رغم عدم خروج اجتماع الأمناء العامين للفصائل الفلسطينية الذي انعقد بمدينة العلمين المصرية الأحد، بقرارات متعلقة بتفعيل الوحدة وإنهاء الانقسام، إلا أن محللين سياسيين يقولون إنه وضع آلية لاستمرار اللقاءات الوطنية.
ويرى المحللون الفلسطينيون في حوارات منفصلة مع وكالة "الأناضول"، أن التوافق على استمرار اللقاءات ينم عن "إدراك المجتمعين بوجود أزمة ومخاطر حقيقية تعصف بالقضية".
والأحد، دعا الرئيس الفلسطيني محمود عباس، في البيان الختامي للاجتماع، إلى تشكيل لجنة من الأمناء العامين للفصائل المشاركة بالاجتماع، لاستكمال الحوار الوطني بهدف إنهاء الانقسام وتحقيق الوحدة الوطنية.
وقال الرئيس عباس في كلمته: "إنني أعتبر اجتماع اليوم للأمناء العامين للفصائل خطوة أولى ومهمة لاستكمال حوارنا الذي نرجو أن يحقق الأهداف المرجوة في أقرب وقت ممكن".
وأضاف: "لذلك أدعوكم لتشكيل لجنة منكم تقوم باستكمال الحوار حول القضايا والملفات المختلفة التي جرت مناقشتها بهدف إنهاء الانقسام وتحقيق الوحدة الوطنية".
وطلب الرئيس عباس خلال كلمته من "هذه اللجنة الشروع في العمل فورا لإنجاز مهمتها والعودة إليه بما تصل إليه من اتفاقات أو توصيات".
وأعرب عن أمله بعقد "لقاء آخر قريب على أرض مصر"، مضيفا: "لنعلن إلى شعبنا إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية".
وأظهر هذا البيان، وفق المحللين السياسيين، "عمق الهوة بين الأطراف المجتمعة لكنه ذهب في ذات الوقت إلى تقليل نقاط الخلاف وحمل طابع البيان التصالحي".
وفي كلمته الافتتاحية للاجتماع، قال الرئيس الفلسطيني إن "العدوان الإسرائيلي يفرض على الفلسطينيين جميعا ترتيب بيتهم الداخلي".
وشدد على وجوب الالتزام بـ"البرنامج السياسي لمنظمة التحرير الفلسطينية والتزاماتها الدولية"، معلنا عن "أسس ومبادئ" لإنهاء الانقسام المستمر منذ عام 2007، وفق وكالة الأنباء الفلسطينية الرسمية "وفا".
وفي 10 يوليو/ تموز الجاري، دعا عباس الأمناء العامين للفصائل إلى اجتماع طارئ بمصر، عقب عملية عسكرية إسرائيلية كبيرة استمرت نحو 48 ساعة في مدينة جنين ومخيمها شمال الضفة الغربية المحتلة.
ومنذ يونيو/ حزيران 2007، يسود أراضي السلطة الفلسطينية (الضفة الغربية وقطاع غزة) انقسام سياسي؛ بسبب خلافات حادة بين حركتي "فتح" بزعامة عباس و"حماس"، ولم تفلح وساطات إقليمية ودولية في إنهائه.
بيان تصالحي
مدير مركز القدس للدراسات التابع لجامعة القدس، أحمد رفيق عوض، قال إن البيان الختامي للفصائل "تصالحي يحسب كل المواقف المتباينة حيث لم يعلن عن فشل اللقاء".
وأضاف خلال حديثه: "تجنب المجتمعون إعلان فشل اللقاء وأنه لم يحقق شيئا، بل ذهبوا إلى إظهار نوع من الجدية في المتابعة، والبيان الختامي تصالحي إلى درجة كبيرة".
وأوضح أن "المعطيات لا تشير لوجود تقدم في ملف الوحدة الفلسطينية"، لكنه اعتبر "الدعوة لتشكيل لجنة لمتابعة ملفات الانقسام واستمرار اللقاءات، بالأمر الجيد".
ويعتقد أن "اللقاء حمل نقاط اتفاق بين المجتمعين الأمر الذي جنب إعلان انفجار وفشل الاجتماع"، معربا عن آماله في "تقليص الفجوة بين الأطراف ولو بالحدود الدنيا".
في المقابل، رأى عوض وجود "خلافات حقيقية بوجهات النظر لم ينجح المجتمعون في تجاوزها"، قائلا إنها "بحاجة إلى مزيد من العمل عبر جلسات متعددة للوصول إلى صيغة وسطية".
وأشار إلى ضرورة تشكيل قيادة وطنية موحدة من الأمناء العامين، واستمرار اللقاءات الجدية.
تمسك بالمواقف
الخبير بالشأن الفلسطيني طلال عوكل رأى في أن البيان الختامي ترجم حالة "تمترس كل طرف من الأطراف الفلسطينية خلف مواقفه السياسة".
وقال في حديث للأناضول: "اللقاء الذي تم خلال ساعات في القاهرة يشير إلى أن الخلافات بين الأطراف مستمرة ولا تغير قد يقرب بينهما".
وأشار عوكل إلى وجود تشابه بين البيان الختامي لاجتماع الأمناء العامين الأخير واجتماع الجزائر الذي انعقد في أكتوبر/ تشرين الأول 2022، من حيث "الاتفاق على الخطوط العامة، وتشكيل لجنة، وبالنهاية انتهى الأمر إلى لا شيء"، وفق قوله.
وأضاف: "الخلاصة لا يوجد تغيير على ملف الانقسام، تعود الأطراف إلى بيوتها دون جديد على الأرض، هناك ملفات كبيرة عالقة منذ سنوات لا يمكن حلها في ساعات، تحتاج إلى عمل حقيقي ورؤية وجدية في تنفيذ التوصيات والاتفاقيات وهو ما لا نلمسه".
واعتقد أن اجتماع الأمناء العامين للفصائل، الذي انعقد في العلمين، جاء لـ"أغراض تكتيكية تخدم طرفي الانقسام".
هوة كبيرة
الكاتب والمحلل السياسي هاني المصري، مدير المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الإستراتيجية (مسارات)، اعتبر أن "الرئيس الفلسطيني محمود عباس، حاول الظهور كرجل قوي يدعو الفصائل للاجتماع وهي بدورها تلبي ذلك، ويفرض رؤيته عليها".
وقال في حديثه: "عباس ظهر ويتصرف من موقع القوي رغم النكسات التي تضرب بالسلطة الفلسطينية، في المقابل أراد أن تظهر المعارضة بصورة أضعف مما هي عليه".
وتعقيبا على البيان الختامي للاجتماع، أضاف المصري إنه يشير إلى "أن الفصائل لم تستطع التوصل إلى بيان متفق عليه وأن الهوة كبيرة بين الأطراف".
وأوضح أن الرئيس عباس "دعا الفصائل للانضمام لخياره المتمثل بالاعتراف بالشرعية الدولية، وهدنة مع إسرائيل في الضفة وغزة، واستخدام المقاومة الشعبية السلمية في مواجهة إسرائيل".
وذكر أن الرئيس عباس "يضع شروطا على فتح أبواب منظمة التحرير الفلسطينية والحكومة أمام الفصائل"، مضيفا: "هو لا يريد حكومة يفرض عليها مقاطعة دولية".
ويسعى الرئيس عباس، بحسب المصري، إلى جعل "سلاح أجهزة الأمن الفلسطينية السلاح الوحيد والشرعي، فيما يعد أي سلاح آخر هو انقلاب على السلطة ولن يسمح باستمراره".
وذهب المحلل السياسي بالقول إلى أن الاجتماع يشير إلى وجود رؤيتين متناقضتين.
ورغم ذلك، رأى المصري في الدعوة لاستقرار اللقاءات الوطنية أمرا جيدا، وذلك لاعتقاده بـ" إدراك المجتمعين بوجود أزمة حقيقية ومخاطر تعصف بالقضية الفلسطينية".
وختم حديثه قائلا: "من المفترض الارتقاء إلى مستوى التحديات والتضحيات من قبل القيادة الفلسطينية الرسمية وقادة الفصائل".