- المحامي علي ابو حبلة
بعد 30 عاما على توقيع "أوسلو" تعتقد الغالبية العظمى من الفلسطينيين أن فرص قيام دولة مستقلة خلال السنوات الخمس القادمة ضئيلة أو ضئيلة جداً وتكاد تكون معدومة ، ويرى 44% منهم أن الطريقة الأمثل لإنهاء الاحتلال وقيام دولة مستقلة تكون بالعمل المسلح، مقابل 25% بالمفاوضات، و24% بالمقاومة السلمية.
تنص الاتفاقية على "إنهاء عقود من المواجهة والنزاع، والاعتراف بحقوقهما المشروعة والسياسية المتبادلة". وتناولت هيكلية وتكوين السلطة الفلسطينية، ونصت على أن هدف المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية، من بين أمور أخرى، إقامة سلطة حكم ذاتي انتقالية فلسطينية ، ووفق الاتفاقية فإن الفترة الانتقالية لا تتجاوز 5 سنوات، وتؤدي إلى تسوية دائمة تقوم على أساس قراري مجلس الأمن رقم 242 ) نص على انسحاب" إسرائيل " من الأراضي المحتلة عام( 67) ورقم 338 (وقف إطلاق النار بين العرب وإسرائيل )).
وفي 28 سبتمبر/أيلول 1995 وقّع في العاصمة واشنطن على المرحلة الثانية للاتفاقية (طابا/أوسلو-2) وتستعيد بموجبها السلطة الفلسطينية 30% من مساحة الضفة الغربية .
قسمت اتفاقية طابا أراضي الضفة الغربية إلى 3 مناطق، مع احتفاظ إسرائيل بسيطرتها على الحدود والأمن الخارجي والقدس والمستوطنات و"مسؤولية الأمن الشامل للإسرائيليين". والمناطق الثلاث هي :-
– منطقة "أ": وتخضع أمنيا وإداريا للسلطة الفلسطينية وهي مراكز المدن، ومساحتها 21% من مساحة الضفة البالغة نحو 5 آلاف و760 كيلومترا، من أصل 27 ألف كيلومتر مربع هي مساحة فلسطين التاريخية.
– منطقة "ب": وتخضع إداريا للسلطة الفلسطينية وأمنيا لإسرائيل، وتُقدر بنحو 18% من الضفة، وهي غالبا مناطق مأهولة في القرى والضواحي.
– منطقة "ج": وتخضع أمنيا وإداريا بالكامل للسيطرة الإسرائيلية، وهي أقل سكانا، وأكبر مساحة وتقدر بنحو 61% من مساحة الضفة.
إثر اقتحام رئيس حزب الليكود المعارض في حينه أرييل شارون المسجد الأقصى المبارك يوم 28 سبتمبر/أيلول 2000، اندلعت انتفاضة الأقصى، وأعادت إسرائيل خلال أقل من عامين احتلال جميع المناطق الخاضعة للسيطرة الفلسطينية في الضفة، وانسحبت عام 2005 بشكل أحادي من مستوطناتها في قطاع غزة
جاء اندلاع انتفاضة الأقصى بعد أكثر من عام على انتهاء الفترة الانتقالية دون قيام الدولة الفلسطينية، وبعد شهور من فشل قمة "كامب ديفيد" بولاية ميريلاند الأميركية (11 يوليو/تموز 2000) نتيجة خلافات حول قضية القدس ورفض اعتبارها عاصمة للفلسطينيين ، وقد جاء اندلاع انتفاضة الأقصى بعد أكثر من عام على انتهاء الفترة الانتقالية دون قيام الدولة الفلسطينية، وبعد شهور من فشل قمة "كامب ديفيد" بولاية ميريلاند الأميركية (11 يوليو/تموز 2000) نتيجة خلافات حول قضية القدس ورفض اعتبارها عاصمة للفلسطينيين.
جمعت القمة الرئيس الأميركي حينها بيل كلينتون ورئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك إيهود باراك، ورئيس السلطة الوطنية الفلسطينية ياسر عرفات.
ووفق معطيات مركز الأبحاث التابع لمنظمة التحرير الفلسطينية، أقامت إسرائيل 38 مستوطنة بالأراضي المحتلة عام 1967 حتى 1977، و78 مستوطنة إضافية حتى عام 1990، و12 مستوطنة جديدة بين 1990 و2000، و99 بؤرة استيطانية بين عامي 2000 و ، 2012
أما اليوم فتقول حركة "السلام الآن" اليسارية الإسرائيلية إن 132 مستوطنة و147 بؤرة استيطانية تنتشر في الضفة. وهو الواقع الذي جعل إمكانية إقامة دولة فلسطينية متصلة مستحيلة ، أما عدد المستوطنين فتضاعف عدة مرات خلال العقود الثلاثة الماضية، حيث قُدر بنحو 105 آلاف عام 1991، ونحو 210 آلاف عام 2000، و340 ألفا عام 2012، ونحو 451 ألفا بالضفة، وقرابة 230 ألفا شرقي القدس.
