بينما كانت الطبيبة تضمّد جروح الطفل الفلسطيني عمر الحصري في مستشفى كمال عدوان شمالي قطاع غزة، اشتدت صرخاته من شدة الألم.
لم تكن تلك الصرخات الأولى، ففي كل مرة يتم فيها تنظيف حروقه، يعاني عمر (12 عامًا) من ويلات الألم، لكنه رغم ذلك لا يزال متشبثا بالحياة ومصمما على البحث عن التعافي.
فإثر قصف شنه طيران الاحتلال الإسرائيلي، قبل نحو شهرين، على منزل عائلته، أُصيب عمر بحروق غطت معظم أنحاء جسده الصغير، وتركزت بشكل كبير في وجهه ورأسه، وإثر القصف فقد أمه وعددا من أفراد أسرته.
ندوب الألم
على سرير المستشفى، فقدت ضحكة الطفل بريقها، بعدما انتشرت الحروق على وجهه كالخطوط الحزينة على قماش الحياة، وبرزت الندوب بشكل جلي يروي قصة الألم التي يعيشها.
يصف عمر معاناته، قائلاً: “عندما يتم تغيير الضمادات على جروحي، أشعر بألم شديد يمتد في جميع أنحاء جسدي”.
ويضيف: “ما أن تبدأ الطبيبة في تغيير الضمادات على جرحي حتى أشعر بأنني داخل نفق يتم فيه خنقي، وأشعر بضيق في التنفس”.
لا تقتصر معاناة عمر على آلام جسده، بل يُعاني أيضًا من فقدان والدته والعديد من أفراد أسرته في القصف الإسرائيلي على منزله.
لم يبقَ لعمر في هذه الحياة سوى والده، ومأساة بدلت ملامحه وتركت جرحًا عميقًا في قلبه الصغير.
وأمام تلك الجروح وعذابات الألم، يعجز الأب عن مساعدة ابنه الوحيد الذي بقي له، وتوفير العلاجات اللازمة، في ظل معاناة مستشفيات غزة من شح الأدوية بسبب الحصار الإسرائيلي المفروض على القطاع.
معاناة مضاعفة
بدورها، تقول الطبيبة المعالجة لعمر: “يعاني الطفل من حروق تغطي 70 في المئة من جسده، ولا يتوفر لدينا مسكنات أو علاجات له بسبب الحصار الإسرائيلي المفروض على شمال قطاع غزة”.
وتلفت إلى أن معاناة عمر مضاعفة؛ فقد جميع أفراد عائلته في القصف الإسرائيلي الذي استهدف منزلهم، ولم يبقَ له سوى والده.
وتوضح الطبيبة أن عمر يحتاج بشكل ضروري إلى بعض الأدوية للتماثل للشفاء، محذرة من مضاعفات خطيرة ستواجهه حتمًا إذا لم يتم توفيرها في أقرب وقت ممكن.
وتناشد الطبيبة المنظمات الإغاثية الدولية بتوفير الاحتياجات الطبية والمستلزمات لشمال قطاع غزة، حيث أن المستشفيات هناك باتت عاجزة عن توفير الأدوية والمسكنات للمرضى الذين يعانون من مشاكل صحية جسيمة.
وفي مارس/ آذار الماضي، حذر مدير عام منظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس، من مغبة انهيار النظام الصحي بقطاع غزة المحاصر، مشيرا إلى وجود 10 مستشفيات فقط تعمل بشكل جزئي من أصل 36.
ومنذ بدء حربها على غزة في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، تستهدف القوات الإسرائيلية بهجمات ممنهجة ومتواصلة المرافق الطبية والمستشفيات في مختلف مناطق القطاع، ما تسبب في تدمير المنظومة الصحية، وكارثة إنسانية وتدهور في البنى التحتية.
وخلّفت الحرب على غزة عشرات آلاف الضحايا المدنيين، معظمهم أطفال ونساء، ومجاعة أودت بحياة أطفال ومسنين، بحسب بيانات فلسطينية وأممية، ما أدى إلى مثول إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية بتهمة ارتكاب “إبادة جماعية”.