- بقلم : د. ميلاد جبران البصير
ما حدث في رام الله في الايام القليلة الماضية اذا عبر عن شيء فهو يعبر وبطريقة واضحة إلى أي مستوى وصلنا إليه في مسيرتنا النضالية إن هذا العمل الوحشي والغجري والرجعي ليس منفردا بحد ذاته فلقد تم في الاشهر والسنوات الماضية الاعتداء على الرموز والشعائر الدينية وفي تلك المناسبات حذرنا وكتبنا ودقينا اجراس الخطر ولكن وللاسف الشديد لم يسمعنا احد ولم يتم تشخيص الافراد او الجماعات المسؤولة عن تلك الاحداث ولم نراهم في قاعات المحاكم .
اليوم تقوم هذة الخفافيش وتتصرف في ظلام الليل لتدمير عمل فني معبر اضافة إلى أنه يكرم من يسهر ليلا نهارا لبقاء رام الله جميلة بل لزياده جمالها. رام الله التي تمثل المؤسسة الفلسطينية والتي تستقبل في مؤسساتها الوطنية وساحاتها الاف المواطنين من كافة بقاع الارض يجب أن تكون جميلة ويجب ان تكرم من يجعلها كذلك.
هذا العمل التخريبي والاجرامي يعبر ايضا وبوضوح إلى أي مستوى ارتقينا به في مشروعنا الوطني وعلى جميع الاصعده دون استثناء منها الصحي و السياسي والاجتماعي والاقتصادي ايضا.
الفجوة الواسعة بين اقليه تتربع في المناصب المهمة والهامة والتي تؤمن لهم مستوى معيشي رفيع يعادل المستويات الاوروبية اذ لم يكن في بعض الاحيان اكثر وغالبية افراد الشعب الذي يجد صعوبه في تأمين لقمة العيش ، الفقر الذي ترسخ وازداد ليس فقط في الشريحة الاجتماعية العاطلة عن العمل بل بين ما يمكن تسميته في علوم الاجتماع الطبقة الوسطى ، العمال والموظفين الذين يعملون ويستلمون رواتبهم حتى ولو بدفعات.
في الأونة الاخيرة يمكن القول أن التحول أو المرض الحقيقي الذي اصاب مجتمعنا الفلسطيني والذي اظهر بوضوح أن مجتمعنا اصلا مجتمعا طبقيا ليس فقط يتكون من الفقير والغني بل ايضا مؤسس على القبلية والعشائرية والنعرات الدينية متطرفة. في هذة الاجواء اصبح المختار أو الوجيه اهم من أي اي مؤسسة واصبحنا نتوجه إلى المختار أو الشيخ الفلاني لحل نزاعاتنا بدل التوجه إلى المحاكم، وأصبحت المحسوبية اهم من أي تحصيل علمي أو شهاده جامعية ، اصبحت القبيلة أهم من الفصيل أو الحزب ، كم مرة سمعنا ونسمع عبارة : انت عارف انا مين وابن مين ؟
اضافة إلى ذلك مجتمعنا وللاسف مجتمع عنصري وانا مقتنع بذلك ، عنصري اتجاة العديد من الشرائح الاجتماعيه المكونة له والعبارات والاقوال الشعبية تعبر عن ذلك وبوضوح : هذا ابن مخيمات ، هذا ظهره محمي ، عنصري ايضا اتجاه المرأة والتي تناضل في البيت وخارجه لاثبات وجودها وما زالت تفعل ذلك لتشارك وبطريقه موضوعية وعملية في عمليه بناء الدوله ومؤسساتها وفي اغلب الاحيان تجد الصعوبات في نطاق العائلة وتجدها فيما بعد في المحيط الاجتماعي الخارجي. مجتمع عنصري ضد الاشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة وعلى جميع الاصعدة وهذه كقضية المرأة مرض عضال يتوجب مواجهته لانصاف هؤلاء الاشخاص وتأمين حقوقهم في البيت، في ايجاد عمل وفي المجتمع . من هذا المنطلق لا بد لنا نحن كشعب وكقياده وفصائل أن نتوقف لحظة لاعادة النظر في الكثير من المعايير والقيم والمعادلات وفي مقدمتها الساحة الداخلية والاقليمية والدولية ايضا لاجراء تغير جذري في بعض مساراتنا النضالية وذلك لكي لا تسبقنا عجله التاريخ ونبقى سجناء انفسنا ولبعض المعادلات والتوازن الاقليمي والوطني والدولي كلهما تنتمي للماضي البعيد. لذلك يتوجب علينا وضع رؤيه استراتيجية جديدة لمواصلة مسيرتنا النضالية والتي يجب أن تشمل ما يلي :
اولا/ اعادة النظر في تركيبة مجتمعنا الفلسطيني بكافة شرائحه الاجتماعية والدينية والفصائلية لأن ما حدث في رام الله ليس عملا منفردا بل له اسبقيات ، مجتمعنا في امس الحاجه لبنائه على أسس وطنيه وشموليه يجب ايجاد عامل مشترك يوحد جميع ابناء شعبنا في المدن والقرى وفي المخيمات وفي الشتات، أن هذا العامل المشترك هو مشروعنا الوطني وفلسطينيتنا.
ثانيا اعادة النظر في دور المثقف الفلسطيني والذي هو حاليا ولأسباب عده منها مهمش من قبل صناع القرار حيث يشعر في الاحباط مثله مثل الكثير من ابناء شعبنا ، أن المثقف الفلسطيني حاليا غائب عن الساحة الفلسطينية للاسف ولكننا الان في امس الحاجه إلى هذا الدور والذي كان له اهميته ودوره البارز والرائد في الماضي ، هذا الدور لا يمكن اهماله وتركه وعدم الاهتمام به وتهميشه لأنه هو الذي سيبلور لنا رؤية جديدة بما يدور في داخل مجتمعنا الفلسطيني وبما يحيط بنا على المستوى الاقليمي. يجب وبطريقة ملحة النظر في كيفية اعادة هذا الدور الحيوي للمثقف الفلسطيني وفي كيفية انخراطه واندماجه في االمؤسسة الرسمية الرسميه علميا وعمليا. يجب توفير وضمان كل الشروط والوسائل والفرص لكي يستعيد المثقف الفلسطيني دوره ومركزه في الساحة ليقوم بدوره ويتحمل مسؤليته وليقدم ابداعاته كما اعتدنا على مر السنين بهذا الخصوص .
ثالثا :الجميع يعلم في التغيرات الاقليمية والعالمية والوطنية التي حدثت وما زالت تحدث ، تغيرات جذريه سياسيا واقتصاديا وعلاقات توازن حيوبوليتيك مختلفة كليا عن المعادلات التي اعتدنا عليها في السنوات الماضية، اليوم لا يمكننا أن نعيش على مدخرات وارباح الماضي، مضى الزمن الذي كانت تعتبر به قضيتنا الفلسطينية قضية محورية. الان وفي هذه التغيرات التي تبدو في الافق ورأينا ما حدث في اجتماع منظمة بريكس في جنوب افريقيا والتي تحاول اعادة تأسيس النظام العالمي على اسس القطبين بدل القطب الواحد. بهذا الخصوص ماذا سيحدث في قضيتنا بما أن السلطة الوطنية قدمت طلب انضمام لهذة المنظمة العالمية ؟ جميع المحافل الدولية والدول منفردة ايضا تقر وتعترف كلاميا فقط في حق الشعب الفلسطيني بتقرير مصيره واقامه دولته المستقله على اساس الشرعية الدولية والقانون الدولي. ماذا سيحدث لنا في حال انضمت فلسطين وقبولها في بريكس؟ هل ستبقى الولايات المتحدة واوروبا بتقديم المساعدات المالية باسم الدول المانحة ؟ ام انها ستتوقف؟ وهل دول بريكس ستضمن هذة المساعدات الماليا لضمان وجود السلطة ومؤسساتها؟.
