انعكاسات عازف الغيتار وآلة الساز إبراهيم قالن:

بقلم: محمد احمد الروسان

محمد احمد الروسان
  • *كتب: المحامي محمد احمد الروسان*
  • *عضو المكتب السياسي للحركة الشعبية الأردنية*

انعكاسات عازف الغيتار وآلة الساز إبراهيم قالن:

- على المجال الجيوبوليتيكي لجهاز المخابرات.

- وعلى المذهبية والعقيدة الاستخبارية الأمنية.

- وعلى الامتداد التاريخي للعلاقات التركية العربية.

 

تحرير العقل من النقل، عبر السؤال وعديد التساؤلات، وتحفيزه على التفكير، يوجب علينا: أن نتدفق مع الزمن السائل، كما تتدفق دماؤنا في شراييننا، حيث كل جمود: هو بمنزلة، خثرة وريدية، تشكل خطراً على نبض العقل وألق التفكير، وفي القلب الذي يعقل كما العقل.

 

المخابرات: أحد فنون الحكم القائمة، على معرفة الصديق والعدو، ولها مبادئ وطبيعة عمل خاصة، وهناك معايير ثابتة لهذا الفن، وبالظروف المتعلقة بالزمان والمكان، وهو فن يعمل في السلم والحرب، وفي حالة المعلّقة: لا سلم ولا حرب، كما يعرض تصوراً وتقديراً، لعمل المخابرات في الأنظمة الديمقراطية، ويقدّم هذا الفن بحد ذاته، أسساً جديدة ومحدّثة، لإعادة بناء المخابرات نفسها بنفسها، وفق التحولات الكبرى الجارية في العالم، ومنها بطبيعة الحال: الحكم والإدارة.

 

والاستخبار أداة، تجمع عدة متناقضات، ففيه الألفاظ والأرقام والصور، والتقديرات والإيماءات والتحريض، وفيه الحقائق التي قد تهدي وقد تضل، وفيه أيضاً الأكاذيب الصريحة، ولأنّه أداة غير مادية، فهو لا يجرح، ولكنه يتسبب في إهلاك الملايين أو إنقاذ حياتهم، كما الاستخبار، فن مارسه الأخيار والأشرار، والطغاة والديمقراطيون، والبدائيون والمتقدمون، ولكنه في جميع الأحوال فن واحد.

 

وتتكون العمليات الاستخبارية، من أربعة مكونات أساسية: جمع المعلومات، والاستخبار المضاد، والتحليل، والتحرك المستتر، والمعلومة الجيدة والضرورية، قد تكون من مصدر متاح أو تجسسي خاص، وقد تسفر الدراسات والمعلومات الدقيقة، حول الاقتصاد والمؤسسات العامة، عن كنز ثمين لأهل البصيرة والقدرة على التحليل، وربما لو أخذ نابليون وهتلر بالاعتبار، معلومات الطقس والمناخ، لأمكنهما تجنب هزيمة قاسية في روسيّا.

 

بالمقابل: وقد تكون كثرة المعلومات، سبباً في التشويش والتضليل، فوكالة الأمن الوطني بالولايات المتحدة الأميركية، تلتقط كل يوم آلافاً، لا تعد ولا تحصى، من المحادثات في أغلب بقاع العالم، وبخاصة في أوقات الأزمات، فيجد صنّاع القرار أنفسهم، أمام حشد من المعلومات، لا يقدّم نتائج أو تحليلات، يمكن الاعتماد عليها، ويصبح الهدف الاستخباري المرجو: مثل إبرة في كومة من القش.

 

أساس نظرية المعرفة في الفلسفة(الفلسفة هي أم العلوم)هو: التساؤل البديهي التالي: كيف تأتت لي هذه المعرفة؟ وكيف أثّر أسلوب معرفتي على رأيي فيها؟: وهذا ما يسمى في عمل وعلم المخابرات: أمن العمليات، وهي مبادئ قديمة وشائعة.

 

إنّ فن جمع المعلومات، هو فن الممكن، شأنه في ذلك شأن السياسة، ويقتضي ذلك الفن، رفض الأفكار المسبقة، واستخدام السبل المتيسرة، لا بل فن جمع المعلومات والسياسة، هما فن انتاج الضرورة بمطلقها: الأمنية، والسياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والصحيّة، في الألفية الثالثة للميلاد، وفي عصر الذكاء الاصطناعي القاتل.

 

فلا يقيد فرص بلوغ الهدف، في مجال المخابرات سوى الخيال، فأية عقلية تلك التي من شأنها أن تختار محل ميكانيكي سيارات ألماني في كولومبيا، كواجهة لجمع المعلومات عن تجّار المخدرات، أو لوضع أجهزة تنصت داخل ماكينات البيع في نوادي كليات الجامعة، أو استخدام شركة إصلاح للمصاعد، كواجهة طويلة الأجل للتجسس في فيينا؟.

 

يعتبر جهاز المخابرات التركية، من الأجهزة الناشطة في منطقة الشرق الأوسط والأدنى، وذلك بسبب ارتباط الدولة التركية، جيوبوليتيكياً بهاتين المنطقتين، ويرجع جهاز المخابرات التركية الحديث، إلى جهاز خدمة الأمن الوطني (MAH)مييلي إمنييت حيزميتي، الذي تم إنشاؤه في عام 1927م، عندما قام الرئيس التركي كمال أتاتورك، بتطهير العناصر السابقة، وتكوين جهاز خدمة الأمن الوطني، تحت قيادة شوكرو عالي أوغيل.

 

خلال فترة الحرب العالمية الثانية، شهدت تركيا نشاطاً استخبارياً متزايداً بواسطة البريطانيين، السوفييت، والألمان، وكان من أبرز اتجاهات جهاز خدمة الأمن الوطني، تقارير تقدير المواقف، التي تنبأت بنجاح، بأنّ ألمانيا لن تقوم بغزو تركيا، وقد عزز تقدير الموقف الاستخباري، حكومة الرئيس التركي إينعونو، في تمسكها المتزايد بعدم الانخراط في الحرب العالمية الثانية، إلى جانب الحلفاء، وعدم الاستجابة للضغوط الكبيرة، التي كانت تواجهها الحكومة التركية آنذاك، بواسطة الاتحاد السوفييتي، والولايات المتحدة، من أجل دعم المواجهة العسكرية الحربية، ضد ألمانيا النازية آنذاك.

 

وفي عام 1965م، تم تكوين جهاز المخابرات الوطني(MIT) ميللي استخبارات تشكيلاتي، ليحل محل جهاز خدمة الأمن الوطني، ويشرف على جهاز المخابرات الوطني التركي، مدير بدرجة وزير، ويتبع مباشرة لرئيس الوزراء التركي(الان يتبع لرئيس الجمهورية التركية، بعد الانتقال في تركيا الى النظام الرئاسي لا البرلماني)ومن الناحية التنظيمية يتكون هذا الجهاز من 7 مديريات، هي: المستشارية القانونية، العلاقات العامة والإعلام، التفتيش والرقابة، شعبة التنسيق العام، شعبة الاستخبارات، وتضم: المخابرات، المخابرات النفسية، المخابرات الالكترونية والفنية، ونظم الكمبيوتر، شعبة العمليات، وتضم: العمليات، المجال الإقليمي، البعثات والتمثيل الخارجي، شعبة الإدارة، وتضم: شؤون الأفراد، الشؤون الإدارية، التدريب، السكرتاريا.

 

وتتموقع المذهبية الأمنية والاستخبارية التركية عبر المفهوم التالي: من المعروف في كل دولة، أن الأمن الخارجي يرتبط بالسياسة الخارجية، والأمن الداخلي يرتبط بالسياسة الداخلية، ولما كانت السياسة الخارجية شديدة الارتباط بالسياسة الداخلية، فإن الأمن الخارجي التركي، يتوجب تبعاً لذلك: أن يكون شديد الارتباط بالسياسة التركية الداخلية: إنّ هذه القاعدة المتعلقة بارتباط الأمن الخارجي بالأمن الداخلي، تسري على معظم دول العالم، ولكن الأمر في الدولة التركية، يبدو أكثر اختلافاً ومفارقة لهذه القاعدة.

 

فالمذهبية والعقيدة الاستخبارية الأمنية التركية، لم تعد شديدة الارتباط بالسياسة الداخلية التركية، إلا في بعض الحالات، وذلك بسبب انخراط الدولة التركية في العديد من التحالفات الإقليمية والدولية، والتي تركز بقدر يسير، على التعاون الاقتصادي، أما في جزئها الغالب،  فإنّ هذه الاتفاقيات تركز على الاعتبارات العسكرية الأمنية العابرة للحدود، وقد بدأت السياسة الخارجية التركية، تنخرط في عملية التخلي عن التعاون الإقليمي، والانخراط في التحالفات العسكرية والأمنية منذ بدايات مرحلة الحرب الباردة وحتّى الان(هل يعيد هيكلتها وزير الخارجية التركي الجديد رئيس الاستخبارات السابق حقان فيدان).

 

وكان للعازف الكلاسيكي، على أوتار السياسة إبراهيم قالن، والذي يتقن لغة الموسيقى، وهي لغة الشعوب في العالم، حيث انتقل الى الاستخبارات، ليضبط ايقاعها وفعلها وتفاعلاتها ومفاعيلها، مع المخابرات الروسية، والأمريكية، والأوروبية،  وباقي الأجهزة الإقليمية والدولية، وهو المسؤول  عن الاتصال مع الأوروبي والامريكي، وكان يراسل موقع ستارفورد الاستخباري، من باب كتابة التحليل الاستخباري، كما قالت وثائق ويكيليكس.

 

وأيضاً كان للعازف الاستخباراتي، منذ عام 2010 م الذي انتقل الى الدبلوماسية – حقان فيدان، كلاهما كان له أثر واضح، في قرار الرئيس أردوغان، باختيار الكردي جودت يلماز نائباً لرئيس الجمهورية في هذا الإطار، ليقول للكرد: أنتم شريك لنا في هذا الوطن، ولم يكتفِ وقام بتعيين الكردي(بجنسيته البريطانية والأميركية)محمد شيمشاك وزيراً للمالية، كي ينقذ البلاد من أزمتها المالية الخطرة، من خلال علاقاته مع الأوساط المالية الغربية، واحتفظ الكردي فخر الدين كوجا بحقيبة وزير الصحة، مع المعلومات، التي تتحدث عن الأصل الكردي لوزير الخارجية الجديد: هاكان فيدان مدير الاستخبارات السابق – بالرغم من أنّه، وكما أعلن مقربين منه: أنّه تركي تركماني.

ويرتبط المجال الجيو- سياسي لنشاط جهاز المخابرات الوطني التركي(MIT)، بالمجالات الآتية: المجال الجيوبوليتيكي الجغرافي الإقليمي للدولة التركية، الخاص بثلاثة دوائر إقليمية هي: دائرة الشرق الأوسط،(العراق، سوريا، لبنان، الأردن، السعودية، والخليج، والكيان الصهيوني)، دائرة الشرق الأدنى (إيران، أذربيجان، أرمينيا، آسيا الوسطى)، دائرة جنوب أوروبا(جورجيا، بلغاريا، اليونان، وقبرص)، المجال الجيوبوليتيكي الدولي: ويضم العديد من الدوائر، وذلك بسبب ارتباط السياسة الخارجية التركية بالأحلاف الدولية والإقليمية، ومن أبرز الدوائر: الولايات المتحدة، دول الاتحاد الأوروبي، روسيا، الصين، الهند، والمنظمات الدولية العالمية الطابع مثل الأمم المتحدة، والمؤسسات الاقتصادية الدولية مثل: البنك الدولي، صندوق النقد الدولي، ومنظمة التجارة العالمية.

 

لقد قاد ارتباط المجالين الإقليمي والدولي، على خلفية انخراط السياسية الخارجية التركية، في التحالفات الإقليمية والدولية مع أمريكا وإسرائيل وحلفاؤهما، إلى تحول نوعي وظيفي في عمل جهاز المخابرات الوطني التركي، على النحو الذي أصبح فيه هذا الجهاز، يعمل كفرع للعديد من أجهزة الأمن والمخابرات الإقليمية والدولية، وعلى سبيل المثال: تركيا عضو في حلف الناتو، وعضو في تحالف استراتيجي أمني عسكري ثلاثي يضم: الأردن وإسرائيل وتركيا، وترتبط باتفاقيات عسكرية أمنية مع الولايات المتحدة، إضافة إلى أنها عضو في بعض الأحلاف التي تضم دول منطقة البحر المتوسط، ودول منطقة البحر الأسود، ودول غرب آسيا.

 

وعلى المستوى الإقليمي، تتوزع أنشطة جهاز المخابرات الوطني التركي في المجالات الآتية: دائرة جنوب أوروبا: بسبب وجود الأقليات التركية، واضطراب منطقة البلقان، والصراع التركي اليوناني حول بعض الجزر الموجودة في المياه الإقليمية الواقعة بين اليونان وتركيا، أصبحت هذه المنطقة مثار اهتمام جهاز المخابرات التركي، والذي استطاع أن يتغلغل في هذه المنطقة بسبب دعم السكان المحليين المنتمين للأقليات التركية الهوية، دائرة الشرق الأدنى: وهي منطقة ينظر إليها الأتراك باعتبارها تمثل العمق الاستراتيجي للمجال الحيوي التركي، خاصة وأن شعوب هذه المنقطة يرتبطون بعلاقات ثقافية تاريخية مع الدولة التركية منذ أيام الامبراطورية العثمانية، وقد اكتسبت تركيا أهمية خاصة خلال فترة الحرب الباردة بسبب هذه العلاقة، وكان جهاز المخابرات الوطني التركي(MIT)، يتمتع بقدرة فائقة في التغلغل إلى داخل الاتحاد السوفييتي السابق، عن طريق تجنيد الآلاف من أبناء دول آسيا الوسطى، وقد استطاعت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية استغلال وتوظيف هذه الميزة، بما أتاح لها دعم وتمويل الحركات السياسية السرية التي كانت ناشطة في مناطق آسيا الوسطى ضد الحكم السوفييتي، وقد برز هذا الأمر بشكل واضح بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، فقد كانت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، الأكثر نشاطاً في هذه المنطقة عن سائر دول العالم الأخرى، بحيث استطاعت هذه الوكالة بمساعدة جهاز الاستخبارات الوطني التركي(MIT)تنفيذ واحدة من أكبر وأخطر العمليات الاستخبارية السرية في العالم، والتي تمخضت عن نقل وترحيل كميات كبيرة من المعدات النووية، وتكنولوجيا الصواريخ والأسلحة التي ظلت موجودة في دول آسيا الوسطى بعد انهيار الاتحاد السوفييتي.

 

تمددت الأنشطة الخفية للمخابرات التركية في هذه الدائرة، لتشمل إضافة إلى الأنشطة العسكرية والاستخبارية، بعداً جديداً تمثل في الأنشطة الاقتصادية، وقد أشرفت المخابرات التركية على التنسيق الاقتصادي بين الشركات الأمريكية، ودول آسيا الوسطى وبالذات أذربيجان، فقد استطاعت جماعة المحافظين الجدد الأمريكية، التغلغل في الغرفة التجارية والصناعية الأذربيجانية، وقد ظل ريتشارد بيرل(اليهودي الأمريكي وزعيم جماعة المحافظين الجدد الملقب بـ(أمير الظلام) يتمتع بعضوية الغرف التجارية والصناعية الأذربيجانية، وقد استطاعت جماعة المحافظين الجدد تأمين الاتفاقيات والعقودات التي سمحت لشركة هلبيرتون النفطية التابعة لنائب الرئيس الأمريكي الأسبق ديك تشيني، من وضع يدها على قطاع كبير من أنشطة إنتاج النفط والغاز في منطقة بحر قزوين انطلاقاً من أذربيجان.

 

كذلك، قامت الشركات النفطية الأمريكية بالتنسيق مع جهاز المخابرات الوطني التركي، وبقية أجهزة الدولة التركية بتمديد خط أنابيب باكو(أذربيجان)، تبليسي(جورجيا)،جيهان (تركيا)، والذي سوف يتم تمديده تحت مياه البحر المتوسط إلى إسرائيل، ويكشف تورط المخابرات التركية في هذا المشروع حقيقة، أن تمديد خط الأنابيب، يمكن أن يتم من شمال تركياً رأساً إلى أوروبا، حيث المسافة إلى إيطاليا أو قبرص أقرب إلى الأسواق الأوروبية من إسرائيل، ولكن تقارير المخابرات التركية، وضغوط جماعة المحافظين الجدد، لعبت دوراً رئيسياً في توجيه خط الأنابيب إلى إسرائيل، لكي تكون ميناء التصدير النهائي.

 

إنّ تغلغل المخابرات التركية الذي دعم وساعد على تغلغل وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، هو تغلغل لا يمكن النظر إليه بمعزل عن تغلغل المخابرات الإسرائيلية (الموساد)، في منطقة آسيا الوسطى، حيث تنشط العناصر التركية -اليهودية الأصل- مستفيدة من غطاء الجنسية التركية في خدمة الموساد والمصالح الإسرائيلية، دائرة الشرق الأوسط: يهتم جهاز الاستخبارات الوطني التركي بهذه الدائرة وفقاً للكثير من الاعتبارات، والتي يتمثل أبرزها في الآتي: المشكلة الكردية، صادرات النفط العراقي، الأسواق الخليجية، الصراع العربي- الإسرائيلي.

 

 تعيين حقان فيدان وزيراً للخارجية، يعني الاستخبارات قبل الدبلوماسية، ويهدف إلى جمع فعاليات وزارات الداخلية والدفاع والخارجية، في إطار السياسة الخارجية الجديدة للرئيس أردوغان، الذي سيسعى خلال الفترة المقبلة لتحقيق التوازن في علاقاته مع كل من موسكو وواشنطن، مع انعكاسات ذلك على سياسات تركيا الإقليمية، وبشكل خاص مع جاراتها سوريا والعراق وإيران.

 

 الرئيس أردوغان دوماً يقول: إنّ للاستخبارات التركية، دوراً أساسياً في مجمل النجاحات الدبلوماسية التي حققتها تركيا على صعيد السياسة الخارجية، ويعرف الجميع أنَّ ما قصده الرئيس أردوغان هو، الانتصارات التي حققتها أنقرة على الصعيدين الإقليمي والدولي، وفي جميع المجالات السياسية والعسكرية والاستخباراتية.

 

وستكون كلّ هذه المعطيات من دون أدنى شك، ضمن اهتمامات إبراهيم كالين، المتحدث باسم الرئيس أردوغان، والذي انتقل الى الاستخبارات، وكان كالين وفيدان معاً الساعدين الأيمن والأيسر لأردوغان، في مجمل تحركاته وقراراته الخارجية، إذ كان كالين، ولو بشكلٍ غير رسمي، بمنزلة: مستشار أردوغان لشؤون الأمن القومي، وقد كلفه بمهام خارجية في هذا الإطار، وكانت زيارته الأخيرة لواشنطن، ولقاؤه المسؤولين في البنتاغون والاستخبارات والأمن القومي والبيت الأبيض، والذي حقق من خلاله الكثير من الأهداف، وأهمها أن تركيا أصبحت صاحبة الدور الرئيسي، ليس في سوريا والعراق وليبيا والصومال والمنطقة العربية فحسب، بل في البلقان: عبر العلاقة مع المجر وصربيا والبوسنة وألبانيا وكوسوفو، والقوقاز وآسيا الوسطى أيضاً، حيث الجمهوريات الإسلامية ذات الأصل التركي، وهي الحديقة الخلفية لروسيا، وبالمطلق: هذه الدول لا تريد أن تخسر أردوغان، مهما كلّفها ذلك، على صعيد العلاقات الثنائية والإقليمية، في سوريا والحرب الأذربيجانية الأرمينية، والدولية الحرب في أوكرانيا – المواجهة الروسية الأطلسية.

 

وأذكر الجميع: أنّ هاكان فيدان، اتهمته تل أبيب فيما مضى، بالعلاقة مع طهران، عندما كان رئيساً للاستخبارات عام 2010، ومعه وزير الداخلية علي يارلي كايا الجديد، الذي كان محافظ مدينة غازي عنتاب، عندما كشف الإعلام عن شاحنات الاستخبارات الوطنية، التي كانت تنقل المعدات العسكرية، إلى المجموعات المسلحة في سوريا.

 

ويهتم جهاز الاستخبارات التركي(MIT) بالمشكلة الكردية، باعتبارها تشكل تهديداً رئيسياً لأمن وحدود وسلامة تركيا، وقد ظل هذا الجهاز يتعقب الحركات الكردية، وبالذات حزب العمال الكردستاني، داخل وخارج تركيا، واستطاعت المخابرات التركية أن تنفذ عملية حرب سرية شاملة ضد الحركات الكردية، مستعينة بدعم ومساندة قدرات أجهزة المخابرات الدولية المتحالفة معها، وكانت عملية اعتقال الزعيم الكردي عبد الله أوجلان في نيروبي بكينيا، ومن داخل مبنى السفارة اليونانية بكينيا، واحدة من أبرز العمليات السرية الناجحة التي نفذها جهاز الاستخبارات الوطني التركي خارج الحدود، بمساعدة الموساد الإسرائيلي، ووكالة المخابرات المركزية الأمريكية، والمخابرات الكينية المتعاونة مع الأمريكيين والإسرائيليين.

 

كانت حرب المخابرات بين جهاز الاستخبارات العراقية والاستخبارات التركية، تجري على أشدها خلال فترة الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، ولكن بعد الغزو والاحتلال الأمريكي للعراق، أصبح شمال العراق يعاني من ظاهرة فراغ القوة والسلطة، الأمر الذي أتاح لجهاز الاستخبارات التركي أن يتمتع بحرية الحركة داخل شمال العراق، وحالياً يرصد هذا الجهاز التحركات الكردية بدقة وعناية فائقة، وبسبب وجود العديد من العملاء الأكراد داخل صفوف هذا الجهاز، فمن الممكن القول: إن المخابرات التركية قد استطاعت تحقيق نجاح كبير في التغلغل داخل الحركات الكردية الموجودة في شمال العراق، وربما داخل أجهزة الحكومة العراقية الحالية التي يسيطر الأكراد على قطاع كبير منها، ويقومون بدور مؤثر في قوات الأمن العراقي وأجهزة الاستخبارية العراقية الحالية.

 

تمثل الأسواق الخليجية مجالاً هاماً لتسويق صادرات السلع والخدمات التركية، وبالتالي فإن اهتمام المخابرات التركية بالخليج، يقوم بشكل أولي على الاعتبارات المتعلقة بالأمن الاقتصادي، وبشكل ثانوي دعم ومساندة الوجود الأمريكي العسكري والاستخباري في منطقة الخليج.

 

ويأتي من بين اهتمامات جهاز المخابرات التركية، صادرات النفط العراقي، وتأمين خط الأنابيب الذي ينقل نفط كركوك والموصل إلى ميناء الصادرات بتركيا، وينظر جهاز المخابرات التركية إلى أي خطر يواجه خط الأنابيب باعتباره خطر يهدد الأمن الحيوي التركي، وحالياً أصبحت هذه الفكرة بمثابة الرادع للحركات الكردية والتي ظلت حتى الآن، برغم هجماتها المسلحة ضد المنشآت التركية الاقتصادية، عاجزة تماماً ولا تجرؤ على القيام بأي عمل عسكري يستهدف خط أنابيب نقل النفط العراقي إلى تركيا.

 

بالنسبة للصراع العربي- الإسرائيلي، يمكن القول: إن جهاز الاستخبارات الوطني التركي، قد استفاد بقدر كبير من مزايا التداخل الاجتماعي، بين سكان جنوب تركيا ومنطقة شرق المتوسط، وحالياً تنتشر في بلدان هذه المنطقة الكثير من الشركات التجارية التركية، التي تعمل بشكل مزدوج، فهي من جهة تقوم بتنفيذ الأنشطة التجارية العادية، و-على الأغلب- من الجهة الأخرى التي تضم مكاتبها وإداراتها العديد من العناصر التركية التي تقوم بجمع المعلومات لمصلحة جهاز الاستخبارات الوطني التركي.

ولا أحد ينكر الامتداد التاريخي للعلاقات التركية العربية، ولا أحد ينكر معرفة العرب لتركيا ومعرفة الأتراك للبلدان العربية، ولو كان الأمر يتعلق بأمن وسلامة تركيا، فإن الدول العربية الشرق أوسطية ظلت ومازالت حريصة على سلامة واستقرار تركيا، ولكن مكمن الخطورة يتمثل في الروابط والتحالفات الأمنية التركية- الإسرائيلية- الأمريكية، وبرغم قيام المخابرات الأمريكية، والمخابرات الإسرائيلية بدور مضاد لتركيا ولجهاز استخباراتها في الأزمة القبرصية، فإن جهاز الاستخبارات التركي، مازال يتعاون بشكل مفتوح لمصلحة المخابرات الأمريكية والإسرائيلية في الصراع العربي- الإسرائيلي.

 

واستناداً إلى الاتفاق العسكري الأمني الاستراتيجي، الذي يضم تركيا وإسرائيل، وأيضاً الاتفاقيات الأمنية الأمريكية- التركية- الإسرائيلي، فإن المعلومات الاستخبارية التي يحصل عليها جهاز المخابرات التركية يتم نقلها بالضرورة إلى الموساد الإسرائيلي عبر مكتب ارتباط الموساد بأنقرا، واسطنبول، وأيضاً إلى وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، كذلك يقوم جهاز الاستخبارات الوطني التركي بدور الوكيل(البروكسي) الذي ينفذ العمليات التي يتم تكليفه القيام بها في منطقة الشرق الأوسط، عبر غرفة العمليات الاستخبارية المشتركة التي تجمع بين المخابرات التركية ووكالة المخابرات المركزية الأمريكية والموساد الإسرائيلي.

 

كذلك تقوم المخابرات التركية بدور هام داخل إيران، وحالياً قد تتدفق الكثير من المعلومات عن إيران عبر المخابرات التركية إلى إسرائيل وأمريكا، وهناك اعتقاد بوجود غرفة مشتركة خاصة للتنسيق في منطقة جنوب تركيا تضم الأتراك والإسرائيليين والأمريكيين، وعناصر المعارضة الإيرانية، تعمل بتوجيه وبإشراف قاعدة انجرليك الأمريكية الموجودة في جنوب تركيا.

 

تلعب مجموعات يهود المزراحي والدونما التي استوطنت في تركيا خلال الامبراطورية العثمانية بعد هجرتها من اسبانيا، دوراً هاماً المؤسسات العسكرية والأمنية والاستخبارية التركية، وقد استطاع اليهود الأتراك التغلغل داخل صفوف هذه الأجهزة، في الجيش التركي وجهاز استخباراته العسكري، كذلك بالنسبة لجهاز الاستخبارات الوطني التركي، فقد استطاع اليهود الأتراك التغلغل في مواقعه الأكثر حساسية وأهمية، مثل شعبة التنسيق العام، وشعبة المخابرات، والعمليات، والإدارة، والأمر الذي جعل من جهاز الاستخبارات الوطني التركي، جهازاً مكشوفاً بالكامل أمام الموساد الإسرائيلي - ربما، وبسبب مشاعر الولاء المزدوج، فالكثير من العناصر اليهودية التي تغلغلت في المخابرات التركية، تتعامل بشكل طوعي مع الموساد الإسرائيلي، وحالياً باستطاعة إسرائيل أن تستخدم الباب والشباك للحصول على ما تريد من أجهزة الأمن التركية، فعن طريق الباب: تحصل إسرائيل على المعلومات وفقاً للاتفاقيات الأمنية بينها وبين تركيا، وعن طريق الشباك يأخذ الموساد الإسرائيلي ما يريده بوساطة عناصر المخابرات التركية المتعاونة معه.

مدير الاستخبارات التركي الدكتور إبراهيم قالن: تفضلوا:

 

 

 

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت