- د. طلال الشريف
يا أهل هذا العصر
دوام الحال من المحال لكل زمان دولة ورجال وفي رواية أخرى دولة ودجال.
نحن في نهايات زمن الببع، بيعوا كما يحلو لكم فزمانكم مازال زمن السوق، والسوق حرة حسب العولمة، وثلاثة عقود باع الناس فيها كل ما لديهم، فالسوق الحرة عنوانها الجشع، الناس باعت صديقها، الناس باعت حبيبها، الناس باعت أخيها، الناس باعت ضميرها، الناس باعت بيوتها، الناس باعت اخلاقها، الناس باعت عروبتها باعت دينها باعت كرامتها من اجل المال ومن أجل الموقع بسبب الكراهية التي وصلوا إليها من حرية السوق ومركزة رأس المال والمال السياسي الذي يتلاعب كالشيطان في أحوال الناس وعلاقاتهم ..
يقول الناس عن الناس لا ثقة بأحد والثقة أصبحت مفقودة، ويقولون لا أمانة ولا أمان لأحد، فالناس تحولوا لشيء آخر غير إنسان القيم والرحمة وأصبحوا وحوشا كاسرة لا تتوقع سلوكهم وتصرفاتهم، لا تربطهم روابط ولا عندهم زمام ..
نعم منذ تغير نظام العالم مع نهاية الحرب الباردة تبلور النظام الجديد في عقدي الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي وتعمقت أو تشرست تجليات العولمة في الثلاثة عقود الأخيرة.
السوق "الحرة" يباع فيها كل شيء، من الاخلاص والوفاء واحترام الذات والآخرين، حتى بيع الكرامة عند اول مصدر مالي متوفر لأي منهم حتى لو كان مال حرام بالمعنى الفقهي او مال سياسي بالمعنى الفهلوي ..
السوق الحرة معروفة بشراستها بعد ان اجتاحت كل النظم السابقة في المجتمعات، ولِمَ لا ، فهذا نظام مركزة رأس المال، ومركزة راس المال تعني صغر عدد الأثرياء وكبر عدد الفقراء والمعوزين، وتمركز المال في أيدي وحسابات أقل مما نسبته 0.1% من البشر.
في الماضي القريب كنا نرفض كما أتذكر إحصائيات قاعدة "باريتو" 80/20 حينما كانت الثروة في أيدي 20% وكان هؤلاء العشرون يستهلكون مقدرات ال80% حين لاحظ عالم الإقتصاد الإيطالي فيلفرويدو باريتو أن 80% من الثروة في إيطاليا، يمتلكها 20% من السكان.
العالم يتغير الآن، ورغم مأساة شعب أوكرانيا فحرب اوكرانيا إن كسرت شوكة العولمة فقد يتوقف زمن البيع، زمن بيع الإنسان لأخيه الإنسان، زمن بيع الكرامة بالمال ..
هل ينتهي زمن البيع ويبدأ زمن الشراء؟ شراء الصديق وشراء الأخ وشراء الكرامة وشراء الضمير والشرف وشراء الشعب وشراء الوطن بدل بيع كل ذلك..
عندما تحول الحاكم والقائد إلى تاجر ولص تحول بعده السياسي والمثقف والاديب والطبيب والمدرس والمهندس والصيدلي والمحامي والموظف والشيخ والمطران والحاخام إلى تجار ولصوص .. على ما يبدو نحن في بقايا زمن البيع !!! هل ننتظر قريبا زمن الشراء لنعود بني آدمين بعد نصف قرن أصبحنا فيها قرودا وأسوأ.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت