- جهاد حرب
عَقِبَ هيمنة اليمين واليمين الفاشي على مقاليد الحكم في إسرائيل بات إعادة التفكير في العلاقة الفلسطينية الإسرائيلية أكثر جدية من ذي قبل؛ فلم يعد هناك أيّ بَصيص أمل لعملية سياسية محتملة، وهي المتوقفة فعلياً منذ العام 2014، أو الاستمرار بنهج المفاوضات والأدوات السياسية المتبعة منذ ثلاثين عاماً أو الاستمرار في منهج اتفاق أوسلو الذي عزز تبعية الشعب الفلسطيني للاحتلال على عكس أهداف السياسية الفلسطينية، وعزز أدوات الهيمنة العسكرية على الشعب الفلسطيني، وأتاح لسلطات الاحتلال السيطرة على الأرض الفلسطينية عبر التفريق بين مناطق الضفة الغربية والتحكم بمناطق "جيم" للاستمرار في المشروع اليهودي الاستعماري.
وفي ظني، أن الفلسطينيين اليوم باتوا أكثر إدراكاً بأنّ هذا المنهج القائم على اتفاق أوسلو لم يعد قادراً على تحقيق الأهداف الوطنية، وأنّ الانعتاق من الاحتلال يحتاج إلى انخراط الجميع في مواجهة الاحتلال بذات القوة الموازنة لممارسات الاحتلال العسكري اليهودي للأراضي الفلسطينية، وإلى إنهاك قوة العسكرية للاستعمار بعودة سيطرته على جميع المناطق الفلسطينية وبخاصة ذات الكثافة السكانية التي شكلت له الأرق الأكبر ما قبل إنشاء السلطة الفلسطينية باتفاق رضائي بين منظمة التحرير الفلسطينية وحكومة الاحتلال اليهودي.
وذلك لمنعه من الاستفراد بالمناطق الجغرافية ضعيفة الكثافة السكانية، فالمدن والمخيمات وهي المناطق ذات الكثافة السكانية كانت السبب الأول لقرار حكومة اسحق رابين بالذهاب إلى عملية سياسية نتج عنها تفويض "السلطة الفلسطينية" بحكم هذه المناطق مع اضافات لحكم السكان في المناطق الأخرى "أي تحمل عبء تقديم الخدمات دون سيطرة على الأرض".
إن القيادة السياسية مطالبة بشكل جدي بعد حوالي ثلاثين عاماً على إقامة سلطة مؤقتة -باتت مؤبدة وضعيفة وغير قادرة على تلبية الخدمات الأساسية، ولم تعد السلطة الفلسطينية تحظى بقبول المواطنين حيث يقول 63% من الشعب الفلسطيني أن بقاء السلطة لمصلحة إسرائيل، ويرى نصف المواطنين أن مصلحة الشعب الفلسطيني تكمن في انهيار أو حل السلطة الفلسطينية وفقا لنتائج استطلاع رأي أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية في منتصف شهر حزيران الحالي، وعدم رضا المواطنين عن أداء السلطة الفلسطينية وانهيار الثقة بالسلطة السياسية وأركانها التي أشارت إليه استطلاع الرأي العام على مدار السنوات الفارطة- مطالبة بإعادة النظر بالحالة لمثل هكذا سلطة لا تحقق طموحات الشعب الفلسطيني.
إن استمرار اضعاف الحكومات الإسرائيلية للسلطة الفلسطينية عبر الضغط المالي والاقتطاعات المستمرة من أموال الخزينة العامة الذي يؤدي إلى تآكل القدرة على تقديم الخدمات للشعب الفلسطيني، والاقتحامات لمناطق حكم السلطة "مناطق ألف" تضعف مكانتها أمام المواطنين لعدم قدرتها على الرد على انتهاكات سلطات الاستعمار، والاستمرار بتعزيز الاستيطان وسياسة التطهير العرقي للفلسطينيين من مدينة القدس ومناطق "جيم" والممارسات التعسفية بحق الفلسطينيين في المناطق المختلفة تضعف أيّة آمال بانتهاء الصراع، وغياب الأفق بعملية سياسية تنهي الاستعمار العسكري وتقيم الدولة الفلسطينية على حدود الأراضي المحتلة عام 1967، يفقد الحاجة لوجود السلطة الفلسطينية وسيطاً بين الشعب الفلسطيني والاستعمار العسكري اليهودي، ويعيد الصراع إلى طبيعته بين الشعب الفلسطيني والاستعمار اليهودي.
إنّ خيار حل السلطة الفلسطينية بات ليس عبثاً، وأضحى الرد المنطقي الوحيد لجنون الإسرائيليين اليهود وحكومتهم الفاشية وسياساتها، وأصبح رغبةً شعبيةً فلسطينيةً بعد أنْ استهلكت خدماتياً وسياسياً. إنّ خيار حل السلطة هذا لا يعني الفوضى بقدر ما يعني تحديد آليات العلاقة الفلسطينية الداخلية، والتدبير في السياسة، والنظر خيارات التمثيل السياسي وعلاقة الفلسطينيين مع العالم، والعودة لنقاش انشاء حكومة المنفى أو الحكومة في المنفى لاستعادة طبيعة الصراع من طرف الفلسطينيين كفعل وعدم الانتظار لنبقى كرد فعل ليس أكثر على الفعل الإسرائيلي.
--
Jehad Harb
Researcher in governance & policy issues
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت