- حسن عبادي/ حيفا
بدأت مشواري التواصليّ مع أسرى أحرار يكتبون رغم عتمة السجون في شهر حزيران 2019؛ تبيّن لي أنّ الكتابة خلف القضبان متنفّس للأسير، ودوّنت على صفحتي انطباعاتي الأوليّة بعد كلّ زيارة؛
عقّبت الكاتبة المقدسيّة نزهة الرملاوي: "أجمل الصباحات حين تشعر أن الإرادة والأمل التي يتمتع بها أولئك الأحرار تصبان في نفسك لتستمد منهم القوة... الحرية لأسرانا البواسل ولكما كل التحية والتقدير أستاذ".
وعقّب الصديق الزعتريّ أبو رياح: "جهود كبيرة تقومون بها لإطلاعنا على الأسرى وأحوالهم فعلا تستحقون كل الشكر والتقدير على ذلك أستاذ حسن".
"أحلى لحظة"
غادرت حيفا الساعة الخامسة والنصف صباح الأحد 30 نيسان ووجهتي سجن النقب الصحراويّ– كتسيعوت- (أنصار 3)، يرافقني الصديق مصطفى نفاع، وطالت الطريق بسبب الأزمات المرورية ممّا اضطر السجّان الاتصال بي ثلاث مرّات للتأكّد من مجيئي، وحين أشرفت على السجن باغتتني مزارع الطاقة الشمسيّة المقامة على أراضي بدو النقب المصادرة، وهم في خيامهم وعرائشهم القصديريّة المجاورة محرومين من الكهرباء.
أطل الصديق الأسير هيثم جمال علي جابر مبتسماً تلك الابتسامة المشرقة وبدأ مباشرة بالاطمئنان على زوجتي سميرة والعائلة ومشقّة السفر.
حدّثني عن رسالة يكتبها لنائل البرغوثي، وعن قراءته لرواية "ذاكرة على أجنحة الحلم" للصديقة نزهة الرملاوي وانطباعاته التي سينشرها قريباً.
تناولنا وضعه الصحّي بتفاصيل التفاصيل ونظّارات الدلع وتلك الطبيّة.
حدّثني عن صعوبة التنقّلات الأخيرة ووضع الحركة الأسيرة.
أطلعني على مشروعه الأدبي القادم، وعن اهتمامه بالأدب والشأن الإسرائيلي.
وفجأة باح لي بأحلى لحظة مرّ بها منذ اعتقاله؛ في الزيارة الأخيرة أخطأ السجّان وأدخل كلّ الأولاد عبر الزجاج دفعة واحدة، ولأوّل مرّة حضن طفلاً وقبّله، ورفّت الدمعة حين تذكّر زينة بنت صديقنا مجد بربر والكِندِر والبُن بُن الذي يدّخره لبراء وغيره من أولاد زملائه الأسرى.
داهمنا الوقت مسرعًا والحديث يطول...
"نحن نصنع الفرح"
بعد لقائي بهيثم أطل الأسير ثائر عزيز محمود حلاحلة ضاحكاً وبدأ بقبلات عبر الزجاج قائلاً: هيك تخيّلتك... وكان هذا لقاؤنا الأول.
حدّثني عن كونها أوّل طلعة له من الزنزانة منذ اعتقاله يوم 06.06.2022 (اعتقل إدارياً 108 أشهر، فترات متقطّعة، قضى 16 سنة في السجون، ويقاطع الإداري)، ولم يُعرض على طبيب رغم مشكلة في كبده.
ثائر من بلدة خاراس، شمال غرب الخليل، متزوّج وله 4 أطفال؛ لمار (ابنته الكبرى) سُلبت طفولتها برفقة والدها، وكذلك خطّاب وعمر، ودانيال (الأصغر) كان عمره خمسة أيام حين الاعتقال، حمله وحضنه مرّة واحدة فقط ومحروم من الزيارة "ما شفت 4 أسنان طلعَتلُه، والخامس بنبِّز، وما شفته بطلِّع شعر، ولا بِزحف ع الأرض"، ومحروم من العيد مع أولاده كباقي أطفال العالم، آخر 28 عيد خلف القضبان! فالعقاب له "معتقل ومش عارف ليش؟" وللعائلة.
أطلعني على مشروعه الأدبي القادم، وأهميّة التركيز على إنسانيّتنا؛ مشاعر وأحاسيس، وأطفال، ومحروم من تقبيل ابنه.
يخاطب ثائر ابنه من خلال العصفور الذي يربّيه خلف القضبان؛ يطعمه كل فجر جديد قطعة خبز أو شويّة رز، فالعصفور يُفرح قلبه ويحسّسه بالأمل.
ودّعني قائلاً: "نعم، نحن نصنع الفرح"!
لكما عزيزيّ هيثم وثائر أحلى التحيّات، الحريّة لك ولجميع رفاق دربك الأحرار.
حيفا/ نيسان 2023
*** الأسير هيثم جابر حكمت عليه المحكمة العسكريّة الإسرائيليّة يوم 17 آذار 1991 بالسجن عامين ونصف، يوم 20 شباط 1995 بالسجن أربع سنوات ونصف ويوم 23 تموز 2002 بالسجن 28 عامًا.
*** الأسير ثائر حلاحلة أعتقل يوم 06.06.2022 (أعتقل إداري 108 أشهر، فترات متقطّعة، قضى 16 سنة في السجون)
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت