يعيش سكان قطاع غزة تحت وطأة العدوان الإسرائيلي المتصاعد لليوم الـ 263 على التوالي، وما يرافقه من غارات، ومجازر، وقصف مدفعي، وتصاعد للعدوان البري على رفح.
ومع هذا الوضع القاسي، يعيش المواطنون والنازحون ظروفاً عصيبة، ويواجهون الموت يومياً، إضافة لظروف معيشية وإنسانية قاسية.
رصدت وكالة قدس نت للأنباء مشاهد جديدة من العدوان وتداعياته، منها مشهد يسلط الضوء على استمرار الأزمات في القطاع الصحي، وتهديد المشافي الميدانية بالتوقف جراء شح الوقود، ومشهد آخر يكشف إنشاء قوات الاحتلال منطقة عازلة جديدة جنوب رفح، ومشهد ثالث يوثق ما حل بمناطق شرق رفح من دمار كبير، ومشهد رابع بعنوان "زيادة في الطلب على الماء الشحيح مع ارتفاع درجات الحرارة".
الأزمات وخطر التوقف يلاحق المشافي الميدانية
لا يزال الاحتلال يمارس كل الضغوط الممكنة على المنظومة الصحية في قطاع غزة، ويواصل إنهاكها، ما يعرض حياة الجرحى والمرضى لأخطار محدقة.
فبعد تدمير وحرق عدد كبير من المشافي، وإجبار جميع المشافي والمراكز الصحية في محافظة رفح على الخروج تماماً عن الخدمة، لاحقت الأزمات ما تبقى من مشافٍ ميدانية صغيرة ومتواضعة، أقيمت في منطقة مواصي محافظتي رفح وخان يونس جنوب القطاع.
المشافي المذكورة وهي عبارة عن مجموعة من الخيام، وضعت فيها بعض الأسرّة، والقليل من المعدات الطبية، تقوم بدور كبير، وجهد مضاعف، في محاولة لتقديم ما أمكن من خدمة طبية للجرحى والمرضى.
ومن بين المشافي التي تواجه الأزمات، ويتهددها خطر التوقف في الوقت الحالي، المشفى الكويتي الميداني، في منطقة مواصي محافظة خان يونس، إذ يقول رئيس مجلس إدارة المشفى الدكتور صهيب الهمص، إن مولد الكهرباء الرئيس في المشفى توقف عن العمل، بسبب نقص حاد في الوقود، وحالياً يعمل المشفى بوساطة مولد صغير احتياطي، بقدرة تشغيلية منخفضة ومحدودة.
وطالب الهمص المنظمات الصحية والدولية، بالاستجابة لنداءات الفرق الصحية في قطاع غزة، وإمداد المشافي بالوقود اللازم، فالمشفى لم تصله أي كميات من الوقود منذ تشغيله قبل أسابيع، وهو المشفى الميداني الوحيد الموجود في منطقة المواصي.
بينما أكد أطباء يعملون في مشافٍ ميدانية، أن الوضع الصحي في مناطق النزوح غرب خان يونس صعب بل كارثي، وهناك اكتظاظ شديد وتهافت على طلب الخدمات الصحية، والأطباء باتوا عاجزين عن تلبية احتياجات الناس هناك.
وكانت وزارة الصحة في غزة سبق وطالبت بإنشاء المزيد من المستشفيات الميدانية في جميع مناطق قطاع غزة، خاصة في الجنوب، لمواجهة العجز الكبير في المنظومة الصحية بالقطاع.
منطقة عازلة جديدة جنوب رفح
كشفت صور الأقمار الاصطناعية الجديدة، وما نقله شهود عيان من مناطق جنوب محافظة رفح، إقامة قوات الاحتلال منطقة عازلة جديدة، تمتد على طول طريق صلاح الدين الحدودي "محور فيلادلفيا".
ووفق الصور المذكورة فقد دمرت قوات الاحتلال جميع المنازل المحاذية للمنطقة الحدودية، ابتداءً من معبر كرم أبو سالم شرقاً، وحتى شاطئ البحر في أقصى الغرب، مروراً بأحياء السلام، والبرازيل، ومخيم يبنا، وحي الشعوت، ومنطقة زعرب، وحي تل السلطان.
وأكد شهود عيان أن ما حدث في تلك المناطق هو عملية مسح لكل الكتل العمرانية، والأراضي الزراعية، فلم يكتفِ الاحتلال بهدم البيوت، بل عمل على تسوية الأرض مكانها، وخلق منطقة عازلة جديدة، تمتد ما بين 500 - 800 متر في عمق أحياء رفح.
كما أكدت بعض المصادر أن جرافات الاحتلال وضعت سواتر ترابية مرتفعة على طول المنطقة الحدودية، حيث تتوارى خلفها الدبابات التي تتمركز على طول المحور.
وقال المواطن أحمد فريد، إن منزله الكائن جنوب رفح، تعرض للتدمير بشكل كلي، وجرى مسح المربع السكني الذي يقيم فيه، وإقامة منطقة عازلة تمتد مئات الأمتار.
وبيّن فريد أن ما يحدث جنوب رفح يعد مجزرة للمنازل، وحُكم على مئات الآلاف من المواطنين بالتهجير والنزوح، وعدم العودة لمنازلهم.
وفي أكثر من مناسبة أعلن الاحتلال نيته البقاء في محور صلاح الدين "فيلادلفيا"، وعدم الانسحاب منه، في حين أحرقت قواته ودمرت معبر رفح بصورة شبه كلية.
وجاءت إقامة المنطقة العازلة جنوب رفح، بالتزامن مع إقامة منطقة أخرى مشابهة، شرق المحافظة، على طول خط التحديد، وهذا الأمر تسبب باقتطاع مساحات كبيرة من أراضي المحافظة.
شرق رفح دمار كبير
تمكن مواطنون من الوصول إلى بعض المناطق شرق محافظة رفح خلال اليومين الماضيين، وقد فوجئوا بدمار كبير وغير مسبوق، طال المنازل، والشوارع، ومرافق البنية التحتية.
وتركز الدمار شرق رفح في حي التنور، وحي الجنينة، خاصة محيط مسجد عباد الرحمن، ومفترق "عدنان أبو طه"، ومفترق المشروع، وبلدة الشوكة ومناطق أخرى.
وقال الشاب خليل سليم، إن البعض أخبره بتدمير منزل عائلته، وعاش ووالده حالة قلق كبيرة، حتى قرر المغامرة والتوجه للمنطقة، رغم وجود الدبابات في معظم أحياء محافظة رفح.
وأكد أنه سار على طريق صلاح الدين ووصل إلى مستشفى غزة الأوروبي، ومنه واصل السير لمنطقة المشروع، ودخل إلى حي التنور من الناحية الشرقية، وبمجرد وصوله إلى مدخل رفح بدأ يشاهد الدمار والخراب.
وأكد أن ما شاهده كان صادماً، فالدمار كان كبيراً، ومربعات سكنية جرى تدميرها بالكامل، وشوارع تم تجريفها.
وأوضح سليم أنه بمجرد مشاهدته لحجم الدمار عاد بالذاكرة لما سبق وشاهده في محافظة خان يونس، فالاحتلال أعاد تكرار نفس الأمر في رفح.
في حين قال المواطن خالد سلامة، إن حجم الدمار في مناطق شرق رفح كبير، لكن كل المؤشرات تؤكد أن حجم الدمار في مناطق وسط وغرب رفح أكبر وأعمق.
وبيّن أنه وصل إلى بعض المناطق في حي الجنينة، وشاهد دماراً صادماً، لم يسبق أن شاهده، فالمنزل الذي نجا من التدمير، لم يسلم من القذائف وإطلاق النار، أو الحرق.
وبيّن أن الاحتلال أحدث حفراً في مناطق واسعة من شرق رفح، كما جرى اقتلاع طبقة الإسفلت من الشوارع الرئيسة والفرعية.
الماء الشحيح مع ارتفاع درجات الحرارة
زادت حاجة النازحين للمياه بشكل مضاعف منذ مطلع الشهر الجاري، مع ارتفاع درجات الحرارة على نحو كبير في المخيمات.
وقوبلت تلك الزيادة باستمرار شح المياه، وندرة مصادر توفرها، خاصة في محافظة خان يونس، التي تعرضت لأكبر وأوسع عملية تدمير، وفقدت معظم مرافق البنية التحتية فيها.
ويواجه النازحون معضلة يومية من أجل تعبئة عدة ليترات من الماء، إذ قدرت مؤسسات الأمم المتحدة، أن الفرد النازح في مناطق جنوب القطاع، يحصل في أحسن الأحوال على 3 لترات من الماء يومياً.
وقال المواطن محمد أبو طه، ويقيم في مواصي رفح، إنه وفي الأسابيع الأولى من نزوحه بداية شهر أيار، كانت الحاجة للماء أقل، لكن الآن ومع زيادة درجات الحرارة، أصبحت هناك حاجة أكبر للمياه، بشقيها الشرب، والاستعمال المنزلي، موضحاً أنه يشتري كل يوم نحو 35 لتراً من مياه الشرب، مقابل 10 شواكل، ويحتاج إلى نحو 60 لتراً للاستعمال المنزلي.
وأوضح أن الحصول على المياه مرهق، لكنه مجبر على توفيره، فطوال اليوم يقوم أفراد العائلة بغسل وجوههم وتبليل رؤوسهم بالماء لتخفيف وقع الحر، مع زيادة في غسل الملابس بسبب تكرار تغييرها جراء كثرة التعرق.
بينما قال المواطن جمال عبد الرحيم إن المياه هي السبيل الوحيد لضمان عدم إصابة أبنائه بضربات شمس، أو إجهاد حراري، لذلك يعمل على توفير المياه في الخيمة، لغسل الوجوه، وتبليل الجسم، ووضع كمادات مياه على الرأس.
وبيّن أن البقاء في الخيمة في النهار أمر كارثي، فدرجة الحرارة داخلها تصل في ساعات الظهيرة إلى 45 درجة مئوية، ودون المياه يمكن أن يحدث أمر كارثي للعائلة، لذلك يحاول جاهداً توفيرها، رغم أن مصادرها قليلة، ونقاط التعبئة بعيدة، ولا توجد وسيلة نقل.