كتب المدون محمود حريبات في منشور على صفحته بموقع فيسبوك: "كيلو البندورة بـ11 شيقلا"، مستهجناً الارتفاع الذي طال هذه السلعة، فعلقت إحدى المتابعات: "والكوسا بـ 17، والفليفلة بـ14، والتفاح بـ 15"، في إشارة إلى أن الغلاء لا يقتصر على محصول بعينه.
ويصف صادق كميل، وهو موظف في حسبة قباطية، الارتفاع الحاصل في الأسعار بأنه فظيع ويطال الأصناف الرئيسية التي تمثل "أوكسجين المائدة الفلسطينية"، وهي الخيار والبندورة والكوسا.
ويقول إن هذه المنتوجات أصبحت من أكثر ثلاثة أصناف طرأ على أسعارها ارتفاعات في الأسابيع الأخيرة، حيث وصل سعر صندوق الكوسا إلى 130 شيقلا، وهو مستقر على ذلك منذ أكثر من 3 أسابيع، فيما لم يهبط سعر صندوق البندورة عن حاجز الـ100 شيقل منذ مطلع آذار/ مارس الماضي، فيما بيع صندوق الخيار بـ70 شيقلا، والقرنبيط وصل سعره إلى 80 والملفوف بـ50.
وتتفق الأطراف المرتبطة بالإنتاج الزراعي على أن سبب ارتفاع أسعار هذه الأصناف هو دخولها في عجلة فرضية "العرض والطلب"، التي تقوم على أن العرض المنخفض للسلعة والطلب المتزايد عليها يزيد من سعرها، فيما يؤدي العرض الواسع وقلة الطلب لانخفاض الأسعار.
ويوضح كميل، أن معدل إنتاج دونم البيوت البلاستيكية لا يقل عن 40 صندوقا يوميا في الظروف الطبيعية، إلا أنه اليوم ينتج أقل من 20 في أحسن الأحوال.
ويضيف: "الإنتاج قليل جدا في هذا الموسم، ونحن نتحدث عن انخفاض بنسبة لا تقل عن 60%، وإذا ما قارنا السوق الآن بمثل هذا الوقت من العام الماضي، نجد أن سوق الخضار المركزي كان يبيت فيه يوميا ما لا يقل عن 10-15 ألف صندوق، واليوم لا يتجاوز العدد ألفي صندوق" (المبيت: البضاعة التي يجلبها المزارعون مساء حتى يقوموا ببيعها بحلول الفجر).
ويبيّن مدير اتحاد المزارعين الفلسطينيين عباس ملحم، أن فلسطين تعرضت في هذا الموسم لموجة حر غير مسبوقة، تزامنت مع فترة التبدّل بين العروات (العروة الصيفية والخريفية).
وأوضح أن ذلك تسبب في المحصلة بانخفاض معدل الإنتاج الزراعي من المحاصيل الصيفية، فمن كان ينوي الزراعة عدل عن ذلك حتى يتجاوز أزمة الحر، وأما من بذر فلم تمنحه الحرارة المرتفعة على غير العادة فرصة الإثمار.
وقال، إن المزروعات التي تعقد أزهارها على درجة حرارة 30 مئوية داخل البيوت البلاستيكية، لن تثمر إذا ما وصلت درجات الحرارة إلى 40 و45 كما شهدت العديد من المناطق الزراعية في فلسطين، كجنين وطولكرم وأريحا، وبالتالي قل المعروض في السوق خاصة من الخضروات على غير العادة في مثل هذا الموسم من العام".
وذكر ملحم أنه وفي فصل الصيف يكون عادة الإنتاج الزراعي وفيرا وأحيانا يفيض عن الحاجة، وبالتالي لا ترتفع الأسعار، بل تهبط أحيانا لتلامس حاجز 3 شواقل لصندوق البندورة، على سبيل المثال.
وأضاف، أن البندورة في فصلي الربيع والشتاء تكون معدلات أسعارها أعلى من باقي أوقات السنة، وقد يصل سعر بيع الكيلو الواحد للمستهلك إلى 11 شيقلا، لأن هذين الموسمين ليسا ذروة الإنتاج الطبيعي الذي يكون عادة في فصل الصيف، المشكلة كانت هذا العام أنه وفي وقت ذروة الإنتاج الموسمي، كان الوضع مخالفاً بسبب تبدلات المناخ والحرارة العالية غير المتوقعة ولا المسبوقة، والتي امتدت لفترات طويلة.
وتابع: "من غير المعهود أن تسجل درجات الحرارة في الهلال الزراعي الفلسطيني (الممتد من أريحا إلى طوباس وجنين وطولكرم وقلقيلية) معدلات تصل إلى 45 درجة مئوية أو يزيد عن ذلك، وهي درجات لا يمكن للنبات الإثمار فيها، ولا حتى بزيادة كميات مياه الري".
وذكر مدير اتحاد المزارعين الفلسطينيين عباس ملحم، أن تبدلات المناخ والحرارة والبرودة العالية وفي غير أوانها سببت تطور أجيال جديدة من الحشرات والأمراض التي لم يعهدها المزارعون من ذي قبل، ومنع الاحتلال إدخال أنواع من الأسمدة التي تقوي مناعة النباتات، ترك أثرا على كمية الإنتاج المتوخاة في مثل هذا الوقت من العام.
وشدد على أن الأزمة يدفع المستهلك فاتورتها، حيث يتضاعف السعر خلال مرحلة التسويق والتوزيع، فيما المزارع يعد أقل الفئات استفادة من غلاء الأسعار، فهو لا يحصل سوى على ثمن ما يقوم بحصاده وضمن الأسعار المعهودة.
وتطرق ملحم إلى ضرورة أن تتدخل المؤسسات الرسمية في وقف تصدير الأصناف خلال الأوقات التي تشهد أزمات إنتاج، كالحاصل في هذا العام.
وقال: "حين لا يفي العرض بحجم الطلب، هنا يصبح التصدير للجانب الإسرائيلي يتطلب وقفة ومنعة وموقفا حتى نحافظ على استقرار الأسعار، وحفظ القدرة الشرائية للمستهلكين من ذوي الدخل المحدود".
من جانبها، أشارت مدير دائرة الإعلام الزراعي في الإدارة العامة للإرشاد والتنمية الريفية بوزارة الزراعة ضحى عابدي، إلى أن الوزارة تدخلت بإصدار إرشادات للمزارعين مع بدء التنبؤات بوجود ارتفاعات ملحوظة على درجات الحرارة عن متوسطها السنوي، في محاولة لإنقاذ الموسم الزراعي.
وقالت: "أصدرنا للمزارعين توجيهات للحد من أثر ارتفاعات الحرارة على عملية العقد في الأزهار للمحاصيل الزراعية، لا سيما تلك التي الموجودة داخل البيوت المحمية، كالبندورة والخيار، فارتفاع الحرارة سيفشل عملية العقد، وبالتالي سيخف الإنتاج وترتفع الأسعار كمحصلة حتمية، وهذا ما لاحظناه مع بداية شهر آب/ أغسطس الماضي".
ولإنقاذ ما تبقى من الأزهار الموجودة على الأشتال واجتيازها مرحلة العقد بشكل جيد، كان للإدارة العامة للإرشاد والتنمية الريفية بوزارة الزراعة العديد من الإرشادات، منها تهوية البيوت المحمية برفع البلاستيك الجانبي طوال فترة ارتفاع درجات الحرارة، ورش "الشيد الزراعي" على أسطح الدفيئات لعمل نوع من التظليل، بالإضافة إلى تركيز الري في الفترات الأقل حرارة خلال اليوم لمساعدة النباتات على تفادي الإجهاد الحراري، والامتناع عن رش المبيدات الزراعية والأسمدة في فترة الظهيرة أو فترة الذروة، لأنها قد تسبب حروق في الأزهار والمحاصيل الزراعية.
وبحسب عابدي، فإن المتابعة الميدانية لفرق الوزارة بينت أن الكثير من المزارعين قد أخذوا بالإرشادات وعملوا بها وطبقوها، فيما تكلف آخرون مبالغ إضافية للمساهمة في التخفيف من الأثر المتوقع لارتفاع درجات الحرارة، بتوفير التهوية والرذاذ الضبابي داخل الدفيئات، من أجل توفير الرطوبة اللازمة لمياسم الأزهار لإنجاح عملية العقد.
وتطرقت عابدي إلى سبب آخر لقلة المحاصيل وارتفاع أسعارها وفقاً لمعادلة العرض والطلب في السوق، يتمثل في أن الفترة بين 25 حزيران / يونيو وحتى 25 آب / أغسطس، يخصصها كثير من المزارعين لعملية التعقيم الشمسي، من أجل قتل مسببات أمراض النباتات الكامنة في التربة، التي يمكن أن تؤثر على المحاصيل الزراعية في المستقبل.
وتابعت: "هنالك الكثير من المساحات التي خصصها المزارعون في هذا الوقت لعملية التعقيم الشمسي، وبالتالي لم تشهد زراعات، خاصة في الأغوار وجنين وطولكرم".