراهنة كونها تأتي في فترة ذروة الانتاج الزراعي للخضراوات في الأغوار والذي يمتد بين شهري تشرين أول وحزيران، وفقا لبراهمة.
بدورها، توضح عائشة حموضة من الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين أن الإغلاقات التي تفرضها سلطات الاحتلال مؤخرا على الحواجز المؤدية إلى الأغوار تأتي ضمن سياسة ممنهجة، وتؤثر بشكل أساسي على كافة مناحي الحياة في المناطق المغلقة.
وتضيف أن شريحة عمال الزراعة من الشرائح التي تضررت بشكل مباشر نتيجة لهذه الإغلاقات، فمناطق الأغوار تستوعب 25% من العاملين في قطاع الزراعة من الضفة، وفقا لحموضة.
كما أن العمل في الزراعة في الأغوار يضم شكلين أساسيين من العمال، تقول حموضة، وهما عمال المياومة الذين يعملون في قطاف المحاصيل وتهيئة الأراضي، وهؤلاء يحضرون إلى مكان العمل ويغادرون يوميا ويتقاضون أجرا يوميا مقابل ذلك، مؤكدة أن غالبية العمال يقعون تحت خط الفقر ويؤمنون مصاريف عائلاتهم يوما بيوم، إضافة إلى العمال بنظام "الضمان" على نسبة من الربح وهؤلاء يمكثون ويقيمون في الأراضي طيلة الموسم. وهذان النوعان من العمال تعرضا لخسائر كبيرة بسبب الإغلاقات.
وتشير إلى أنه لا إحصائيات نهائية واضحة حتى الآن عن نسبة العمال الذين تضرروا نتيجة الإغلاقات، ولكن يمكن القول مبدأيا أن نسبة من فقدوا مصدر دخلهم نهائيا تتراوح بين 2- 5 بالمئة من هؤلاء العمال، إضافة إلى نسبة كبيرة فقدوا جزءا من دخلهم نتيجة تحولهم من العمل الكامل إلى العمل الجزئي في الأراضي، بسبب عدم تمكنهم من الوصول لعملهم في الأوقات المحددة، وأيضا بسبب ضعف التسويق التاتج عن الإغلاقات، وبالتالي أصبحوا يعملون مدة قصيرة مقابل أجر مخفض.
وتتابع أنه في حال استمرت الإغلاقات لفترة أطول، فإن ذلك سيؤدي إلى ضرب عصب اقتصاد المنطقة بكاملها وترك أصحاب الأراضي والعمال دون مصدر دخل على حد سواء.