- عبد المنعم فياض
على مدار التاريخ كانت للمقابر خصوصية وأهمية كبيرة عند المصريين، خصوصاً أن حضارتهم القديمة قامت على البناء للعالم الآخر حيث الحياة الأبدية والخلود.
بني المصريون القدماء أهرامات مصر العظيمة باعتبارها بوابة للعالم الآخر، وأبدعوا في تشييد المقابر بوادي الملوك جنوب مصر، لتصبح الآن علامات للتراث الإنساني.
كما اخترع المصريون سبلاً للحفاظ على جثامين الموتى لتبقى صالحة للعيش في العالم الآخر، ومع توالي العصور والحقب التاريخية تغيرت طقوس الدفن واختلف شكل المقابر، لكن ثقافة الموت وطقوسه بقيت حاضرة، ولا تزال تمثل أهمية كبرى في الثقافة الشعبية.
منذ إنشاء القاهرة قبل أكثر من ألف عام تمثل جباناتها جزءاً من طابعها الثقافي والمعماري، الذي تطور عبر العصور، لكنه لا يزال نسيجاً متكاملاً تضاف إليه أجزاء جديدة في حين تبقى القديمة حاضرة باعتبارها جزءاً من كل، وطبقة من طبقات التاريخ الممتد للمدينة.
جبانات القاهرة التاريخية تمتد على مساحة كبيرة وتضم مدافن عدة، من بينها مقابر الإمام الشافعي، ومقابر السيدة نفيسة، ومقابر باب الوزير، ومقابر باب النصر، ومقابر المجاورين، والمنطقة التي يطلق عليها صحراء المماليك أو قرافة المماليك.
وأثارت المقابر جدلاً ممتداً على مدار السنوات الأخيرة بعد دخول أجزاء منها في حيز تنفيذ بعض مشروعات الطرق، التي تقوم بها الدولة، لتعارضها مع المسار المقترح مما يتطلب عمليات إزالة، جرى بالفعل بعضها، لأجزاء من هذه المدافن وهدمها ونقل رفات الموتى إلى مقابر أخرى تقع بمنطقة 15 مايو أو العاشر من رمضان.
وصاحب هذا الأمر أزمة مستمرة بين أصحاب بعض المدافن، الذين أصابهم استياء شديد من فكرة نقل رفات أحبائهم بعد سنوات طويلة إلى مكان آخر، لصعوبة الأمر عليهم وعدم تقبله.
ومن جانب آخر، اعترض كثير من المثقفين والمهتمين بالتاريخ والتراث على فكرة هدم مقابر تمثل جزءاً من التراث المصري والإنساني وتضم رفات عدد من الرموز على مدار عصور.
تتميز عمارة كثير من المقابر في منطقة الجبانات التاريخية بطابع معماري فريد يختلف ويتطور باختلاف العصر، ويمثل في ذاته إرثاً ثقافياً يؤرخ لثقافة الموت، التي تعتبر جزءاً رئيساً من تاريخ المصريين منذ عصر مصر القديمة.
تم تسجيل القاهرة التاريخية على قائمة التراث العالمي لليونسكو عام 1979، ويقع كثير من المواقع التي تضم جباناتها ضمن منطقة القاهرة التاريخية، ما يثير التساؤل عن فكرة أن يكون هذا حامياً لهذه المناطق من أعمال الهدم باعتبارها منطقة تراثية معترفاً بها دولياً.
تمتد هذه المدينة (مقابر القاهرة)، التي تُعَد واحدة من عجائب العالم الحضرية وبالتأكيد من أروع المقابر في العالم، على مساحة أربعة أميال مربعة (10.4 كم مربع)، وتتراوح مدافنها ما بين المتواضع والفخم، إنَّها آثار وقصور لأولئك الذين عاشوا في منازل أكبر خلال حياتهم
مقابر المماليك"، وهي مقابر تحوي مجموعات جنائزية فريدة لسلاطين وأمراء المماليك وأسرهم، من أروع ما أنتجته العمارة المملوكية في العالم الإسلامي، تجاورها قباب منفصلة متناغمة معها، بجانب مقابر العائلات الأرستقراطية المصرية الحديثة والتي لا تقل روعة في عمارتها وحسن بنائها وتفردها عن مقابر المماليك. وهو سليل أسرة من الباشاوات والوزراء السابقين، في حوش مقابر العائلة، وهو مجمع مزين بالقباب وأكثر من 100 مقبرة منحوتة بشكل مُزخرَف: "إنَّكم تقفون أمام ذكرى عصر شهير في التاريخ المصري". وتعود إحدى هذه المقابر إلى عمه الأكبر، عدلي باشا يكن، الذي تولى رئاسة الوزراء لثلاث ولايات في عشرينيات القرن الماضي
كان موقع مقابر القاهرة في القرن السابع الميلادي يقع في الصحراء بعيداً عن النيل. لكن في القرون التالية، أصبحت القاهرة واحدة من أكبر المدن في العالم، ويعيش سكانها البالغ عددهم 20 مليوناً الآن في منطقة ذات امتداد عملاق، نصفهم على الأقل في مبانٍ سكنية رديئة شبه قانونية ظهرت في فوضى التاريخ المصري الحديث. قليلون هم مَن يعترضون على أنَّ البنية التحتية للمدينة بحاجة ماسّة إلى استثمارات
ومع ذلك، يقول الجغرافيون والمخططون العمرانيون إنَّ حجم الهدم الذي يستهدف مقابر القاهرة غير ضروري لتحقيق الهدف المُعلَن المتمثل في إزالة الاختناقات المرورية
"بعض هذه الجبانات يمكن اعتبارها متاحف، ويمكن أن تكون على المسار السياحي في القاهرة، فعلى سبيل المثال مدافن عائلة يكن وعائلة إسماعيل صدقي باشا ومقبرة محمد راتب باشا كلها ذات طابع معماري فريد، وكذلك تضم المنطقة مقابر لأعلام مصرية مثل أم كلثوم ومصطفى كامل والنحاس باشا وطه حسين وعدد كبير جداً من الرموز في شتي المجالات".
وحتى مقابر بعض عوام الناس بها لمسات فريدة تستحق التأمل، مثل إضافة طابع خاص يعبر عن حال الشخص المتوفى، سواء أكان في ريعان الشباب أو طفلة صغيرة وربما في بعض الأحيان يعبر عن مهنته أو أي ملمح بارز من حياته".
ويُعَد ضريح الملكة فريدة، زوجة آخر ملوك مصر، عُرضة للخطر. كما أنَّ شقيقة زوجها السابقة الأميرة فوزية، التي أصبحت ملكة لإيران وتوفيت عن عمر يناهز 91 عاماً في عام 2013، مدفونة هناك.
وأصدرت مجموعة تُسمَّى "إنقاذ جبانات القاهرة التاريخية" عريضة وقَّع عليها 3 آلاف شخص وتقترح إقامة نفق كبديل عن الجسر. " والمشروع ليس جسراً فقط، إنَّه طريق لمحور مروري كامل. ويجري إعداد الرسومات والمسار المُفصَّل للمحور والجسور حالياً
و"على مدار 1400 سنة ضمت تلك المقابر رفات لأولياء الله الصالحين وأعلام إسلاميين، إضافة إلى شخصيات كثيرة ارتبطت بالتاريخ المصري منذ عهد محمد علي باشا، مروراً بأعلام القرن العشرين من الفنانين والسياسيين والعلماء، هذا إلى جانب مدافن عوام الناس التي يحظى كل منها بتراث معماري فريد، وتنقسم جبانات القاهرة التاريخية بشكل رئيس إلى قرافة المماليك، قرافة الإمام الشافعي، قرافة السيدة نفيسة".
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت