- بقلم : د. لبيب قمحاوي
عندما تَسِرقْ الدولة، بمؤسساتها المختلفة، المواطن مُستعملةً مختلف الوسائل وعلى كافة المستويات،
وعندما تتصرف أمانة العاصمة إستطراداً وكأنها المالك لعقارات البلد وتتعامل مع المواطن المالك كأنه المستأجر، وعندما تستند أمانة العاصمة الى قوانين تكرس الاستغلال والتنمر وجبروت الاستبداد، يبرز السؤال عن ماهية المسؤولين عن هذه المدرسة المشؤومة في سن تلك القوانين الجائرة ومن يحمي المواطن مِنْ مثل تلك القوانين وتعسفها ؟ من يحمي المواطن من سلاح الحجز على أملاكه وأمواله من ِقبَل موظف غير مؤهل ولا يملك الصلاحيات القضائية لفعل ذلك خصوصاً وأن سلاح الحجز يمكن أن يقترن بكل بساطة بالمنع المفاجئ من السفر، أو الحجز بما يفوق الادعاء بالمطالبة عشرات أو مئات أضعاف المرات ناهيك عن التعسف في إستعماله كأداة للضغط على المواطن دون وجه حق َخدْمَةً لنهج الجباية بعيداً عن الأجراآت القانونية ؟ ما العمل إذا كان موظف الضريبة مثلاً يَعْتبر أن واجبه ومهمته هي الجباية وليس تطبيق القانون؟ ويعتبر من ذلك المنظور أن العدالة للمواطن مرفوضة إذا كانت تنتقص من الجباية للدولة حتى لو كانت جبايةً ظالمة .
عندما يُصبح المواطن خادماً للدولة الجبائية المستفحلة عوضاً عن أن تكون الدولة هي الخادم للمواطن والحامي لحقوقه، عندها يصبح المواطن في أزمة، وتصبح حياته جحيماً لا يطاق، ويصبح كاظماً للغيظ قابضاً على الجمر، ولكن الى متى؟؟
لماذا تكون الدولة في خدمة قطاعات بعينها على حساب المواطن وحقوقه مثل قطاع البنوك الذي يتفاخر بأرباحه المتزايدة عاماً بعد عاماً وهي أرباح جبائية تأتي في معظمها من جيوب المواطنين الخاضعين لإبتزاز البنوك التي تُرغم المواطنين المقترضين على التوقيع على اتفاقيات قروض مجحفة ومليئة بشروط ظالمة مطبوعة بالاحرف الصغيرة، علماً أنه من المفروض أن تخضع مثل تلك الاتفاقيات لرقابة و تدقيق البنك المركزي حماية للمواطنين من أي ممارسات إستغلالية أو جائرة؟
الفضيحة الكبرى في هذا المسلسل المتنامي من الفضائح تكمن في قطاع الطاقة الذي تستعمله الحكومة لسرقة الشعب بشكل علني ومتفاقم ووقح الى الدرجة التي جعلت الأردن إحدى أغلى دول العالم في أسعار المشتقات النفطية . لم تُبْدِ الحكومة الأردنية مثلاً أي حساسية أو حتى تعاطف مع المواطنين عندما قامت برفع أسعار الديزل والكاز بشكل جنوني مع بداية فصل الشتاء الماضي وكان شتاءً قاسياً فعلاً والى الحد الذي أرغم العديد من المواطنين على اللجوء الى وسائل تدفئة بدائية وخطرة وغير صحية والى معاناة العائلات والاطفال من البرد القارس . هذا بالاضافة الى أن تلك الزيادات قد تفاقمت والى الحد الذي أرغم سائقي الشاحنات على الاضراب إحتجاجاً . أما أسعار البنزين فهي ما زالت تتراقص بشكل جنوني والى الحد الذي إذا ما قورن بمعدل دخل الفرد، فإن الأردن قد يكون من أغلى من دول العالم في أسعار البنزين . ويبقى السؤال، أين تذهب كل تلك الأموال التي حَوَّلَتْ الشعب الأردني الى شعب فقير، معظمه عبارة عن عمال لجباية المال للدولة التي تحصده حصداً تحت كافة المسميات وتنفقه بلا رقيب .
أما بالنسبة لقطاع الكهرباء، فإن السؤال يتمحور حول الأسباب وراء سماح الحكومة لشركة الكهرباء بصلاحيات لا يتمتع بها في العادة إلاَّ مجلس النواب في قدرته على فرض الضرائب على المواطنين وذلك من خلال فرض أتوات على المواطنين تحت مسميات مختلفة آخرها رسوم ثابتة (أتوات) على شبكات توريد الطاقة الشمسية في منازل عمان . وإذا ما نظر المواطن الى فاتورة الكهرباء يرى فيها بنوداً ما انزل الله بها من سلطان . من يحمى المواطن من هؤلاء الموغلين في الاستغلال بوحشية تفوق وحشية الغاب في سلوكها وأبعادها؟ لماذا تصبح القوانين الأردنية في خدمة الجباية وليس لحماية حقوق المواطن ؟ علماً أن الأمور لم تقف عند حدود الجشع والاستغلال في الجباية، ولكنها امتدت لتشمل قطاعات أساسية في حياة الأردنيين مثل الصحة والتعليم .
الشعب الأردني يعاني الأمرّين من سياسات حكومية ضرائبية هوجاء وجبائية رعناء تخلو من الرحمة والانسانية . فأسعار الأدوية مثلاً هي أعلى من أي دولة من دول الجوار، مع أن صناعة الدواء في الأردن متقدمة نسبياً، والسؤال لماذا ؟؟ ولماذا يذهب المواطن الى دول الجوار لشراء نفس الأدوية بأسعار معقولة تقل عن نصف سعرها في الأردن وأحيانا تقارب الثلث ويقوم بشرائها ليس للمتاجرة والمكسب ولكن لإنقاذ حياته من حكومات لا ترحم ولا تبالي بصحة المواطن . هل تسرق الحكومة الشعب أم هل تفعل شركات الدواء ذلك، أم أن كليهما متآمر على الشعب وصحته ودوائه من خلال الاتفاق على سرقته واستغلاله من أجل الجباية للدولة والمكاسب الفاحشة للشركات؟ هل أصبح قطاع الأدوية يتاجر مع الدولة بصحة المواطنين لزيادة عوائد الدولة وأرباح شركات الأدوية في اتفاق صامت بينهما يرعاه شيطان الإستغلال ؟
أما بالنسبة للتعليم فالسؤال الأهم هو لماذا أصبح هنالك طبقية في التعليم؟ تعليم أفضل لمن يملك المال وتعليم حكومي درجة ثانية لمن لا يملك المال؟ لماذا أصبح التعليم المدرسي العادي والتعليم الجامعي إما حكومي غير متطور، أو خاص خاضع لنظام الربحية وكأنه استثمار تجاري ربحي يسعى الى عوائد وأرباح للمساهمين أولاً وأخيراً، وأن اهتمامه بالعملية التعليمية مرتبط بحسابات الربح والخسارة وليس برسالة التعليم . أين مسؤولية الدولة في توفير أفضل التعليم لجميع المواطنين دون تمييز؟ أين التعليم الأهلي مقارنة بالتعليم الربحي السائد الآن في القطاع الخاص التعليمي ؟
أما بالنسبة للإستثمار، لماذا أصبح الأردن وقوانينه ومؤسساته بيئة طاردة للإستثمار وللأجيال الجديدة وللعقول والأدمغة الشابة إلاَّ مَن رَحِمَ ربي؟ ولماذا أصبحت الدولة راعية وداعمة فقط لما تملك وجبائية لباقي المؤسسات، باستثناء بعض القطاعات التي تَرْفِد الدولة إما بالقروض أو بالأموال اللازمه لشراء صمتها ودعمها مثل قطاع البنوك والاتصالات والأدوية والطاقة ؟
وأخيراً أين تذهب أموال الضرائب والجباية؟ وما هي مشاريع البنية التحتية والاستثمارية في العقود الأخيرة التي قد تستعمل لتبرير مثل هذه الجباية الجائرة؟
الضريبة في دول العالم تأتي مرتبطة مع الدخل وتهدف الى جسر الهوة بين الطبقات من خلال الضريبة التصاعدية من جهة كما تأتي منسجمة مع مستوى الخدمات التى تقدمها الحكومة من جهة أخرى . أما في الأردن فالضرائب تأتي من كل جهة مباشرة وغير مباشرة، كما أنها لا تترافق أي مع خدمات حكومية ملحوظة .
الأردن في ظل استبداد الحكومات ومؤسسات الدولة وغياب مجالس نيابية فاعلة ومؤثرة بحاجة الى محكمة دستورية فاعلة وليس شكلية تقوم وبالطلب من مؤسسات المجتمع المدني وليس حصراً بالحكومة كما هو عليه الحال الآن بالرقابة المشددة على كافة القوانين والانظمة ومدى انسجامها مع المادة 111 من الفصل السابع من الدستور الأردني التي تنص على مايلي :
" لا تفرض ضريبة أو رسم إلا بقانون ....... وعلى الحكومة أن تأخذ في فرض الضرائب بمبدأ التكليف التصاعدي مع تحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية وأن لا تتجاوز مقدرة المكلفين على الأداء وحاجة الدولة الى المال ".
وتبقى الأسئلة إما على لسان المواطنين الأردنيين أو في قلوبهم أو عقولهم الغاضبة، أين يكمن وكر اللصوص في هذه الدولة العتيدة؟ وأي المؤسسات اكثر فساداً ولماذا، ومن يحميها ؟
التاريخ 08/05/2023
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت