- توفيق أبو شومر
دائما أردد حديثا نبويا مرويا عن رسولنا الكريم "كان النبيُ إذا (حَزَبَهُ) أمرٌ، صَلَّى"! أستعيد هذا الحديث عندما تأتي سيرة أحزاب فلسطين! إن كلمة (حَزَبَه) في الحديث تعني أصابه همٌّ أو مرضٌ، فهل أصبحت أكثرُ أحزابنا همَّا ومرضا يجب أن نُصلي ونتمنى ونرجو وندعو أن يَشفَى الفلسطينيون منه؟!
إن المفهوم القاموسي الشائع للحزب هو التجمع لتحقيق مبدأ وهدف سامٍ، وهو في قواميس اللغات الأجنبية (Party) يعني الاحتفال بمناسبة، غالبا ما تكون مناسبة سعيدة، ومن تعريفات الحزب أيضا: "هو تجمعٌ غايته المنافسة لتحسين أحوال الشعب"!
أما الأحزابُ المريضة، وهي أحزاب الهم والغم عليها أن تُراجع مبادئها لتتخلص من الفايروسات المنتشرة في وسطها الحزبي! ومن أخطر أمراضها، مرض الحزب الميليشاوي، حين يصبح الحزبُ ميليشيا عسكرية وديكتاتورا قامعا لحريات الرأي، يُطارد المخالفين في الرأي لا لإقناعهم بالرأي والمشورة، بل بإسكاتهم بالرعب أو حتى بتصفيتهم جسديا وفكريا!
في أحزاب الميليشيا يصبح امتلاك السلاح وتخزينه وجذب الأتباع المسلحين، مقدما على التوعية والخدمة العامة، ينتج عن ذلك أن هذه الأحزاب تُصاب بنقص المناعة الفكرية، وتصبح الغاية الرئيسة من امتلاك السلاح ليست حماية الوطن والمواطن، بل حماية المكتسبات والمزايا التي حصل عليها أعضاء الحزب، ومواجهة المنافسين والمخالفين من أبناء الوطن وقمعهم وإقصائهم بالقوة العسكرية، وهذا يُحوِّل لابسي الدروع العسكرية، وحاملي السلاح إلى بُغاة طُغاة يحظَونَ بالحصانة ضد كل القوانين، مما يُعلِّب الثارات والأحقاد والرغبة في الانتقام في نفوس المقهورين!
ومن آثار انتشار مرض الحزبية المليشاوية هذه أن يصبح العدوُّ الحقيقيُ أكثرَ قُربا من أبناء الوطن، وقد تستقوي الأحزابُ الميليشاوية بالأعداء لتتمكن من التغلب على منافسيها في الوطن! ومن أعراض هذا المرض أن يتحوَّل مسؤولو الأحزاب من قادةٍ مناضلين متطوعين خادمين إلى سادة وأباطرة مخدومين، وأن يتحولوا بفعل الشعارات والتيجان إلى شخصيات مقدسة يُتهم من ينتقدهم بالكفر الوطني، ويصبح انتقاد سياستهم تجديفا وكفرا!
ومن أشهر أمراض هذه الأحزاب الميليشاوية إقصاء المفكرين والواعين عن مراكز القرار، واعتبارهم ميدالية فخرية في أيدي زعماء الأحزاب غير المثقفين، وكل مثقفٍ يجرؤ على التمرد ويشذ عن هذه القاعدة، فإن مصيره النفي والإبعاد وحجب مصدر الرزق ليموت قهرا!
كما أن الأحزاب الميليشاوية تعمد إلى ما هو أخطر حين تستغل انتشار ظاهرة الفقر والفاقة في المجتمع فتستقطب أتباعها باستغلال حاجاتهم للطعام والدواء. ويتولى الحزب الميليشاوي التغرير بالأطفال الذين يتمتعون بحماية كل القوانين الدولية، هذه القوانين تُجرِّمُ كلَّ من يُغرر بهم ويستغل حاجاتهم للطعام والغذاء والكساء، يحولون الأطفال القاصرين إلى ميليشيا للرصد، يقدمون التقارير عن المنافسين في الأحزاب الأخرى!
ومن أبرز أمراض أحزاب ميليشا العسكر أن تتحول مناسباتها الخاصة من تكتيكات إلى استراتيجيات للهروب من ضآلة إنجازاتها الوطنية العملية فتصبح ذكرى تأسيس الأحزاب طقوسا وكرنفالات وطنية غايتها الرئيسة إبراز صور منظمي الاحتفالات ورؤسائهم، ومنحهم جرعاتٍ زائفة من الفخر الكاذب، حين يصعدون المنابر ينفخون الأبواق بالخطابات المنبرية، كما تنفش الطواويس أجنحتها، ويظنون أن مقياس قوة الحزب تُقاس فقط بعدد المحتفلين!
ومن أعراض أمراض الأحزاب الميليشاوية، أن يتحول أعضاءُ الحزب من داعمين لحزبهم ماديا ومعنويا إلى منتفعين ومتكسبين من حزبهم، منتظرين الفوائد والمزايا والتيجان، وهم يقيسون ولاءهم للحزب بقدر مكتسباتهم منه، فإذا انتفعوا بجني الثروات وتعيين أبنائهم وأقاربهم في مؤسسات الأحزاب مجدوا الحزب وطالبوا غيرهم بالولاء والطاعة، وإن لم ينتفعوا من الحزب ماديا ومعنويا، فإنهم ينقمون وينتقدون!
هناك مرضٌ خطيرٌ آخر يصيب الأحزاب، حين يصبح الحزبُ شبيها بوكالة تجارية حصلتْ على توكيل من دولة أجنبية، هذا الحزب الحاصل على هذا (التوكيل التجاري) يرفع يافطة الوطن صوريا، وفي الوقت نفسه يُعلن الولاء المطلق لداعميه في الخارج!
أخيرا، فإن كل حزب لا يتولى التثقيف والتوعية، وتجديد الدماء باستقطاب الكفاءات الشبابية والمبدعين يتحول إلى بحيرةٍ آسنة لا تنبعث منها سوى الروائح الكريهة تنشر المرض في محيط الوطن!
تذكروا أخيرا، أن الأحزاب في عالم اليوم ليست تكتلات ميليشاوية بل هي مواقع إعلامية، ولوبيات رقمية، وغروبات تكنلوجية، وجمعيات متخصصة في مجالات تنظيم الحياة، لا تحتاج لميليشيا عسكرية! وعصبيات قبلية وأسرية، ولم يعد السلاح التقليدي هو السلاح الفعَّال، فالإعلامُ هو سلاح الألفية الثالثة الصارم القاطع!
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت