أصدر مركز الميزان لحقوق الإنسان** تقريرًا متخصصًا بعنوان "إبادة البيئة"، يوثق فيه التدمير الشامل الذي طال مكونات البيئة المختلفة في قطاع غزة نتيجة الحرب التي تشنها قوات الاحتلال الإسرائيلي منذ السابع من أكتوبر 2023. التقرير يسلط الضوء على الدمار الهائل الذي ألحق بالبنية التحتية والبيئة الفلسطينية، وهو ما يعتبره المركز انتهاكًا واضحًا للقانون الدولي الإنساني واتفاقيات جنيف، وتحديدًا اتفاقية جنيف الرابعة المتعلقة بحماية المدنيين وقت الحرب.
إبادة مكونات البيئة في غزة
يشير التقرير إلى أن استهداف البيئة الفلسطينية كان مقصودًا ومنهجيًا، حيث طال التدمير قطاعات المياه، الصرف الصحي، النفايات الصلبة، التربة، والهواء. كما تسبب ذلك في تلوث سمعي وأدى إلى انتشار الأوبئة والأمراض بين السكان. يؤكد التقرير أن هذا الوضع يضع سكان غزة أمام كارثة بيئية تهدد حياتهم.
الاعتداء على قطاع المياه
تسببت الحرب في تدمير 70% من البنية التحتية للمياه، مما أثر بشكل خطير على وصول السكان إلى المياه الصالحة للشرب. بلغت نسبة الفاقد في المياه حوالي 70%، وانخفضت حصة الفرد اليومية إلى 8 لترات فقط. تم تدمير حوالي 180 ألف متر من شبكات المياه، وتعطيل 203 آبار من أصل 319 في القطاع. كما تم تدمير 33 خزانًا رئيسيًا للمياه وأكثر من 500 نقطة توزيع.
تدمير شبكات الصرف الصحي
تعرضت شبكات الصرف الصحي في غزة لتدمير ممنهج، مما أدى إلى طفح المياه العادمة في الشوارع وبين المنازل وخيام النازحين. دُمرت محطات المعالجة ومحطات الضخ، مما تسبب في تدفق مياه الصرف الصحي إلى البحر، حيث تصل الكميات غير المعالجة إلى 130,000 متر مكعب يوميًا، مما أدى إلى تلوث البحر والشاطئ وتفاقم معاناة النازحين الذين لجأوا إلى هناك.
أزمة النفايات الصلبة والطبية
نتيجة الحرب، تكدست مئات الأطنان من النفايات في الشوارع والساحات العامة، خاصة بالقرب من مخيمات النازحين. كما تعرض مكب النفايات الرئيسي في الفخاري للتدمير، مما أدى إلى أزمة بيئية كبيرة. ارتفعت كمية النفايات في جنوب ووسط القطاع إلى 1,400 طن يوميًا مقارنة بـ500 طن قبل الحرب. كما توقفت عمليات فرز النفايات الطبية في المستشفيات، مما زاد من مخاطر اختلاطها بالنفايات المنزلية.
الدمار الذي طال التربة والزراعة
تسببت الحرب في تدمير حوالي 38-48% من الغطاء الشجري في غزة، وأكثر من 65 كيلومترًا مربعًا من الأراضي الزراعية. كما دمرت قوات الاحتلال الأشجار المثمرة والمزروعات، مما أثر على القطاع الزراعي بشكل كبير. امتدت الأضرار لتشمل الثروة الحيوانية، حيث تضررت مزارع الأبقار والدواجن والأسماك بشكل كامل.
التلوث الهوائي والسمعي
ساهمت الانفجارات الهائلة والقصف الجوي والمدفعي في تلويث الهواء بشكل كبير، حيث تشير التقديرات إلى أن قوات الاحتلال استخدمت ما يقارب 85 ألف طن من المتفجرات. أدت هذه المتفجرات إلى انبعاثات غازية خطيرة، تجاوزت قطاع غزة ووصلت إلى دول الجوار. إلى جانب ذلك، عانى سكان غزة من تلوث سمعي بسبب استمرار أصوات الانفجارات وتحليق الطائرات بدون طيار، مما أدى إلى تأثيرات صحية ونفسية خطيرة.
المطالب الدولية
دعا مركز الميزان لحقوق الإنسان في تقريره الأخير المجتمع الدولي إلى تحرك عاجل وفاعل لإنهاء ما وصفه بحرب الإبادة الجماعية بحق سكان غزة، مطالبًا بفرض وقف فوري لإطلاق النار. وحث المركز على ممارسة ضغوط جادة على سلطات الاحتلال الإسرائيلي لوقف التدمير المستمر للبيئة الفلسطينية وتوفير الاحتياجات الأساسية لسكان القطاع.
كما شدد المركز على ضرورة إرسال لجنة دولية للتحقيق في عمليات الإبادة البيئية وتفحص آثار الأسلحة المستخدمة على المزروعات والمياه الجوفية. ودعا إلى فتح المعابر بشكل فوري لإدخال المعدات والمواد الضرورية لإصلاح البنية التحتية المدمرة في غزة.
وأشار المركز إلى أهمية تجنيد الدعم المالي الدولي لمشروعات تتعلق بإدارة النفايات والمياه والنظافة العامة لتحسين الوضع البيئي المتدهور في القطاع. وأكد أن تدمير البيئة في غزة يعد جريمة حرب بموجب نظام روما، داعيًا المحكمة الجنائية الدولية إلى فتح تحقيق في هذه الجرائم.
وحذر التقرير من أن تدمير البيئة في غزة يمثل تهديدًا حقيقيًا لحياة الإنسان والحيوان على المدى القريب والبعيد، ويؤدي إلى كارثة بيئية وصحية مستمرة.