لم تؤمن الأطراف التي وقعت على اتفاقية أوسلو أنها ستؤدي في نهاية المطاف لإقامة دوله فلسطينيه ، وكان لكل طرف فلسفته التي دفعته لهذا الاتفاق ، فقادة الكيان الصهيوني وهم الآباء الأوائل المؤسسين لهذا الكيان الصهيوني من قادة حزب العمل الثنائي رابين وبيرس رأوا فيها فرصة ومساحة واسعة للاستمرار في الاستيطان والتهويد مع تخفيض أشكال النضال الفلسطيني، وتحييد حركة كبيرة مثل "فتح" التي كانت فاعلة من خارج وداخل فلسطين ووفق هذا المضمون والتوجه أن المفاوضات بالنسبة لإسرائيل كانت "غاية وليست بالضرورة وسيلة قد تؤدي لتحقيق نتائج على الأرض، وأعفت نفسها من أعباء الاحتلال".
قيادة منظمة التحرير لم تكن على قلب رجل واحد "جزء آمن بأن الاتفاقية قد تؤدي لدولة فلسطينيه مستقلة ، وآخر كان يرى فيها شكلا من إدارة الصراع، والذهاب إليها ذهاب المضطر لا المختار .
التغيرات الدولية وسقوط وتفكك دول الاتحاد الروسي في تلك ألحقبه وتحول العالم للحكم الأحادي القطبية دفع الفلسطينيين إلى أوسلو، فمن جهة منظمة التحرير فقدت الجغرافيا التي تجعلها في احتكاك مباشر مع الأراضي الفلسطينية، وبالتالي فقدان القدرة على ممارسة أعمال نضالية، ومن جهة ثانية فقدت الدعم المادي والسياسي العربي بعد وقوفها إلى جانب العراق في احتلاله للكويت
ووفق كل ذلك هناك انقسامات في الرؤيا الفلسطينية في ظل تلك المغيرات، رأى فريق فلسطيني وعلى رأسهم الرئيس الراحل عرفات أن أوسلو قد يكون الجسر الذي يعيد منظمة التحرير إلى الداخل، وممارسة عملها من هناك وهي مرحله من مراحل النضال لكن إلى ما انتهت إليه أوسلو وفق رأي المحللين والقانونيين لم تعد قائمة قانونيا ولا سياسيا "فالمرحلة الانتقالية انتهت، وهناك شرط زماني ومكاني تم الإخلال به من الطرف الإسرائيلي " "
لكن هناك من النخب السياسية والاقتصادية تتباهى في استعراض امتيازاتها وثرائها تحت سماء احتلال استيطاني قاهر ومتوغل ما زالت تتعلق باتفاقيات لم يبقى منها سوى اسمها ، ولا بد من الإشارة إلى أن الطبقة الوسطى، في الضفة الغربية وقطاع غزة، تعي تمامًا أن استقرار وضعها المعيشي وأسلوب حياتها يرتبط على نحو مباشر وغير مباشر بوجود مؤسسات السلطتين (في الضفة والقطاع)، رغم أن غالبية السكان لا تزال عرضة للقمع والإرهاب والإذلال الذي تمارسه قوات الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنون المسلحون، ويعانون بسبب افتقارهم إلى العيش الكريم والمستقبل المهني بالإضافة إلى غياب الحل الوطني عن الأفق المرئي.
ولا يزال التطهير الإثني بحق الفلسطينيين في الضفة الغربية وبحق المقدسيين ، سواء بالطرد أو سحب الرخص أو غيرها من الأساليب، مستمرًا بلا هوادة. ومخطط الضم وفرض السيادة الاسرائيليه على أجزاء من الضفة الغربية سيحول الضفة إلى نظام عنصري ابرتهايد جديد يستنسخ فصول الفصل العنصري من جنوب إفريقيا
لقد هيأت هذه الظروف الوضعَ في المناطق الفلسطينية المحتلة لحالة تفجر قابلة للاشتعال في أية لحظة. ولكن بما أن منظمة التحرير الفلسطينية والتنظيمات السياسية والقطاع الخاص ومعظم تشكيلات المجتمع المدني لم تحشد أو لم تستطع أن تحشد الجماهير لمواجهة الاحتلال، وهذا ما سبق وأن لمسناه في قرار ترمب الاعتراف في القدس عاصمة لإسرائيل، ونقل السفارة الأمريكية لإسرائيل وفرض السيادة على الجولان كسياسة فرض أمر واقع .
سياسة نتنياهو من خلال ائتلافه اليميني الفاشي يسعى لفرض ضم أجزاء من الضفة الغربية وتندرج ضمن مفهوم سياسة فرض أمر واقع ويسعى لتحويل الضفة الغربية إلى كنتونات من خلال فصل شمال الضفة الغربية عن وسطها ووسطها عن جنوبها بموجب خطة استيطان متكاملة الأهداف والغايات وهدفها تغيير الطبوغرافيا الفلسطينية والديموغرافيا الفلسطينية
ان محاولات فرض التهدئة مع غزه هدفه الاستفراد في الضفة الغربية حيث باتت الهبات الشعبية ا تكتسب السمةُ المحلية والفردية رغم افتقارها إلى قيادة ورؤية وطنية موحدة ، هذه الهبات الشعبية تكتسب زخم وحاضنه شعبيه وأعادت القضية الفلسطينية لتتصدر أولى أولويات الاهتمام بعد أن شهدت السنوات السابقة تراجع مكانة القضية الفلسطينية عربيًا ودوليًا،
الثقافة الفلسطينية عادت تزدهر وتحتضن الهوية الوطنية وأضحى الشعب الفلسطيني اليوم بحاجه لرؤية وطنيه وإستراتيجية تعيد للفلسطيني ثقته بنفسه، أوسلو أفرغ القضية الفلسطينية من مفهومها السياسي وحول السلطة لمشروع توظيف ورواتب ومكاسب وتصريحات ووعود ليس إلا بتنا بلا دولة ذات سيادة وبلا وبلا. ومع ذلك، تملك الوطنية الفلسطينية حيوية متميزة، ويعود الفضل في ذلك إلى الدور الثقافي في الحفاظ على الرواية الفلسطينية وإثرائها وتكتسبها الأجيال جيلا بعد جيل
إن دور الحركة الثقافية في الحفاظ على الرواية الفلسطينية والانتماء الوطني القومي، دورٌ قديم ومتواصل ، ففي أعقاب إعلان " دولة إسرائيل " في 1948 وهزيمة النخب السياسية والحركة الوطنية آنذاك، حافظت الأقلية الفلسطينية في " إسرائيل " على هويتها الوطنية والقومية من خلال النشاط الثقافي ولا سيما في مجالات الشعر والقصة والرواية والمسرح ولاحقًا الغناء والسينما. لقد سجل الكاتب والصحفي الفلسطيني غسان كنفاني هذا الدور المتميز مبكراً في كتابه «أدب المقاومة في فلسطين المحتلة 1948-1966» المنشور في بيروت عام 1968. ومن الشخصيات الأدبية الرئيسية التي ساهمت في الحفاظ على الهوية الوطنية وإثرائها الشاعر محمود درويش، والشاعر سميح القاسم، ورئيس بلدية الناصرة والشاعر توفيق زيَّاد، والكاتب إميل حبيبي، كما يتجلى في أعماله كرواية المتشائل، وحين أبقت إسرائيل الفلسطينيين تحت الحكم العسكري في عقدي الخمسينات والستينات، ساهمت الأعمال الأدبية والثقافية والفنية في تعزيز وحماية الهوية والرواية الوطنية الفلسطينية (والعربية)، حيث وصلت هذه الأعمال إلى جميع أنحاء العالم العربي وما وراءه، وساهمت، وما زالت، في إرساء صلات ثقافية جامعة بين مكونات الكل الفلسطيني وفضائه العربي.
على ضوء تلك التطورات القضية الفلسطينية باتت بحاجه لفهم جديد للعمل السياسي مغاير لما هو سائد، ويمكن لمح مؤشرات أولية عن الفهم الجديد المطلوب في ثنايا اللغة الآخذة في التبلور بين القوى الشبابية وفي العلاقة بين القوى السياسية الفلسطينية داخل الخط الأخضر وهي لغة تشير إلى تعمق الوعي باستحالة التعايش مع الصهيونية كأيديولوجية عنصرية وكنظام استيطاني عنصري ينكر ويجرّم الرواية التاريخية الفلسطينية ، ولأن بناء حركة سياسية جديدة لن يكون أمرا سهلا نتيجة نمو مصالح فئوية، وبسبب الخشية من ممارسة الديمقراطية (كإجراءات وقيم)، فلا بد من إعادة تقييم مرحلة أوسلو والخروج من الفئوية وأصحاب المصالح والإمبراطوريات ألاقتصادية بمشاركة أوسع لكل القوى وأفراد المجتمع ومؤسساته ضمن رؤيا وطنيه تحتكم لإستراتيجية وطنية جامعة ببرنامج سياسي يقودنا جميعا للتحرر من الاحتلال وتحرير الأرض الفلسطينية من الاحتلال والتحلل من عقد العداء والفئوية الحزبية والفصائلية الضيقة
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت