- فراس حج محمد| فلسطين
انتهت أمس (الخميس 13/7/2023) وقائع ملتقى فلسطين السادس للرواية العربية، وألقت الأديبة حياة الريّس البيان الختامي. وبعيدا عن إنشائية البيان وتواضع ما جاء فيه من أفكار وسطحيتها، فلم يرتقِ في أفكاره ومضامينه ليكون بيانا ختاميا ثقافيا لافتا للنظر، بل قام على عموميات وكليشهيات ركزت على الحالة السياسية في خطوطها العامة، وكأنه بيان قمة عربي من تلك القمم السياسية الخائبة شكلا ومضموناً التي يصنعها السياسيون البليدون، ويشير البيان أن ثمة تناظرا بين الحالتين السياسية والثقافية، وهذا يعني أن الكارثة عمت وطمت فشملت المثقفين والقطاع الثقافي برمته، فالبيان الختامي ليس مجرد طقس لإسدال الستار وإعلان النهاية والوصول إلى المحطة الأخيرة، بل يجب أن يؤشر على حالة الوعي الثقافي التي حكمت المؤتمر ومخرجاته. لقد كان بيانا رديئا بالفعل، كما هو الملتقى بجلساته، وهذا من ذلك، فالمغرفة لا تسكب إلا مما في الإناء، فهذا من جنس ذاك، فلم أشعر بالجدية في صياغته، ولا الجدية في إلقائه.
لقد تابعت ما وسعتني الظروف من البيت، وقائع بعض الجلسات، واطلعت على برنامج الفعاليات التي أعدته الوزارة، ومن خلال هذه المشاهدات والمتابعات، أشير إلى جملة من الملحوظات على هذه الدورة بهمسة في أذن المسؤولين في وزارة الثقافة، وخاصة عبد السلام العطاري- مدير دائرة الآداب في الوزارة، بصفته المسؤول عن إعداد المؤتمر والتجهيز له، يتحمل مسؤولية كبيرة في عدم نجاح هذه الدورة، لكنه ليس وحيدا في ذلك، بل الوزير مسؤول مسؤولية كبيرة، كما أن المدعوين (الضيوف المتحدثين) خيب كثير منهم الظن، فقد جاء قسم منهم مستند إلى تاريخه الشخصي السياسي أو الثقافي، دون أن يستعد جيدا لمثل هذا الملتقى المهم على أية حال، فلو أرادت وزارة الثقافة أن تعد كتابا مطبوعا حول المؤتمر وما قدم فيه من أوراق، فلن تجد بين يديها سوى الهواء.
وبناء عليه، على هؤلاء المسؤولين أن يراجعوا أنفسهم جيدا، وأن يجروا تقييماً لما قد جرى في جلسات المتلقى:
* بعض الجلسات كانت هزيلة بالفعل، ولم تضف جديدا نهائيا لجمهور المثقفين، كحديث إبراهيم نصر الله، هو هو، مكرر ومكرور أعاده في محافل ومقالات ولقاءات سابقة، لا جديد لديه، وإن كان روائيا كبيرا وصاحب جوائز! وأظن أن استقدامه دعائي جماهيري، إذ لم يمض على استضافته في مركز القطان شهرا (الأحد 18 حزيران)، لتوقيع أحدث رواياته، فأعاد ما قاله هناك، ولم تكن هناك أية فكرة جديدة للأسف. عدا أن المحاور ضعيف، كالمحاورين الآخرين، لم يكن واحد من هؤلاء لافتا للانتباه أو أنه يمكن أن يقود الحوار إلى مناطق بكرا في تجربة المتحدثين، ما يجعل المرء يتساءل عن أهمية ما قاله نصر الله أو غيره، فالجمهور الذي استمع إليه في القطان هو نفسه الذي استمع إليه في جلسة الملتقى التي عقدت على ما يبدو في مقر دار طباق في رام الله، وهو نفسه من يقرأ مقالته ورواياته ويعلق على صفحته الفيسبوكية. فلماذا لا تبحث الوزارة عن آخرين لهم تجارب مختلفة يسمعهم جمهور فلسطين لأول مرة؟ على الوزارة أن تبحث عن آفاق فتح المعرفة لا عن إغلاقها من خلال مجموعة من الأسماء التي تقول بالإضمار إن فلسطين فقيرة إبداعيا فليس فيها غير أسماء محددة. هذا الدور التاريخي يجب أن تلتفت إليه الوزارة والقائمون على فعالياتها.
* ندوة الرواية التاريخية كانت ندوة تعيسة، لا شيء يلفت النظر فيها سوى ما قاله محمد نصار. نبيل عمرو حرف البوصلة نحو السياسة فغرق في حديث بعيد، ثمة إغراق في تبجيله من مدير الجلسة أكثر من المتحدثين الآخرين؛ نوع من النفاق الثقافي الفجّ. المتحدثون الآخرون ارتجاليون، وفي الندوة خلط بين مفهوم الرواية الفلسطينية السياسية في مقابل الرواية الصهيونية مع الرواية التاريخية. لم يكن واضحا هذا الفرق بينهما عند فخري صالح الذي تحدث عن الرواية التاريخية معتمدا على جورج لوكاش، ولم يتحدث عن السردية التاريخية الفلسطينية، جوني منصور حاول الربط بين المفهومين، لكنه لم يأخذ حقه كما ينبغي.
* من أتعس اللقاءات لقاء الكتابة عند الجيل الجديد، صباح بشير خيبت ظن حسني مليطات ولم تتحدث عن تجربتها وهربت إلى مساحة ليست لها، ولم يؤتَ بها لتنظّر في فن الرواية والنشر واستغلال الناشرين، فليس مطلوبا منها أن تكون "ناقدة" ومنظرة ثقافية، مع أن كل ما قالته لا جديد فيه، ملتقط من هنا ومن هناك، بعيد عن تجربتها الشخصية التي هي تجربة روائية ما زالت في بدايتها، فهل هذا يؤهلها لتشارك في هذه الجلسة، الزملاء المشاركون معها أكثر إدراكا لدورهم، وتبدو تجاربهم أنضج من تجربتها، لكنّ أفضل ما كان في هذه الجلسة حديث الروائية نعمة حسن القادمة من غزة، فتجربتها غنية فيما تتطلع إليه من كتابة قادمة، وأحسنت الحديث عن تجربتها.
* الحضور كان باهتا، والتغطية الإعلامية ميتة، ولم تهتم الوزارة إلا بفعالية الافتتاح، فعملت على "لمّ" الجمهور، فوفرت حافلات لكل مدينة بالمجان، ليكون الحضور كبيراً، وبعد ذلك، صارت كل الندوات بائسة الحضور ونقاشات الجمهور بائسة إلى حد التفاهة. ولم يقم الإعلام كما يجب بالتغطية المطلوبة لمثل هذا الحدث. المرتادون والأصدقاء على قلتهم وجدوا ضالتهم بالتقاط الصور كالعادة مع "الكتاب الضيوف" و"الكتاب الكبار". حتى هؤلاء لم يهتموا بالتصوير مع أدباء بلدهم، إنما مع "الضيوف" ومع "نصر الله" بوصفه ضيفاً، وشخصية مشهورة. أقترح على إبراهيم نصر الله عمل معرض صور له مع الجمهور. ألا تراها فكرة عبقرية وقد تضيف جديدا، فلم يسبق لأحدهم أن فعلها، ربما لأنه لا يمتلك ما تمتلك من صور مع القراء والمعجبين والمعجبات.
* غياب كثير من الأسماء الفلسطينية عن الملتقى، وهناك أسماء لم يلتفت إليها على مدار الدورات الستة ما يعني أن الوزارة عمياء وليست صماء، وبكماء فقط، لا ترى جيدا الحالة الثقافية التي يصنعها مثقفو فلسطين يوميا. إلا إذا كان هدفها من ذلك التهميش، وعاطف أبو سيف والعطاري يتحملان مسؤوليتهما المباشرة عن ذلك. أعلم أنه لا بد من أن يكون عدد المتحدثين محدودا، وله طابع التخصصية حسب محاور الملتقى، ولا بد كذلك من أن أي فعالية بهذا المستوى سيواجهها كثير من المصاعب والاعتراضات، وكما قال أ. سمير درويش تعقيبا على ردة فعل بعض المثقفين وعتبهم على أنهم لم يكونوا موجودين في الملفات الإبداعية التي تعدها مجلة ميريت الثقافية: "أي ملف تعمله أي مجلة في الكون، عن أي مشهد أدبي في أي مكان، بالتأكيد لا يكون جامعًا مانعًا يضم كل من تحب أن تراهم، ببساطة لأن الملف يستوعب 30 مادة مثلًا، بينما (المكان) به 3000 شاعر وكاتب، وهذا يعني أنك ستأخذ واحدًا فقط من كل مائة... واحد فقط سيفرح، بينما يغضب 99 آخرون"، وهذا ما يحدث مع الأنشطة الثقافية التي تعدها الوزارة، لكن على القائمين على تلك الأنشطة أن تتوخوا العدل في إشراك آخرين، لهم تجاربهم الإبداعية المميزة، وعندهم ما يقولونه.
* كل جهد يجب أن يشكر عليه القائمون، شريطة ألا يكون جهدا ضائعا يرسخ أسماء ويغيب أخرى، فالوزارة تقوم على فكرة تشليل الحالة الثقافية، وخاصة الفلسطينية منها، ومع كل ذلك أقول: كل عام وفلسطين ومن يحبها بخير، ورحم الله الشهيد غسان كنفاني الذي يشكل الملتقى السنوي وجها مهما من وجوه استعادته الواضحة، إلا أن حضوره كان باهتا أيضا، فلم يكن إلا عنوانا عريضا غاب عن جملة التفاصيل، وهذا خلل بنيوي في إعداد الجلسات والمتحدثين.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت