مقالة قانونية

احكام اضراب العمال في قانون العمل الفلسطيني

بقلم: حسام عرفات

المحامي حسام عرفات.png
  •  بقلم : المحامي حسام عرفات

 

اولا : مفهوم الاضراب العمالي وضماناته الدستورية والقانونية

كَفل القانون الأساسي للعمال الحق في التنظيم النقابي والإضراب للدفاع عن مصالحهم، على أنْ تكون ممارسة هذا الحق وفق القانون، فقد نصت المادة (25/3/4 من القانون الأساسي المعدل لسنة 2003 على أنَّ  (التنظيم النقابي حق ينظم القانون أحكامه ...والحق في الإضراب يمارس في حدود القانون). كما نصت المادة 66 من قانون العمل الفلسطيني رقم 7 لسنة 2000م بأنَّ (...الإضراب حق مكفول للعمال للدفاع عن مصالحهم)([1]).

وقد درج المشرّع على عدم وضع تعريف للإضراب واكتفى بالنص على مشروعية الإضراب تاركاً التعريف للفقه والقضاء. والإضراب هو: توقف مجموعة من العمال عن العمل بقصد تحقيق مصلحة جماعية، لذلك لا يمكن تصور قيام شخص واحد بالإضراب لتحقيق مصلحة خاصة([2]). وعرَّفه بعض الفقه بأنَّه " امتناع العمال عن العمل امتناعاً إرادياً ومدبراً لتحقيق مطالب مهنية " ([3]).

وقد كان الإضراب في السابق وسيلة يستخدمها العمال للإضرار بصاحب العمل، أمَّا بعد التطورات التي حصلت على المستويات الاقتصادية والقانونية، فقد أضحى الإضراب وسيلة قانونية نظمها القانون لإبراز مطالب العمال المتعلقة بالظروف العامة للعمل([4]).

ولا يُعد مجرد مشاركة العامل في الإضراب سبباً كافياً لاتخاذ إجراء بفصله من العمل " ما دامت الشركة (صاحبة العمل)، لم تدَّعِ أنَّ هنالك تعليمات مُعلناً عنها بخصوص الإضراب، وأنَّ (العامل) خالفها ..."([5])، وقضت محكمة التمييز الأردنية أيضاً بأنَّ " الإضراب ليس سبباً مشروعاً لفصل العامل من عمله، حيث أنَّ المادة 136 من قانون العمل الأردني لسنة 1998م حددت العقوبات التي تُفرض على العامل، إذا قام بإضراب محظور، وليس من بينها طرده من العمل "([6]).

أمَّا القضاء المصري فقد توصل إلي أنَّ " امتناع العمال للمطالبة بمطالب مشروعة تستند إلى العدالة في نطاق مساومات العمل الجماعية، هو امتناع مشروع لا يبرر فسخ العقد ولا يُعتبر إخلالاً جوهرياً بالتزام جوهري ، كما أنَّ مدة الإضراب لم تَطُلْ بحيث تؤدي إلى الإخلال بسير العمل في المشروع "([7]).

الأحكام الخاصة بالإضراب :

ألزم المشرّع العمال الذين ينوون خوض الإضراب بمواجهة صاحب العمل، بأنْ يقوموا بتوجيه(تنبيه كتابي) إلى صاحب العمل ووزارة العمل قبل أسبوعين من موعد الإضراب، على أنْ يشتمل هذا التنبيه الكتابي على الأسباب التي دعت الجهة القائمة بالإضراب إلى خوضه .

 ويُلاحظ أنَّ المشرّع اشترط أنْ يكون التنبيه بالإضراب  قبل أربعة أسابيع في المرافق العامة وليس أسبوعين، وذلك لحساسية الدور الذي تلعبه هذه المرافق في حياة المواطن والمجتمع عموماً وللحيلولة دون تعطيلها بشكل مفاجئ، لذلك اشترط المشرّع فترة أطول من الفترة المطلوبة فيما إذا كان صاحب العمل ليس مرفقاً عاماً([8]).

ومن غير الواضح السبب القانوني لاستخدام المشرّع  تعبير (التنبيه الكتابي) بدل تعبير (الإخطار الخطي ) أو (الكتاب الخطي ) أو (الإشعار الخطي)([9]). ويبدو أنَّ استعمال هذا التعبير يعود إلى طبيعة هذا التنبيه، المتمثل في لفت انتباه الجهة الموجه إليها اجراء الاضراب، إلى أنَّ الأمور آخذة بالتصاعد وأن الأمر جدياً، عسى أنْ يكون هذا التنبيه حافزاً لصاحب العمل  للمبادرة لحل النزاع العمالي.

واشترط المشرّع في التنبيه الكتابي المرسل من قبل العمال الخاص بالإضراب أنْ يكون موقعاً من 51 % من عدد العاملين في المنشأة على الأقل وإلاَّ كان غير مشروع، ([10]) .

وقد قضت محكمة العدل العليا الفلسطينية في حكمها بقضية إضراب الأطباء في هذا الشأن بأنَّه " وحيث ثبت للمحكمة أنَّ المستدعى ضدها (نقابة الأطباء)، لم تقم  بتوجيه تنبيه كتابي موقع من 51% من الأطباء العاملين لدى وزارة الصحة، وذلك قبل أربعة أسابيع من بدء الإضراب، كما توجب المادة 67 من قانون العمل، فإنَّها تكون بذلك قد خالفت القانون، وحيث أنَّ مخالفة الإجراءات الوجوبية المنصوص عليها في القانون تجعل من البدء في الإضراب أمراً غير مشروعاً، بصرف النظر عن قانونية أسباب الإضراب وعدالة مطالبه من عدمه، فإنَّ المحكمة واستناداً لأحكام المادة الثالثة من القرار بقانون رقم 5 لسنة 2008م، تُقرِّر وقف الإضراب المعلن عنه من قبل المستدعى ضدها (نقابة الأطباء) بتاريخ 29/5/2011م "([11]).

وحظر المشرّع إقدام العمال أو ممثليهم النقابيين على القيام بالإضراب خلال فترة النظر في النزاع الجماعي من قبل الجهات المختصة، سواء أكانت هذه الجهات وسيطاً أو مندوب التوفيق في وزارة العمل أو محكماً ([12]). وألزم المشرّع العمال المضربين أو ممثليهم النقابيين بوقف الإضراب ، إذا أُحيل النزاع خلال فترة الإضراب إلى جهة مختصة للنظر به([13]) ، رغم أنَّه من غير الواضح قصد المشرّع بجهة الاختصاص فهل هي وزارة العمل؟ أو الإحالة إلى التحكيم أو إلى القضاء .

ونعتقد أنَّ هذا النص عام، ويترك مجالاً لأصحاب العمل بالنفاذ منه لكسر الإضرابات العمالية بحجة إحالة النزاع إلى جهة ما، وهو ما يستدعي وضع الضمانات لتلافي ذلك.

 

 

 

 

([1]) -  أنظر أيضاً نص المادة الأولى من القرار بقانون رقم (5) لسنة 2008م بشأن تنظيم ممارسة حق الإضراب في الخدمة المدنية، والتي جاء فيها أنَّ "حق الإضراب مكفول لموظفي الخدمة المدنية وفقاً لأحكام هذا القرار بقانون". وقد مر الحق في الاضراب والتنظيم النقابي بمراحل متعددة، وحيث حرمت الثورة الفرنسية في بداياتها  العمال من تشكيل منظمات نقابية خاصة بهم ، كما حظرت المملكة المتحدة التجمعات العمالية في قانون التجمعات الذي صدر في العام 1800. للتفصيل في هذا الموضوع أنظر

Vester and Gardner: Trade Unions,Law and Practice. Sweet&Maxwell. London,1985,p.37

([2]) -  وعرّفه بعض الكتاب الفلسطينيين بأنَّه  ( امتناع العمال عن تنفيذ العمل الملتزمين به بموجب عقود العمل الفردية ، وذلك بسبب نزاع جماعي) أنظر . المحامي  فريد الجلاد ، شرح أحكام قانون العمل رقم 7 لسنة 2000م ، مرجع سابق ، ص106.وعرَّفه الفقه الفرنسي بأنَّه (توقف العمال عن العمل توقفاً جماعياً ومدبراً بقصد ممارسة الضغط على صاحب العمل أو السلطات العامة ). كما عرَّفه الفقه المصري بأنَّه (عبارة عن امتناع موظفي وعمال المرافق العامة عن تأدية أعمالهم مع تمسكهم في الوقت ذاته بأهداف الوظيفة العامة). أنظر هذه التعريفات في د.محمود البحيري ، مرجع سابق ،ص320 – ص321.

([3]) - د. محمود جمال الدين زكي، أثر الاضراب على عقد العمل ، دراسة مقارنة، بحث منشور في مجلة الاقتصاد ، العددان الأول والثاني، مارس ويونية 1955م، السنة الخامسة والعشرون، مطبعة جامعة القاهرة ، 1956م، ص7. مشار إليه في د.صبا نعمان رشيدالويسي، وقف عقد العمل وتطبيقاته، الطبعة الأولى ،منشورات الحلبي الحقوقية،2012م، ص123.

([4]) - نصت المادة 12 من الاتفاقية العربية رقم 8 لسنة 1977م بشأن الحريات والحقوق النقابية على أنَّ ( للعمال حق الإضراب للدفاع عن مصالحهم الاقتصادية والاجتماعية بعد استنفاذ طرق التفاوض القانونية لتحقيق هذه المصالح ).

([5]) - أنظر قرار محكمة التمييز الأردنية في القضية الحقوقية رقم 359/63 ، الصادر بتاريخ 23/12/1963م، المنشور في مجلة نقابة المحامين الأردنيين ، ص114/1964م.

([6]) - أنظر قرار محكمة التمييز الأردنية في القضية الحقوقية رقم 3794 /2000م  ، الصادر بتاريخ 9/10/2001م . مشار إليه في المحاميان جمال دغمش ويحيي دحمان ، قانون العمل ، مرجع سابق ، ص238.

([7]) - حكم محكمة شمال القاهرة الكلية /عمال، في القضية رقم 771 لسنة 1973م في 12 نوفمبر 1973م، مشار إليه في د.صبا نعمان الويسي، وقف عقد العمل وتطبيقاته، مرجع سابق ، 129.

([8]) - أنظر المادة 67/2 من قانون العمل الفلسطيني رقم 7 لسنة 2000م .

([9]) - استخدم المشرّع المصري تعبير (الإخطار) .أنظر المادة 192 من قانون العمل الموحد رقم 12 لسنة 2003م . ولم ينظم قانون العمل الأردني رقم 8 لسنة 1996م مسألة الاضراب ، وكذلك قانون العمل السوري رقم 17 لسنة 2010م.

([10]) -  أنظر نص المادة (67/3) من قانون العمل  رقم 7 لسنة 2000م .

([11]) - حكم محكمة العدل العليا  المنعقدة في  رام الله  في الدعوى الإدارية رقم 208 لسنة 2011م، الصادر بتاريخ ، 8/6/2011م، والمنشور في المقتفي على الرابط التالى : http://muqtafi.birzeit.edu/courtjudgments/CJFullText.aspx?CJID=87812 .

([12]) - أنظر نص المادة 67/4 من قانون العمل الفلسطيني رقم 7 لسنة 2000م .

([13]) - أنظر نص المادة 67/5 من قانون العمل الفلسطيني رقم 7 لسنة 2000م .

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت