أوصى مختصون بضرورة أن يكون هناك إرادة من قبل صانع القرار السياسي بضرورة التطوير والإصلاح فذلك هو عامل حاسم في دفع المسيرة الديمقراطية نحو الأمام، خصوصاً إذا تضافرت جهود القيادة مع الوعي الشعبي، فتناغم حركة الطرفين من أجل مزيد من التطوير والتحديث سوف يدفع بالتجربة إلى آفاق رحبة.
كما أكدوا على ضرورة مشاركة الشعب في اتخاذ القرار، واطلاعه على حقيقة الأوضاع، وفتح المجال للمعارضة، والنقد الموضوعي الهادف إلى الحوار، وتعزيز الوعي حول أهمية الانتخابات لدى المواطنين، وتشجيع الأحزاب السياسية والمرشحين للمشاركة أكثر في النقاشات السياسية العامة، وتوجيه النقاشات إلى القضايا التي تحظى باهتمام المواطنين، ودعم المشاركة النسائية في العملية الانتخابية، وتعديل قانون الانتخابات.
وبينوا أن التحول الديمقراطي يتطلب إنجاز المصالحة الوطنية وإنهاء الانقسام الكارثي، وإعادة صوغ الحركة الوطنية والنظام الفلسطيني، واعتماد برنامج وطني، وبناء الشراكة الوطنية الكاملة في المنظمة والسلطة والمجلس الوطني والمجلس التشريعي ومختلف المؤسسات، وتكريس التعددية السياسية الديمقراطية، وتوليد نخبة سياسية جديدة حيوية وديناميكية ملتزمة بالثوابت ومستعدة لدفع استحقاقات مرحلة التحرر الوطني بشجاعة بعيداً عن الفساد والكسب غير المشروع والترهل والعجز والفشل وعقلية الإقصاء والتفرد،
جاء ذلك خلال اللقاء الذي عقدته الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني “حشد”، يوم الثلاثاء، بعنوان “أزمة التحول الديمقراطي في فلسطين”، وقد افتتحت الورشة المحامية رنا أبو هديب مرحبةً بالحضور.
وقدم م. تيسير محيسن الخبير التنموي ومنسق شبكة المنظمات الأهلية، مقاربة للتحول الديموقراطي في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967، وحتى يومنا هذا، فنحن نقارب ظاهرة خارج سياقها الدولاني، في مجتمع خاضع للاحتلال، وفي حركة تحرر وطني ملزمة بالجمع بين مهمات التحرر ومقتضيات البناء، وتتكون من ثلاث مراحل، المرحلة الأولى في نزوع ديموقراطي يوازي النزوع للحرية (1967-1993)، والمرحلة الثانية: دمقرطة متعثرة (1993- 2005)، والمرحلة الثالثة: الدمقرطة تؤول إلى انحلال سياسي (ما بعد 2005)
وأكد أن الفلسطينيون خبروا الدمقرطة من إرثهم التاريخي ما قبل النكبة مع ارهاصات الحداثة، التعليم، الصحافة، الحضرنة، تشكيل الأحزاب وأيضا باحتكاكهم بتجارب كثيرة ومنوعة عبر اللجوء، أو التعليم في الخارج، أو مراقبة التجربة الإسرائيلية، وأخيرا تجربة منظمة التحرير “دمقراطية غابة البنادق”. يعود الفضل لتلمس الحاجة للديموقراطية لنخب الطبقة الوسطى، قيادات حزبية ذات كاريزما، دور مؤسسات المجتمع المدني.
وأشار محيسن إلى أزمة الديمقراطية في فلسطين أزمة مركبة يعيشها شعب يرزح تحت نير احتلال عنصري، استيطاني واحلالي، شعب يراوح منذ 100 عاما بين التقليد والحداثة واجهاض تجاربه التنموية والتحديثية، وبالتالي هي أزمة ثقافة سياسية وأزمة تنظيمات سياسية، انفعالية مقطوعة الصلة بالتمثيل الاجتماعي والسياسي وتبني حضورها على الفكرة الكبرى والشعار البراق والدعم الخارجي واتباع سياسات شعبوية، ولا تمارس الديموقراطية في حياتها الداخلية، تشهد انشقاقات، وأزمة سلطة اعتمادية، فشلت في وظيفتها التوحيدية، والدولانية، تقوم على المحسوبيات وتكريس العلاقة الزبائنية.
وتابع كما أنها أزمة مجتمع مدني مندرج ضمن نسق السلطة أو نسق المعونة الخارجية فقد طابعه المعارض والمقاوم، أزمة معونة خارجية تستخدم للتأثير والابتزاز السياسي والتحكم في قرارات وخيارات الفلسطيني السياسية، مؤكداً أن هناك أزمة مشروع وطني غاب عنه البعد المجتمعي والديموقراطي ولم يتمكن حتى الآن من تحقيق أهدافه والمحافظة على زخمه وفعاليته.
وبين محيسن أن بلادنا اليوم تخلو من أي مظهر من مظاهر الدمقرطة الحقة؛ ودليلنا في ذلك استمرار وجود نظامين منفصلين ومتعارضين للسيطرة يمارسان الاستبداد وتخترقهما مظاهر متعددة للفساد، غير قابلين للمساءلة، يعملان ضمن تعددية شكلية تمنحهما تفردا وهيمنة واستحواذا على السلطة والثروة، مع وجود نظام حزبي مترهل، لا تؤمن مكوناته بالديموقراطية ولا تمارسها داخليا، مع ضعف قدرة النظام على الأداء الفعال وفشل السياسية، إدارة فاشلة للمجتمع وشؤون الناس، تراجع الثقافة السياسية الديموقراطية، وتعطيل الانتخابات، ورفض محاولات إصلاح منظمة التحرير واستخدامها في إطار الصراع الفئوي، وسيادة منطق الانقسام في كل مناحي حياتنا.
بدوره، قال أ. أبيّ العابودي مدير مركز بيسان للبحوث والإنماء، :”الناظر للمشهد السياسي والاقتصادي والاجتماعي الفلسطيني بالذات فيما يتعلق بالضفة الغربية وقطاع غزة، يلاحظ تدهوراً غير مسبوق في كافة المؤشرات ذات العلاقة”.
وبين أن الأولوية في مدخل التغير يتمثل في بناء التيار الشعبي الديموقراطي المنحاز للحقوق التاريخية لشعبنا الفلسطيني، والتوجه للانتخابات ضمن توافقات مع قوى شعبنا الحية ومستقليه أن تكون هذه الانتخابات خطوة في تشكيل التيار الشعبي والديموقراطي، والابتعاد عن الصيغ الحزبية الضيقة في التوجه للانتخابات ودعم تحالفات واسعة من مستقلين وحراكات وقوى اجتماعية أثبتت نفسها خلال السنوات الماضية بجديتها في دفاعها عن مصالح المجتمع الفلسطيني، والعمل وفق برامج تعزز صمود الإنسان الفلسطيني على أرضه في الضفة والقطاع.
كما دعا العابودي، إلى ضرورة تفعيل الشتات الفلسطيني والداخل الفلسطيني كجسم أساسي من التيار الشعبي الديموقراطي، والعمل على تفعيل البناء الديموقراطي لهذا التيار حيثما أمكن وليشكل قوة ضاغطة باتجاه إصلاح وإعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية، وإعطاء الزخم للديموقراطية الشعبية الفلسطينية.
ونوه إلى أنّه ما دام هناك شبه إجماع فصائلي على الدخول إلى معترك الانتخابات، فإنه من الأفضل أن تركز على الفصل السياسي الذي هو من مهمات المنظمة عن الحياتي اليومي الذي هو من مهمات سلطة محدودة في الضفة والقطاع أن يصار إلى التركيز على الدور التشريعي للمجلس في القضايا الاقتصادية الاجتماعية.
وأكد العابودي، على ضرورة أن يبين المرشحون موقفهم مسبقاً من انتخابات الرئاسة وانتخابات المجلس الوطني ومد التحالفات إلى المرحلتين التاليتين للانتخابات، مشيراً إلى أهمية إشراك الجمهور غير المنظم في الفصائل في عملية الترشح من خلال التحالف مع الفاعلين فيه ومع شخصيات وازنة في المجتمع.
وشدد على ضرورة أن يكون هناك بناء برامج اقتصادية اجتماعية واضحة لدى القوى المعنية بالتغيير تخاطب من وقع عليهم الظلم الاجتماعي وتعبر عن قضاياهم، منوهاً إلى أن انتخابات المجلس التشريعي ليست نهاية المطاف ولا هي عمل استراتيجي، بقدر ما هي عملية مؤقتة خاضعة لمزاج جماهيري، لذلك فإن خوض المعركة هنا يجب أن لا يحمل ما لم يحتمل، إلا إذا كانت المرحلتين التاليتين من الانتخابات هما مجرد شيك مؤجل وبدون رصيد وبالتالي فإن معركة إعادة تشكيل النظام السياسي الفلسطيني وتحديد مرجعياته يجب أن تستمر دون أي تذرع بالظروف المعقدة التي بات لها ألف حل في ظل التطور التكنولوجي.
من جهته تحدث د. صلاح عبد العاطي رئيس الهيئة الدولية “حشد”، عن تداعيات ازمة التحول الديمقراطي وتكريس الحكم المطلق وتقويض مؤسسات النظام السياسي الفلسطيني، والكلفة الباهظة لهذه التداعيات والتحولات الخطيرة، ما بعد الانتخابات التشريعية الثانية عام 2006 وانتهاءً بما تنطوي عليه المرحلة الراهنة من مخاطر تحول النظام السياسي إلى نظام فردي استبدادي يرسخ الخروج عن القانون وسيادته، ويساهم في تحول الانقسام السياسي إلى انفصال وضياع المشروع الوطني، مركزاً حديثه حول ثلاث نقاط أساسية وهي ، أزمة النظام السياسي والديمقراطية بعد تأسيس السلطة الفلسطينية، والانقسام السياسي وتداعياته على مؤسسات النظام السياسي، والتغييرات في النظام السياسي والدستوري الفلسطيني، ومتطلبات انهاء حقبة الهيمنة والتفرد والسلطة المطلقة:
وأشار إلى أننا أمام هذا الواقع والتدحرج في الإمساك بسلطات مطلقة والهيمنة والتفرد بكل مؤسسات النظام السياسي سيؤدي إلى سلطة دكتاتورية تؤسس الى انفصال حقيقي بين قطاع غزة والضفة الغربية وتكرس حكم مطلقا في النظام السياسي بما يعني تكريس الفساد السياسي والفردية والسلطة البوليسية، وغياب الديمقراطية بما تشمله من انتهاك حقوق الانسان وغياب سيادة القانون والفصل بين السلطات واستقلالية السلطة القضائية.
وأكد عبد العاطي أننا أمام واحد من ثلاثة سناريوهات محتملة، الأول إجراء مصالحة تعيد بناء مؤسسات النظام السياسي الفلسطيني، والثاني الاتفاق على إجراء الانتخابات الشاملة، والثالث بقاء الوضع كما هو علية، والرابع انهيار السلطة.
وبين أن متطلبات انهاء حقبة الهيمنة والتفرد والسلطة المطلقة تتمثل في، استمرار الجهود المجتمعية و الوطنية في الضفة الغربية وقطاع غزة وتعزيزها وتوحيدها، وصولاً للإصلاح الشامل في النظام السياسي و القضاء وقطاع العدالة؛ على أرضية استعادة الوحدة الوطنية وإعادة بناء مؤسسات النظام السياسي على أسس الشراكة السياسية واحترام سيادة القانون والفصل بين السلطات والاتفاقيات والمعايير الدولية لحقوق الإنسان، واستخلاص الدروس والعبر من فشل تجارب الماضي في الإصلاح وبما يضمن إعادة إقرار ميثاق وطني جديد ” العقد الاجتماعي دستوري” وإعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية واصلاحها، والاتفاق على ترتيب البيت الداخلي وفقا التطورات التي صاحبت الاعتراف الأممي بمركز جديد لدولة فلسطين المحتلة.
وأشار عبد العاطي، إلى ضرورة إصلاح قطاع العدالة، بعيداً عن تفرد السلطة التنفيذية والمحاصصة وتضارب المصالح وإعادة إنتاج تجارب ثبت فشلها في السنوات الماضية، مطالباً الرئيس والحكومة الفلسطينية بسحب التعديلات الراهنة ووقف التدخلات في عمل السلطة القضائية والعمل على استعادة الوحدة وإعادة بناء وتوحيد مؤسسات النظام السياسي كأولوية وطنية وقانونية.
وأوضح، أن الخطاب الوطني الديمقراطي لا يكفي وحده لتجاوز الأزمة والانتقال من حالة العجز والشلل إلى الفعل، فثمة حاجة إلى اتّباع سياسات اجتماعية واقتصادية وأمنية منسجمة مع خطاب حركة تحرر وطني، مؤكداً أن الخروج من الأزمة يستدعي إنجاز المصالحة الوطنية وإنهاء الانقسام الكارثي، وإعادة صوغ الحركة الوطنية والنظام الفلسطيني، وذلك من خلال، اعتماد برنامج وطني ؛ بناء الشراكة الوطنية الكاملة في المنظمة والسلطة والمجلس الوطني والمجلس التشريعي ومختلف المؤسسات؛ تكريس التعددية السياسية الديمقراطية عبر انتخابات دورية تشمل المجلس الوطني وباقي المؤسسات الوطنية والنقابية والمجتمعية بهدف تجديد الدماء والعقول؛ توليد نخبة سياسية جديدة حيوية وديناميكية ملتزمة بالثوابت ومستعدة لدفع استحقاقات مرحلة التحرر الوطني بشجاعة بعيداً عن الفساد والكسب غير المشروع والترهل والعجز والفشل وعقلية الإقصاء والتفرد. نحن نحتاج إلى بنية جديدة تشارك فيها المرأة والشباب؛ بنية تعتمد مبدأ المقاومة الشاملة للاحتلال وللمشروع الكولونيالي الصهيوني العنصري برمّته.