- د.رمزي عودة/ الأمين العام للحملة الأكاديمية الدولية لمناهضة الاحتلال والأبرتهايد
لم تكن إسرائيل لتقوم بإقتحام مخيم جنين وإرتكاب مجزرة كبيرة ضد سكانه بدون الضوء الأخضر الأمريكي. ليس هذا فقط، فقد دافع البيت الأبيض عن ما أسماه حق إسرائيل في الدفاع عن أمنها ضد الإرهابيين. وفي نفس سياق المواقف الغربية المتماشية مع السياسات الإسرائيلية العدوانية، فقد أكدت كل من الخارجية الألمانية والخارجية البريطانية على ضرورة إلتزام إسرائيل بمبدأ التناسب والضرورة في عدوانها على جنين، وهي في تصريحها هذا بررت العملية العسكرية الإسرائيلية بإعتبارها ضرورة ملحة لمحاربة ما أسموه بالإرهابيين في جنين! وتناست هذه التصريحات أن هذه العملية تأتي في سياق التطهير العرقي لسكان المخيم المدنيين، كما أغفلت هذه التصريحات حق الشعوب في مقاومة المحتل بكافة الطرق الممكنة.
في الواقع، هنالك شرخ واضح ومتزايد في العلاقات الأمريكية الإسرائيلية منذ إعلان تشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة برئاسة نتنياهو وعضوية الصهيونية الدينية فيها. وهذا الشرخ إتسع مع إصرار هذه الحكومة على الإنقلاب القضائي، والتوسع في الاعتداءات على أرواح وممتلكات الفلسطينيين من ذوي الجنسية الأمريكية، إضافةً الى قيام الحكومة الإسرائيلية الفاشية بممارسة مزيد من السياسات العدوانية التي تحرج الإدارة الأمريكية مثل الاستيطان وتهويد القدس والإقتحامات المتكررة للمسجد الاقصى. وبرغم إتساع مساحة الإختلاف بين الإدارتين، إلا أن عملية جنين لم تكن للأسف محل إختلاف. بل على العكس، كان موقف الإدارة الأمريكية مؤيداً صراحةً لهذه العملية، ولكن في إطار ضوابط الوقت ومحدودية القتلى من الجانب الفلسطيني. وبالنتيجة، إعتبر العديد من الفلسطينيون هذا الموقف مخيباً للآمال والتوقعات كعادته بالنسبة للفلسطينيين. وقد إنتقده الدكتور محمد اشتية رئيس الوزراء بشدة، وإعتبر اشتية أن من حق الشعب الفلسطيني مقاومة الاحتلال، وأن هذه المقاومة لا يمكن إعتبارها بتاتاً إرهاباً.
ومع كل هذا، علينا أن لا نذهب بعيداً في تأويل الموقف الأمريكي برغم أنه لا ينسجم مع مصالحنا المشروعة، فما زالت إسرائيل هي الحليفة الاستراتيجية الأولى للولايات المتحدة الأمريكية في الشرق الأوسط، وما زالت إسرائيل تنفرد بالدعم السياسي والعسكري والمالي اللامحدود من قبل الولايات المتحدة، ومع وجود مساحة كبيرة من النزاع بين إدارة بايدن وإدارة نتنياهو الا أن هذا النزاع لا يرتقي أبدا الى مرحلة الشقاق والصراع، وخاصةً في الأمد القريب والمتوسط. ومع هذا، فهنالك مساحات في الولايات المتحدة الأمريكية يمكن إستغلالها لصالحنا، وعلى الأقل يمكن البناء عليها. فعلي سبيل المثال؛ تعتبر تصريحات السيناتور الأمريكي الديمقراطي بيرني ساندرز مشجعةً جداً في مساءلة إسرائيل على جرائمها، حيث طالب الأخير بضرورة وقف المساعدات الامريكية عن إسرائيل اذا ما استمرت في سياساتها العنصرية والاستيطانية. وعلى نفس المنوال، نجحت النائبة الأمريكية رشيدة طليب من تنظيم فعالية تاريخية مهمه حضرها العديد من الساسة والنواب الأمريكيين لإحياء ذكرى النكبة. ومؤخراً، أوقفت إدارة بايدن تمويل الجامعات الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة، كما أعربت العديد من المنظمات الأمريكية المعروفة بدعم إسرائيل عن قلقها من تأثير سياسات حكومة نتنياهو على سمعة إسرائيل بإعتبارها دولة عنصرية، وقد حذر معهد واشنطن للشرق الأوسط، من أن اليهود الأمريكيين يعبرون عن إنزعاجهم من سياسات حكومة إسرائيل. وفي نفس السياق، ألمحت منظمة اللوبي اليهود "جي ستريت" على لسان رئيسها جيريمى بن عامي، بوجود صدام محتمل بين إسرائيل واليهود الأمريكيين نتيجةً لسياسات نتنياهو الأخيرة. ما أريد قوله في هذا التحليل الموجز أن خذلان الإدارة الامريكية لنا كفلسطينيين في عدوان جنين الأخير لا يجب أن يثنينا عن إستثمار التحولات المهمة في السياسة الأمريكية تجاه الصراع مع إسرائيل. هذه التحولات لم تقتصر فقط على الرأي العام الأمريكي، وإنما بدأت تتصاعد في الحقل السياسي الأمريكي بشكل ملفت. انها موجه تكبر وقد تنتهي بقطع المساعدات الأمريكية عن إسرائيل على حد إستنتاج صحيفة "ذا هيل" الأمريكية!.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت