النائبة الديمقراطية براميلا جايابال والعاصفة في الكونغرس

بقلم: حسين الديك

د. حسين الديك - كاليفورنيا.jpeg
  • بقلم  د. حسين الديك - كاليفورنيا

لقد اتسم الموقف الأمريكي التقليدي من الصراع العربي الإسرائيلي بالانحياز المطلق لدولة الاحتلال طيلة سنوات الصراع ، ولكن صفة التغير والتحول والديناميكية التي يتميز بها المجتمع الأمريكي أصبحت تلقي بظلالها على الموقف الأمريكي التقليدي من الصراع العربي الإسرائيلي ومن ممارسات الاحتلال وجرائمه اليومية بحق الشعب الفلسطيني ، واهم تلك التجليات ما بات يعرف بالتيار التقدمي في الحزب الديمقراطي الأمريكي والذي يتزعمه السيناتور بيرني ساندرز ويمثل الجيل الشاب في الحزب الديمقراطي ، اذ أصبحت مواقف هذا التيار التقدمي تتمايز عن الموقف التقليدي للحزب الديمقراطي، واصبحنا بين الفينة والأخرى نسمع تصريحات وتصدر مواقف مختلفة عن الموقف التقليدي للحزب.

 

 فمن المتفق عليه والسائد في السياسة الأمريكية أن المحافظة على امن إسرائيل وتفوقها ودعمها هو مسالة فوق حزبية في السياسة الأمريكية ، بمعنى قد يختلف الحزبان الديمقراطي والجمهوري في الكثير من القضايا المحية والدولية ولكن عندما يصل الأمر الى الموقف من إسرائيل نرى أن هناك إجماع شبه مطلق من الحزبين لدعم إسرائيل والمحافظة على قوتها وتفوقها كقوة مسيطرة في الشرق الأوسط.

 

وفي العقدين الأخيرين حسم الحزب الجمهوري موقفه بالتأييد المطلق لإسرائيل استنادا الى معتقدات دينية وعقائدية وسياسية ، ولكن على العكس من ذلك في الحزب الديمقراطي الأمريكي الذي تجلى في وجود تباينات وتقاطعات داخل الحزب في الموقف من إسرائيل أهمها الموقف التقليدي والداعم المطلق لها والذي تمثله المؤسسة التقليدية للحزب الديمقراطي ، والموقف المعتدل والذي يؤيد حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني وإنهاء الاحتلال والسلام بين الشعبين على أساس حدود الرابع من حزيران ويتبنى حل الدولتين، هذا التيار المعتدل حتى الآن غير قادر على إحداث اختراق حقيقي في الموقف التقليدي للحزب الديمقراطي لصالح الشعب الفلسطيني ووقف ممارسات الاحتلال في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ولكن أصبحت تظهر بعض المواقف المتقدمة وخاصة من الجيل الشاب في هذا التيار والتي تنتقد إسرائيل وسياساتها بحق الفلسطينين علنا وفي وسائل الإعلام علما بان انتقاد إسرائيل وسياساتها العدوانية كان من المحرمات في المؤسسات السياسية الأمريكية وخاصة في الكونغرس الأمريكي.

ولقد جاءت تصريحات النائبة الديمقراطية الأميركية براميلا جايابال من ولاية واشنطن كأحد تجليات الموقف المعتدل للتيار التقدمي في الحزب الديمقراطي والتي قالت خلال لقاء جماهيري في مدينة شيكاغو في ولاية الينوي "  اعلموا أننا نكافح من أجل توضيح أن إسرائيل دولة عنصرية، وأن الشعب الفلسطيني يستحق تقرير المصير والحكم الذاتي، وأن حلم حل الدولتين يبتعد عنا ولا يبدو ممكنا" مما عرضها الى عاصفة قوية من الانتقادات من أعضاء الكونغرس من الحزبين الجمهوري والديمقراطي الذين وصفوا تصريحاتها بانها غير مقبولة ومعادية للسامية ، وتحت هذه العاصفة من الانتقادات اصدر النائب براميلا جايابال بيان اعتذار عن تصريحاتها و التي قالت " لا أعتقد أن إسرائيل دولة  فصل عنصري، لكن سياسات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عنصرية تماما". ، وهذا يدل على مدى قوة اللوبيات المؤيدة لإسرائيل في الولايات المتحدة، حتى أن حرية الراي والتعبير المكفولة في الدستور الأمريكي تم الضغط من اجل التأثير عليها مما دفع النائبة الى تقديم بيان اعتذار عن تلك التصريحات.

وفي تطور أخر وقوي من تداعيات تلك التصريحات والعاصفة التي هبت في الكونغرس الأمريكي تم التصويت في الكونغرس بعد بضعة أيام من تصريحات النائبة براميلا جايابال على مشروع قانون أن إسرائيل ليست دولة عنصرية ولا دولة فصل عنصري وحظي هذا المشروع بتأييد( 412 ) نائب من اصل( 435 )نائب في مجلس النواب ، علما بان النائبة براميلا جايابال أيدت هذا المشروع، وهنا تبرز حقائق لا بد من الإشارة اليها ، أن الديمقراطية وحقوق الإنسان مكفولة للمواطن الأمريكي ولكن عند انتقاد إسرائيل وسياساتها ضد الفلسطينيين فان الأمور تكون مختلفة، وان التيار التقدمي في الحزب الديمقراطي لازال ضعيفا وهشا وغير قادر على التأثير في السياسة الأمريكية او سياسة الحزب الديمقراطي.

وهنا تبرز وتتجلى عدم مصداقية الخطاب السياسي الأمريكي وسياسة المعايير المزدوجة التي تمارسها الولايات المتحدة الأمريكية في التعامل مع الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وموقفها الواضح والمنحاز لدولة الاحتلال الإسرائيلي ، ومدى ضعف التأثير العربي والإسلامي في الراي العام الأمريكي وإحداث تحول وتغيير في الخطاب السياسي الأمريكي المنحاز لدولة الاحتلال الإسرائيلي.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت