ربما من الصعب على الإنسان أن يتصور ما تشهده غزة من مفارقات، لعل من أبرزها أنه بينما تُسقط طائرات مساعدات لإطعام وإغاثة السكان المحاصرين، تواصل مقاتلات إسرائيلية بالتزامن إلقاء قذائفها على القطاع الذي يقطنه حوالي 2.3 مليون فلسطيني.
مراسل وكالة الأناضول في العاصمة عمان رصد، يوم الأحد، هذا الواقع الذي يعيشه أبناء غزة، عندما رافق الجيش الأردني على متن طائرة مساعدات جرى إسقاط حمولتها شمالي القطاع، الذي يتعرض لحرب إسرائيلية مدمرة منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023.
الرحلة استمرت ساعات معدودة، شاهد خلالها مراسل الأناضول جانبا من الدمار الهائل في البنى التحتية والممتلكات، فضلا عن مظاهر واضحة للمجاعة، في ظل قيود إسرائيلية على إدخال المساعدات، لا سيما برا، ما أدى إلى شح في إمدادات الغذاء والدواء والوقود.
في قاعدة الملك عبد الله الثاني الجوية بمنطقة الغباوي بين العاصمة ومحافظة الزرقاء (وسط)، اصطفت طائرتان من نوع طراز "C130"، تابعتان لسلاح الجو الملكي، في انتظار شارة الإقلاع.
بدأت الفرق الجوية تتفقد الطائرتين، فيما وضع أفراد من الجيش الأردني لمساتهم الأخيرة على صناديق مساعدات جرى تحميلها في وقت سابق لإغاثة سكان غزة، الذين أجبر الجيش الإسرائيلي نحو مليونين منهم على النزوح في ظروف كارثية، وفق الأمم المتحدة.
دار محركا الطائرتين، وطلب أحد الطيارين من مراسل الأناضول الصعود، قبل أن يغلق باب الطائرة الخلفي، ثم انطلقت صوب وجهة ينتظر أهلها ما يسدّ رمقهم؛ جراء تداعيات حرب اندلعت في ظل حصار إسرائيلي متواصل منذ 17 عاما.
مضى نحو ساعة في الجو، برفقة طاقم عسكري انشغل طيلة الرحلة بالتحضير لمرحلة الإسقاط، وستة صناديق مساعدات، وبعد المرور من فوق البحر المتوسط، بدأت أطراف غزة بالظهور، ليعطي أحد الأفراد إشارة بيده لزملائه، مفادها بأن موعد الإسقاط بعد عشر دقائق.
بعد مرور هذه الدقائق، تم فتح الباب الخلفي للطائرة، وإزالة الأربطة عن صناديق المساعدات، وأعطى ضابط إشارةً لزملائه، فتم إسقاط الصناديق على منطقة شمالي القطاع، بينما عيونهم جميعا تراقب فتح مظلات الصناديق، وعندما اطمأنوا على ذلك أُغلق الباب.
لكن بالتزامن مع إسقاط المساعدات، شاهد مراسل الأناضول أعمدة الدخان تتصاعد في المنطقة؛ بسبب ما يبدو أنها غارات شنتها مقاتلات إسرائيلية ضمن حرب خلَّفت عشرات آلاف الضحايا المدنيين، معظمهم أطفال ونساء، بحسب بيانات فلسطينية وأممية.
وظهرت المنطقة دون مؤشرات على وجود حياة، فمَن رأى غزة قبل الحرب الإسرائيلية، يصعب عليه المقارنة مع الوضع الراهن، في ظل تداعيات الدمار و"التجويع" الذي تواجه إسرائيل اتهامات فلسطينية ودولية باستخدامها "سلاحًا"، بما يرتقي لمستوى "جريمة حرب".
وبعد أن أنجزتا مهمتهما الإنسانية، عادت الطائرتان إلى المملكة، وأعلن الجيش الأردني تنفيذ هذه الإنزالات، بمشاركة 4 دول أخرى بطائراتها، وهي مصر سنغافورة والولايات المتحدة وألمانيا، ليرتفع عدد الإنزالات الجوية إلى 57 إنزالا أردنيا، و86 بالتعاون مع دول أخرى.
وتتصاعد تحذيرات فلسطينية ودولية، ولا سيما من الأمم المتحدة، من شح المساعدات الإنسانية في غزة؛ جراء القيود الإسرائيلية، مع دعوات إلى ضرورة السماح بفتح المعابر البرية لإغراق القطاع بالمساعدات، قبل أن تلتهم المجاعة المزيد من سكانه.
وتواصل إسرائيل الحرب على قطاع غزة، على الرغم من مثولها، للمرة الأولى منذ قيامها في عام 1948، أمام محكمة العدل الدولية؛ بتهمة ارتكاب جرائم "إبادة جماعية".