- علياء الانصاري كاتبة وباحثة إجتماعية / العراق
مساهمة المرأة في تنمية المجتمع، مسؤولية إجتماعية كبيرة، أهتم الإسلام بالإشارة إليها سواء في النصوص القرآنية أو في سيرة الرسول (ص)، عندما كان مهتما ببناء الدولة الإسلامية آنذاك، حيث نجد أن المرأة في الفترة التي عاش فيها الرسول في المدينة حيث كتب أول دستور لتنظيم الحياة الاجتماعية، وأرسى قواعد الدولة – كما كان يراها عليه أفضل الصلاة والسلام -، كان لها دورا مهما وفاعلا في جميع مجالات الحياة، وكانت مرافقة للرجل ومساندة له سواء في أوقات بناء المجتمع أو في أوقات الحرب. معادلة القيادة الاجتماعية والسياسية للنساء والرجال، الطرف الأول منها جاء في الآية (41) من سورة الحج التي تقول: (الذين أن مكّناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور)، في هذه الآية المباركة إشارة الى مفردة (التمكين)، أي تطوير وبناء قدرات ومهارات وخبرات الأشخاص ليصبحوا قادرين على القيادة وتولي الأمور سواء على مستوى العبادات (الصلاة) أو الإنفاق والمشاركة الاقتصادية (آتوا الزكاة) أو الإصلاح والتغيير (أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر)، والآية مطلقة تشمل (النساء والرجال) بحكم اللغة العربية الشاملة.
الطرف الثاني من المعادلة جاء في الآية (71) من سورة التوبة: (المؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويأتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله ان الله عزيز حكيم). من هم الأولياء؟! الولي: "كل من ولي أمرا أو قام به" كما تأتي بمعنى "النصير" (معجم المعاني) فالولي هو الذي يتولى شؤون أمر ما، يرادفه في مصطلحاتنا (القائد). إذن الآية المباركة تقول لنا: المؤمنون الرجال والمؤمنات النساء بعضهم أولياء بعض، لم يقل الرجال أولياء على النساء، بل قال (بعضهم أولياء بعض)، وفي هذا كناية على أن المرأة أيضا تكون (ولية) أو قائدة بالمعنى الاجتماعي السياسي الذي تقود اليه الآية المباركة، أي ان الرجال والنساء تقع عليهم مسؤولية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (الإصلاح والتغيير)، يساندون بعضهم البعض، يناصرون بعضهم البعض، في قيادة المجتمع، يقودنه للإصلاح والتغيير، كما يقيمون العبادات وينفقون من أموالهم لأجل دعم المجتمع اقتصاديا وتنميته. من خلال ربط هاتين الآيتين مع بعضهما البعض، تأتينا معادلة القيادة الاجتماعية والسياسية التي تعتمد على النساء والرجال معا، وينبري أمامنا سؤال مهم، كيف يستطيع ان يكون المرء قائدا (سواء أمرأة أو رجل) يأمر بالمعروف (وهو كل شيء حسن) وينهى عن المنكر (وهو كل شيء سيء او قبيح)؟! يستطيع من خلال التمكين (مكّناهم في الأرض)، التمكين أي بناء القدرات والمهارات والخبرات وزيادة المعارف والمعلومات، فبالعودة للآية المباركة (المؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض)، أي النساء والرجال يملكون المعرفة الكافية (بالمعروف والمنكر)، ويملكون الأدوات والمهارات والقدرات اللازمة لقيادة المجتمع نحو المعروف، ويتمكنون إقتصاديا لأجل الإعمار والتغيير.. وهذا يعني أن على المرأة ان تتعلم، وتتسلح وتكون واعية ومثقفة، ان تكون في مواقع قيادية ومناصب عليا حتى تتمكن من صياغة القوانين والسياسات وإدارة المؤسسات الحكومية وغير الحكومية بطريقة احترافية تمكّنها من بناء المجتمع الواعي الصالح. بعبارة أخرى: القيادة المجتمعية والسياسية في الإسلام، هي قيادة تشاركية ما بين النساء والرجال، وإلا ستصبح قيادة عرجاء!! ولذلك عندما بدأتُ العمل في مجال المجتمع المدني، كانت تنبري أمامي علامات استفهام كثيرة، لضيق الفسحة سأورد بعضا منها: **عندما نضطر للتوقف في المطاعم الخارجية عند السفر، أو عندما نكون في فندق ما، أو في مكان عام كمستشفى مثلا، ويحين وقت الصلاة، لا أجد مكانا لصلاة النساء، هناك مكان مخصص للرجال فقط، وأن خصصوا مكانا للنساء، فعادة يكون مكان صغير وضيق، وربما نضطر للصلاة في الممرات، فأتسائل: يا ترى لماذا لا يفكرون بان المرأة تحتاج الى مكان للصلاة أيضا؟!
** عندما نتحدث عن إحصائيات الفقر، ونرى أن النساء أو العوائل التي تقودها النساء تأخذ النسبة الأكبر من معدلات الفقر، ونتسائل: لماذا تقل فرص النساء في الوصول الى الموارد الاقتصادية، الجواب يكون: لان غالبيتهن غير متعلمات، متزوجات في سن قصيرة، لم يكملن التعليم، مواردهن الاقتصادية (كالموظفات) لا تكاد تسدّ الاحتياجات الأساسية للأسرة، لا نراها صاحبة شركة، لا نراها صاحبة معمل، نراها عاملة أو أجيرة فقط، يا ترى لماذا؟!
** عندما تتواصل معنا النساء، في حالات العنف التي يتعرضن له، كتحرش المحارم أو الضرب أو تعنيف أطفالهن، ونجد الأجهزة الأمنية عاجزة عن توفير مكان آمن لهن، أو تعجز الإجراءات القانونية الحالية الآن عن توفير حماية لهن، فتضطر المرأة الى البقاء في البيت حتى تموت أو يموت أطفالها، نتسائل كيف يمكننا ان ننقذهن في ظل كل هذا العجز؟!
** عندما تفقد النساء آلاف الفرص للحياة الكريمة، في ظل قوانين عاجزة عن الحماية ومجتمع عاجز عن الحماية، نتسائل: ماذا سنفعل لهن؟! هنا تأتي السياسات والاستراتيجيات والإجراءات الداعمة لتعزيز دور النساء في القيادة وتولي المناصب القيادية والمساواة مع الرجال في الوصول الى الموارد والفرص كالتعليم والاقتصاد والتنمية والسياسة، وهذا ما يعنى به (النوع الاجتماعي: الأدوار بين النساء والرجال، تلك الأدوار التي يصنعها المجتمع، فيعطي القيادة للرجل ويعتبره الأفضل والاكمل والأكثر حكمة وعقلا، فيما يقصي المرأة عنها باعتبارها الأدنى والاقل قدرة والأكثر ضعفا)، يأتي النوع الاجتماعي كما تبنته الدولة العراقية بكافة مؤسساتها وسياساتها واستراتيجياتها، ليعيد ترتيب هذه الأدوار ليمكّن المرأة من القيام بدورها القيادي في الحياة الاجتماعية والسياسية، لتكون شريك الرجل وناصرته في بناء المجتمع وتنمية حضارته، فالنوع الاجتماعي هو التكامل في الأدوار (بعضهم أولياء بعض). والسياسات والاستراتيجيات المستجيبة للنوع الاجتماعي هي إستراتيجيات التكامل والتوازن التي توفر بيئة عادلة للوصول الى الفرص والحقوق لكل من الرجال والنساء، في مجالات الحماية والتعليم والصحة، والاقتصاد والعمل والسياسة
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت