- معتصم حمادة
- عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
■ تقول الأنباء الواردة من العاصمة اليونانية، أثينا، أن رئيس حزب اليسار اليوناني، قدم استقالته من رئاسة الحزب، ودعا إلى انتخاب قيادة جديدة، بعد أن فشل حزبه في تحقيق الأغلبية البرلمانية، والوصول إلى الحكم في البلاد.
مثل هذا الحدث اليوناني، شهدناه في أكثر من عاصمة، أوروبية وآسيوية، وكذلك في أميركا اللاتينية، إذ تستقيل قيادة الحزب إذا ما فشل في الفوز في الانتخابات، وتترك لحزبها اختيار قيادة جديدة، تكون معنية بإعادة تنظيم صفوفه، وإخراجه من تداعيات الهزيمة، وتأهيله لخوض معركته في المعارضة، تمهيداً للمعركة الانتخابية القادمة.
هذا سلوك حضاري، ديمقراطي، نشهده في الدول المستقلة ذات السيادة، والتي تقيم وزناً واحتراماً لشعوبها (ولنفسها أيضاً)، تأبى أن تلجأ إلى الدوران وسياسات الالتفاف، وتدوير الزوايا، والبحث عن الادعاءات والتبريرات، للتنصل من المسؤولية، فضلاً عن عدم إلقاء المسؤولية على الآخرين، واتهامهم بالمسؤولية عن الفشل لتبرئة أنفسهم، وهم على رأس قمة القرار.
الحدث اليوناني (وقبله استقالة رئيس الوزراء البريطاني السابق، والرئيس السابق لحكومة المغرب) أعادني بالذاكرة إلى تجربة الشعب الفلسطيني مع الذين أخذوه إلى مسار «العقبة – شرم الشيخ».
إذ، رغم أن الأمور كانت شديدة الوضوح، وأن المسار كان في أحسن أحواله مجرد مسار أمني، ينحدر بالقضية الوطنية من منزلتها قضية تحرر لشعب تحت الاحتلال إلى مجرد قضية أمنية، إلا أن الذين ذهبوا إلى العقبة أصروا على أنه مسار سياسي وليس أمني، ووعدوا بأنه سيرغم الإسرائيليين على وقف الإجراءات الأحادية، بما في ذلك الاستيطان والقتل، وأنه سيعيد الاعتبار لـ«اتفاق أوسلو» (الذين قال عنه أصحابه – زوراً – أنه مات)، وأنه سيقود إلى الهدوء، وإنهاء العنف والتوتر، ويشكل مقدمة لبناء أفق سياسي، من شأنها أن يطلق عملية سياسية، تضع «حل الدولتين» على بساط البحث، أي بتعبير آخر، قدموا لنا كماً هائلاً من الوعود التي لم نرَ لها أثراً في الواقع العملي، بقدر ما رأينا عكسها، من حرائق حوارة، إلى مجازر أريحا وجنين ونابلس وعوريف وترمسعيا وسنجل وغيرها من البلدات والقرى والمدن الفلسطينية.
في الواقع الحالي، مات مسار «العقبة – شرم الشيخ»، وانتقلت الولايات المتحدة للاهتمام بمسار «تحالف أبراهام» ومسار «منتدى النقب»، وعينت لهذين الأمرين دان شابيرو، السفير الأميركي الأسبق في إسرائيل، مبعوثاً لهذا الغرض في الشرق الأوسط.
منذ آذار (مارس) الماضي، دفع الفلسطينيون غالياً من دم ودمار على يد قوات الاحتلال، وكل ذلك تمّ تحت غطاء مسار «العقبة – شرم الشيخ»، ماذا يقول لنا الذين أخذوا شعبهم إلى هذا المسار، وما هو موقفهم فيما جرى، وما هو تعليقهم، وكيف يفسرونه للرأي العام، هل يملكون الشجاعة للمكاشفة والمصارحة، وللاعتذار، أم أنها مجرد جولة من العبث السياسي، دفع الشعب الفلسطيني ثمنها غالياً، دفنت في العتمة، وبصمت، بانتظار فرصة أخرى، تنطلق فيها دفعة أخرى من الأكاذيب، والوعود الفارغة، والتي من شأنها، ككل الأكاذيب والوعود الفارغة، أن تكلف الفلسطينيين من دمائهم الثمن الغالي، ولا من يقاضي ■
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت