وليد دقة: مفكر في مواجهة سرطانين

يحارب وليد دقة (62 عاما) وهو يدخل عامه الـ38 في سجون الاحتلال، عامه قبل الأخير -موعد تحرره آذار 2025- سرطان نخاع العظم الذي أصابه مؤخراً، وسرطان الاحتلال الذي اختطف شبابه وحريته منذ 25 آذار 1986 وحتى يومنا هذا.

وفي كانون الأول/ ديسمبر 2022، شُخّصت إصابة دقة بمرض التليف النقوي (Myelofibrosis)، وهو سرطان نادر يصيب نخاع العظم، والذي تطور عن سرطان الدم اللوكيميا الذي تم شُخّص به في عام 2015.

نقل دقة وأغنى من فكره وخلاصة تجربته الثورية وحراكه الثقافي في سجون الاحتلال العديد من الإصدارات النضالية والفكرية والأدبية، أبرزها: "يوميات المقاومة في مخيم جنين 2002" صدر عام 2004، إلى "صهر الوعي أو إعادة تعريف التعذيب" عام 2010، إلى "حكاية سر الزيت" 2018، إلى "حكاية سر السيف" 2021.

كما ألف مسرحية "حكاية المنسيين في الزمن الموازي" عام 2011، التي ما زالت في تصنيف المخطوطة إلى جانب رواية قصيرة كتبها بـ"العبرية".

استثمر دقة أعوامه الطويلة خلف القضبان في تثقيف نفسه ومن حوله، فأصدر عدة مؤلفات، وكتب ونشر مئات المقالات والرسائل والتحليلات والاستنتاجات لصحف ومجلات محلية وعربية وعبرية ودولية، وساهم معرفيًا في فهم تجربة السجن ومقاومتها.

تمحورت كتابات دقة، في قضايا الحرية والثورة والأسرى والسجون والتعذيب، الذاكرة والأرض والناس والحكاية، إلى الشأن الفلسطيني العام في كل مكان، الوطن والمواطنة، القضايا الاجتماعية والإبداع والخيال.

في كتابه "صهر الوعي أو إعادة تعريف التعذيب" يتحدث باستفاضة عن إضراب عام 2004، الذي استعدت حكومة شارون له ودفعت نحوه، باستفزاز الأسرى بعدة إجراءات وتدابير قمعية وتغييرات مست حياة الأسرى وما عايشوه قبل ذلك، وهي بالتأكيد هنا لا تعني أنهم كانوا في "بحبوحة من العيش"، إنما كانت الأمور السيئة تسير بشكل أفضل قليلاً، وفرضت عليهم المزيد من العزلة والسياسات التي سلختهم أكثر من الواقع في الخارج وضرب أطرهم التمثيلية وإضعافها، وتفكيك العمل الجماعي الذي تحدده قيم وطنية مشتركة.

يرى دقة أن حكومة شارون اتخذت عدة إجراءات لعملية صهر وعي الأسرى التي بدأت في عام 2004 بعد تسلم "يعقوب جنوت" في أواسط عام 2003، رأس الهرم القيادي لإدارة السجون الذي عينه رئيس وزراء الاحتلال آنذاك، آرائيل شارون، الذي ربطته به علاقة شخصية وعسكرية قديمة، شارون منح "جنوت" مطلق التصرف في تحديد سياسته وتطبيقها، إضافة إلى زيادة الميزانية التي أتاحت له تجهيز السجون القديمة بتقنيات ونظم حديثة، لإحكام السيطرة على تفاصيل الأسرى، وبناء سجون جديدة تستوعب الآلاف.

ويتابع دقة في تفاصيل مواجهة إضراب الأسرى، جرى مصادرة الملح، خلق حالة من التوتر والقلق بإخراج الأسرى من غرفهم بحجة التفتيش عن "ممنوعات" رغم تفريغ كل الغرف من حاجياتها إلا فرشة الأسير، وإجراء تنقلات بين الأقسام والغرف لتفكيك دوائر المعارف التي تشكلت عبر سنوات من الاعتقال، وإسماع الأسرى نداءات عبر مكبرات الصوت، وتوزيع نشرات تهدف إلى إضعاف قناعة الأسير بخطوة الإضراب وبقيادته، وإقامة حفلات المشاوي للشرطة والسجناء المدنيين في باحة السجن، واستخدام العنف وجهاز الصدمة في حالة نقل الأسرى إلى السجون أو المستشفيات وهو جهاز يستخدم اصلا لحث البقر على السير، ومنع المحامين من زيارة الأسرى والتواصل معهم، ومنع تسرب أي خبر عن حملات التضامن والاعتصامات التي تشكل دعما معنويا.

في كتابه، يفكك دقة عقلية السجان، التي راكمت عبر عشرات السنوات أدوات تعذيب جسدية ومعنوية، هدفها "تحويل الأسير الفلسطيني من ذات فاعلة لها شخصيتها وقناعاتها، إلى موضوع سلبي ومتلق يعتمد بالأساس على حاجات مادية يتلقاها وفقا لإرادة السجان، فتتحول بالتدريج إلى جوهر حياته واهتمامه اليومي، خصوصا عندما يفتقد أي انشغال أو اهتمام آخر في واقع مغلق كالسجن... المهم أن لا يتحول الأسير إلى ذات يدرك واقعه ونفسه ويفكر في مصيره أو مصير رفاقه".

يُشار إلى أن دقة أحد الأسرى القدامى المعتقلين قبل توقيع اتفاق أوسلو، وعددهم 24 أسيرًا، بعد الإفراج في كانون الثاني/يناير الماضي عن أقدمهم وهما المحرران كريم يونس، وماهر يونس.

اعتُقل دقة، في 25 من آذار/ مارس 1986 إلى جانب مجموعة من رفاقه وهم: إبراهيم أبو مخ، ورشدي أبو مخ، وإبراهيم بيادسة، بتهمة خطف الجندي موشي بن تمام وقتله، لمبادلته بأسرى في سجون الاحتلال.

عام 1999، ارتبط وليد دقة بزوجته سناء سلامة، وفي شباط 2020، رُزق وزوجته بطفلتهما "ميلاد" عبر النطف المحررة.

تعرض دقة لجملة من السياسات التنكيلية على خلفية إنتاجاته المعرفية بشكلٍ خاص، وسعت إدارة سجون الاحتلال إلى الاستيلاء على كتاباته وكتبه الخاصة، كما واجه العزل الانفرادي، والنقل التعسفي.

يذكر أن الاحتلال أصدر بحقه حكما بالسجن المؤبد، جرى تحديده لاحقًا بـ37 عامًا، وأضاف عام 2018 على حُكمه عامين ليصبح (39) عامًا.

المصدر: وكالة قدس نت للأنباء - وفا - يامن نوباني