- بقلم علي بدوان ... عضو اتحاد الكتاب العرب
عن كتابنا : الطبشورة
الكأس يمتلىء قطرة قطرة
الإصدار دار العراب/دمشق
مائة صفحة من القطع الوسط
تاريخ الإصدار الأسبوع الأول من أب/اغسطس 2023
إننا نعيش في عالم افتراضي تصنعه حواسنا ودماغنا بعيداً عن الحقيقة. حواسنا، والتي تعمل في عالم الزمان والمكان : الأبعاد الثلاثة (X Y Z) والبعد الرابع (المكاني)، تُغذي دماغنا بمعلومات نسبية جداً، قد لايكون لها علاقة بواقع الحقيقة الدامغة..... معلومات هي من صنع أدمغتنا، تساعد في قدرتنا على البقاء. فالألوان من صنع عيوننا وهي ليست إلا موجات مختلفة الطول ما بين الأحمر والبنفسجي، ومن يُخلق بعمى ألوان ليس عنده أحمر ولا أخضر. والأصوات أمواج أطول من تلك تجعلها آذاننا أصواتا مختلفة النغمات، ومن خُلقوا بصمم خلقي لخلل في آذانهم (وهم كثيرون) ليس في عالمهم أصوات ولا موسيقى ولا غناء، ومثال آخر عن ابتعاد المعلومات التي تعطيها حواسنا عن الحقيقة هو شعورنا بأن الأرض ثابته، بينما هي تدور...الخ؟..
علومنا هي نتاج معلومات حواسنا، وأدواتنا، ودماغنا، وهي لذلك محصورة في هذا العالم الوهمي المحدود. وكلٌ منا يعمل كما يعمل الكومبيوتر، حواسنا فيه هي سطح التماس والأشياء التي نراها أو نسمعها هي الأيقونات، والزمكان هو شاشتنا الصغيرة. والأفكار تقود إلى الدماء أو إلى الضياء.
لا يكون الفكر عملاً إلّا حين يرتبط الفكر بواقعه الحياتيّ، وهو يبقى مجرّدًا، يبقى إنشاءً ووعظًا وخطابة، عندما يفقد علاقته بالواقع الحياتيّ. بهذا المعنى تظهر "أزمة المثقّفين" العرب على أنّها في صميمها أزمة مفكّرين قبل أن تكون أزمة فكر بالذات.أما عمل المثقّف الراديكاليّ فهو من خلال الانهماك الفكريّ التحليليّ المستمرّ، بالنقد، وبمهاجمة القضايا من نواحيها المختلفة، وبإظهار سلبيّات العلاقات وإيجابيّاتها. بالكشف عن الوجوه المتعدّدة للشيء الواحد، وبهذا كلّه يشارك المثقّف في تحديد المعنى ورسم الطريق ووضع الهدف.
*****
أن يكون الشخص حاصل على شهادة علميّة، حتى لوكانت عالية لجهة محتواها وتحصيلها، لا يجعله بذاته مثقّفًا، والأمّيون المتعلّمون هم أخطر الأمّيّين. فهم اشبه بعبوات جاهزة للإنفجار في مجتمعاتها. تدمرها وتعود بها للوراء.
المثقّف الحقيقيّ، مهمّته أن يترجم الإيمان الثوريّ إلى محتواه العقليّ، أن يُعطي الإيمان معناه لكي يثبّت قاعدته. ليس من مهرب للمثقّف الراديكاليّ من هذا التناقض، تناقض الثورة بإيمانها وتناقض العقل بحقيقته. ولعلّ أكبر تناقضات المثقّف العربيّ ليس في أنّه لا يعيش الثورة كمقاتل، بل في أنّه لا يعيشها كمثقّف على الإطلاق.
*****
الكأس لا يمتلئ من قطرة، بل يتراكم قطرة قطرة، والإنسان السوي لا يغضب من كلمة....المسألة تراكمات، فالكلمة الطيبة صدقة، نصغر معهاعشرين عاماً بكل مفردة منها تقال لنا .. ونكبر أعوام، ونحمل داخلنا ثقل السنين مع كل كلمة موجعة ... مخطئ من يظن أن الكلام يقال ويُسمع عبثاً ...
إن للأحاديث الجميلة والكلمة الطيبة افعال سحرية في دواخلنا. فالإنسان كائن هش، وكلمة طيبة قادرة أن ترفعه عالياً وتُحلق به، وكلمة جارحة قادرة على طرحهِ أرضاً، بل وتدميره ...
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت