- جهاد حرب
أحسنت السيدة انتصار أبو عمارة رئيس ديوان الرئاسة بتقديمها شكوى على "مركز ائتلاف أمان" عبر النيابة العامة؛ دون الدخول في حبائل وخبايا إجراءات التقاضي وضعف أو قوة الشكاوى وصوابيتها أو انعدامها شكلاً ومضموناً "وأصولاً"، فهذه الشكوى أعادت نقاش محتويات تقرير ائتلاف أمان حول "واقع النزاهة ومكافحة الفساد في فلسطين للعام 2022" لأجندة المجتمع الفلسطيني. الأمر الذي أدّى إلى النبش في القضايا التي عرضها التقرير وطرحتها بقوة لما جاء في التقرير حول مسألة تبيض تمور المستوطنات وتطوراتها بل العودة إلى تقارير ائتلاف أمان السابقة منذ العام 2019 أول تقرير طُرح فيه مسألة تبيض التمور.
كما أعادت هذه الشكوى إلى العلن ما يتعلق بالتضييق على الفضاء المدني بما فيه منظمات المجتمع المدني وقدرتها على حرية العمل لإتمام دورها في المساءلة المجتمعية الذي تقوم به في ظل غياب برلمان دولة فلسطين وامتناع السلطة السياسية بل رفضها إجراء الانتخابات العامة، خاصة أنّ منظمات المجتمع المدني هي المعبرة عن مصالح المواطنين أو هي الجهة "الشرعية" الوحيدة المتوفرة اليوم للدفاع عن مصالح المواطنين في مواجهة أيّة تغول من قبل السلطة السياسية في الضفة الغربية وقطاع غزة.
أشارت هذه الشكوى إلى غياب الذاكرة لدى ديوان الرئاسة بتكرار التجارب الفاشلة للسلطة السياسية، وخاصة مكتب الرئيس، بملاحقة الناشطين الفلسطينيين من خلال استخدام النيابة العامة والجهاز القضائي، والتي دائما ما ينتصر الناشطون في معارك الدفاع عن الفضاء المدني وحرية التعبير وحقهم بالمساءلة المجتمعية.
وهي كذلك أظهرت ضعف القدرة على إدارة العلاقات العامة في ديوان الرئاسة، وهي سمة غالبة لدى مؤسسات السلطة السياسية الفلسطينية التي تعتقد أنّ لديها القدرة على استخدام أدوات القوة القهرية العنيفة والناعمة منها لمعاقبة الناشطين أو المدافعين عن حقوق الإنسان المختلفة والمتعددة؛ وبهذه المناسبة يعتقد هؤلاء المسؤولون أنّ استخدام الشكوى عبر النيابة أو التقاضي أنّه أسلوب يمكن الدفاع عنه أمام الممولين، إلا أن هذا الأسلوب بات وسيلة قمع قهرية طويلة الأمد لمعاقبة المخالفين مع السلطة السياسية أو المدافعين والنشطاء في الفضاء المدني يَعْلَمَها المواطنون والممولون. وفي ظني أنه يحمل في طياته إهدار لقدرات أعضاء النيابة كذلك للمال العام، ويسيء لسمعتهم وللجهاز القضائي، ويضعف ثقة المواطنين بنظام العدالة الفلسطيني.
أحسنت السيدة انتصار أبو عمارة رئيس ديوان الرئاسة بتقديمها شكوى على "مركز ائتلاف أمان" عبر النيابة العامة لأنّها أكدت على ما جاء في تقرير أمان السنوي للعام 2022 من خلال الإقرار بوجود اتصالات لشراء إحدى الشركات التي تمت الإشارة إليها، وهو أمرٌ محظور قانوناً؛ حيث ينبغي أنْ لا يقوم الموظفين العامين بنشاطات تجارية بحكم موقعهم الوظيفي أو التدخل أو التفاوض في المجال التجاري أو لصالح جهة مقابل جهة أخرى.
الحُسنُ هنا أنّ فعل رئيس ديوان الرئاسة بملاحقة المناضلين في سبيل نزاهة الحكم ومنع الفساد وكشفه ساعدهم على خلق رأي عام ضاغط للاستمرار بكشف قضايا الفساد، وساعدهم على تبني مؤسسات المجتمع المدني الاستمرار في مواجهة الإجراءات التعسفية والقمعية التي تنال من الفضاء المدني والحريات العامة أو تحاول أنْ تمنح فرصاً لإفلات الفاسدين من العقاب.
في ظني، أنّ المعركة اليوم مفتوحة مِنْ أجل الذود عن حقوق المواطنين وصون الحريات العامة المجسمة في نصوص وثيقة إعلان الاستقلال، وفي أحكام القانون الأساسي، وفي الأمانة التي تحملها منظمات المجتمع المدني، مهما طال أمد المعركة أو قصر.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت