بين أم تقف فوق قبر نجلها الشهيد، وطالبة تحتفل بنجاحها بالثانوية العامة فوق ركام منزل عائلتها المدمر، وأخرى تهدي نجاحها لوالدها الذي اختطفه الاحتلال الإسرائيلي خلال العدوان الأخير، وآخرون امتزجت مشاعر الفرح لديهم بالغصة، فرحة في القلب أوقدها التفوق، وغصة على من رحلوا إما شهداء أو أسرى أو نازحين.
هكذا بدا المشهد في مخيم جنين شمال الضفة الغربية، بعدما امتلأت الأجواء فيه بالفرحة والسرور ابتهاجا بنتائج الثانوية العامة، رغم الآلام التي يعانيها أهالي المخيم نتيجة العدوان الإسرائيلي الذي تعرضت له مدينة جنين ومخيمها في الثالث من تموز/ يوليو الجاري، والذي أثقل المخيم بالجراح وخطف رصاص جيشه وصواريخ طائراته، أرواح 12 من أبنائه وأكثر من 140 جريحا، وشرد عشرات العائلات.
وبين تلك العائلات التي اضطرت للنزوح عن منزلها إثر الدمار، عائلة المواطن عبد الكريم خالد منصور التي عادت صباح اليوم لمنزلها غرب المخيم؛ لانتظار نتيجة ابنتهم بيلسان بالثانوية العامة، في منزلهم الذي لم يعد صالحا للسكن إثر التصدعات التي أصابته جراء العدوان.
تقول بيلسان لوكالة "وفا"، والتي تقيم مؤقتًا في بيت جدها مع أفراد عائلتها، وأصرت أن تتلقى نتيجتها في منزل عائلتها المدمر، "هنا منزل الذكريات الذي تربيت وعشت فيه ودرست بجد لأحصل على نتيجة مشرفة في التوجيهي، وهذا ما حصل وحققت حلمي".
وتضيف بيلسان التي حصلت على معدل 87.3% بفرع الريادة والأعمال، إن الاحتلال دمر بيت عائلتها لكنه لم يهدم إرادتها بالعلم، ورغم أن فرحتها ناقصة لما خلفه الاحتلال من دمار وقتل وتشريد في المخيم، إلا أنها "أرادت أن تحتفل بأول فرحة بالعمر في منزل عائلتها رغم الدمار".
وتبقى فرحة عبد الكريم عائلة منصور بنجاح بيلسان كبقية العائلات بالمخيم مؤقتة؛ في ظل ما خلفه عدوان الاحتلال من جرائم ضد الإنسانية، فبعد ساعات تترقب العائلة عملية جراحية لبتر قدم عبد الرحمن ابن شقيقه في مستشفى ابن سينا، إثر إصابته بحروق من الدرجة الثانية جراء قصف طيران الاحتلال خلال العدوان.
ويقول الوالد منصور: "وزعنا الحلو والعصير فرحا بنجاح بيلسان، لكن الفرح ممزوج بالألم والحزن على من فقدنا بالعدوان ومن أصيب ومن اعتقل، وهذه عادة الاحتلال الذي ينغص عيش الفلسطينيين".
وفي حي الهدف الملاصق لمخيم جنين، تسلل الفرح مؤقتا إلى منزل الأسيرين محمد الدبعي الذي اعتقله الاحتلال خلال العدوان الأخير على مخيم جنين، ونجله محمود الذي اعتقل قبل عام، بعدما تفوقت ابنتهم عهد بالثانوية العامة بمعدل 89.9 بالفرع العلمي.
وتؤكد عهد لوكالة "وفا"، أن "أجمل فرحة في حياتها لم تكتمل بعدما اعتقل الاحتلال شقيقها محمود بداية التحاقها بالثانوية العامة بعد حصار لمنزلهم، وأكمل إجرامه باعتقال والدها قبل أسبوعين وتحويله للاعتقال الإداري لمدة أربعة أشهر قبل يومين من إعلان نتائج التوجيهي".
"سأكمل حلم والدي بدراسة الصيدلة، وأتحدى الاحتلال بسلاح العلم..". تضيف عهد.
وفي مقبرة الشهداء بمخيم جنين، تلقت والدة الشهيد مجدي عرعراوي نتيجة تفوق نجلها فوق ضريحه، والذي استشهد خلال العدوان على مخيم جنين، وحصل على معدل 90.4%.
والشهيد عرعرواي واحد من ستة شهداء كان من المقرر أن يكملوا حلمهم بالتعليم وفق التربية والتعليم، واستشهدوا قبل أن يتمكنوا من تقديم امتحانات الثانوية العامة، وهم محمد السعدي، ووديع أبو رموز، وأسامة عدوي، ومحمد ماهر تركمان، وأحمد دراغمة.
وعلى مقربة من منزل الشهيد مجدي عرعراوي، غابت مظاهر الفرح عن أجواء عائلة الطالبة ماريا عز الدين أبو سرية، والتي تفوقت بالثانوية العامة بالفرع الأدبي، واقتصر على توزيع الحلوى عن أرواح الشهداء، وفق ما أكد شقيقها حسن لـوكالة "وفا".
ويضيف أبو سرية أنه رغم انتظار العائلة نجاح شقيقته ماريا التي ولدت عام 2005 بين خمسة أشقاء وسميت باسم شقيقتها التي استشهدت عام 2002 باجتياح المخيم الأول، إلا أن الفرحة تبقى ناقصة ويغلفها الألم على أمهات الشهداء اللواتي فقدن أبناءهن خلال العدوان.
ولا تقتصر قصص الألم والمعاناة لأهالي المخيم وطلبة الثانوية العامة على العدوان الأخير للمخيم، فقبل العدوان بأسبوعين، فقدت عائلة نغنغية ابنتها سديل غسان بينما كانت ابنة عمها إسلام عدنان وابنة عمتها وفاء مصطفى تؤديان امتحانات الثانوية العامة.
واضطرت كلتاهما لتأجيل ثلاثة امتحانات للمرحلة الثانية من الامتحانات في شهر آب/ أغسطس المقبل، بعدما خيمت مشاهد إعدام سديل برصاص الاحتلال في ساحة منزل عائلتها على مخيلتهما.
وتشير وفاء إلى أن سديل كانت صديقتها، وابنة خالها المقربة، ولم تتمكن من تقديم امتحان الأحياء بموعده بعدما أعدمها الاحتلال بدم بارد.
ولم تقتصر معاناة وفاء على فقدان صديقتها المقربة سديل، بل حرمها الاحتلال من كتبها المدرسية التي أرادت أن تستكمل دراستها بها لتأدية ما فاتها من امتحانات، إثر احتراقها في منزل عائلتها بعدما استهدف الاحتلال المنزل بالصواريخ خلال عدوانه الأخير.
ــــ