كما يقول المثل لكل حقبة رجالها ونسائها ايضا، لا يوجد رجال ونساء لكل الحقبات لذلك يجب وضروري ضخ دماء جديدة وشابه في مؤةسساتنا الوطنية ، فهذه التغيرات التي حصلت والتي هي الان تتغير في عالمنا العربي وفي اوروبا تطلب منا وبطريقة ملحه في اعاده النظر وفي رسم أسس جديدة في محيطنا الفلسطيني اولا والعربي فيما بعد والذي كنا وما زلنا نعتبره البعد التاريخي والاقليمي لقضيتنا الفلسطينية.
رابعا: على المستوى العربي، ما يحدث علنا وما سيحدث في الاشهر القادمة علنا ايضا واذا اخذنا بعين الاعتبار ما حدث وسيحدث ايضا سرا ايضا لا يبشر بالخير بالنسبة لنا نحن الفلسطينيون، اصبح واضح للجميع ان محورية قضيتنا الفلسطينية بالنسبة للانظمة العربية ومؤسساتها كالجامعة العربية اصبح ليس له وجود ومن هذا المنطلق يتوجب علينا رسم خطة ورؤيه تسمح لنا ولقضيتنا أن تبقى حيه بين الشعوب والاحزاب العربية على الاقل لذلك اعادة النظر في علاقاتنا وتحالفاتنا الاقليمية اذا اردنا أن تبقى قضيتنا وكما يقول المثل الصيني : ليس مهم ما هو لون القط المهم أنه سيأكل الفأر.
خامسا: الجبهة الداخلي، نحن الشعب الوحيد الذي عنده دولتين ( غزة والضفة) وفي نفس الوقت الشعب الذي ليس له دولة، فالانقسام الداخلي اصبح لا يطاق ولا يمكن السكوت عنه وعليه لأن هذه السياسة كان ثمنها باهضا على كافه ابناء شعبنا وعلى قضيتنا بشكل عام ، هذا التقسيم يفقدنا مصداقية على الساحة الداخلية والاقليمية فعملية الاحباط التي يعيشها الكثبر من ابناء شعبنا في الداخل والخارج ما هي إلا بداية العد التنازلي لنا ولقضيتنا. فعملية انهاء الانقسام اصبح مطلب شعبي وجماهيري ووطني للحفاظ على قضيتنا وعلى مسيرتنا النضاليه. اجراء الانتخابات المحلية وليس بالتسمية التقاسم بين الفصائل أو بين العشائر بل اعداد صناديق الاقتراع وانتخاب البرانامج السياسي وليس ابن العم أو شيخ القبيلة،لقد حان الاوان لوضع حد من الوسيلة التقليدية المتبعة في الكثير من القرى حيث لم تجري أي عملية انتخابية بل تم الاتفاق بين العائلات والقبائل وما يترتب عليه من نتائج في قيادة وادارة تلك القرية أو تلك المدينة. اجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية ايضا اصبح في غاية الضرورة والالحاح لأن بها يتم تجديد المصداقية والشرعية الفلسطينية على المستوى الداخلي والاقليمي والعالمي. تفعيل منظمة التحرير الفلسطينية ومؤسساتها لتشمل جميع الفصائل الفلسطينية بدون استثناء كونها حامية المشروع الوطني الفلسطيني وكونها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني في جميع اماكن تواجده.
ممارسة الديمقراطية ليس فقط على شاشات التلفاز بل على ارض الواقع حيث اي قرار وطني ومصيري يجب اتخاذه بطريقة جماعية وديمقراطية وبمشاركه الائتلاف الحاكم وفصائل المعارضة بدون الانفراد لشخص او فصيل في اتخاذ قرارات مصيريه لنا ولقضيتنا.
بهذه الطريقة في امكاننا بناء سد منيع امام المؤامرات التي تجري وعلى جميع الساحاتفي التطبيع العلني والسري وفتح السفارات والممثليات التجارية وفي نفس الوقت اعادة ترتيب البيت الفلسطيني من الداخل لبناء دولة القانون القائمه على كل شيء يوحد ويلم شمل الشعب الفلسطيني وليس العكس،
اعلامي فلسطيني خبير في شؤون الهجرة والمهاجرين وعضو سابق في اللجنة الاقليمية التابعة لاقليم اميليا رومانيا فرع فورلي وتثيزينا الايطالي المتخصصه في دراسه طلبات اللجؤ السياسي.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت