بعد أيام طويلة من القصف العنيف ونداءات الإخلاء، نجح سعيد غانم وعائلته في الفرار من الموت في بلدة بيت لاهيا شمال قطاع غزة إلى مدينة غزة، حيث وجدوا أنفسهم في رحلة نزوح قاسية مشياً على الأقدام لمسافة 18 كيلومتراً.
غانم، والد لستة أطفال، يروي بصوت متعب: "هربنا من الموت إلى مصير مجهول. وصلنا إلى منطقة الشيخ رضوان في ساعة متأخرة وبتنا في الشارع في برد قارس." صباح اليوم التالي، عثر على بناية مدمرة جزئياً، وبدأ بتنظيف غرفة صغيرة في الطابق الأرضي لاستعمالها كمأوى لعائلته، متسائلاً بمرارة: "ما الذنب الذي اقترفناه لنعيش هذا العذاب؟"
شادية، زوجة غانم، تعتبر هذه الغرفة المهدمة "الملجأ الأخير" لعائلتها. وتصف حياتهم داخلها بأنها غير إنسانية: "الغرفة بلا سقف ولا حمام ولا مطبخ. كنا نعاني من شح المياه والغذاء في بيت لاهيا، لكن هنا لم يتغير الكثير."
منذ بداية العدوان في 5 تشرين الأول الماضي، دمر جيش الاحتلال 160 ألف وحدة سكنية كلياً، و83 ألفاً أصبحت غير صالحة للسكن، وفقاً للمكتب الإعلامي الحكومي في غزة، مما يجعل نسبة الدمار تصل إلى 86%.
غسان حنون، أحد النازحين من مخيم جباليا، يروي قصته وهو ينظف أنقاض منزل دمره الاحتلال ليصبح مأواه الجديد: "قبل الحرب كنا نعيش حياة جميلة بمنازل مليئة بالمقومات الأساسية، أما الآن نعيش وسط الدمار. نحفر آباراً بدلاً من الحمامات ونستخدم الحطب بدلاً من الغاز."
حنون، الذي فقد نصف وزنه بسبب المجاعة وارتفاع الأسعار الجنوني، يقضي يومه في البحث عن الطعام لعائلته، قائلاً: "قبل الحرب كانت الأسواق مليئة بكل ما نحتاجه، أما اليوم نحاول البقاء على قيد الحياة وسط هذه الظروف المأساوية."
في وقت سابق، قدّر وزير الأشغال العامة عاهد بسيسو حجم الركام الناتج عن الحرب بـ40 مليون طن، بينما أوضحت الأمم المتحدة أن إزالة هذا الركام قد تستغرق 14 عاماً.
وسط هذه المأساة الإنسانية، تبقى قصص النازحين شاهداً على معاناة شعب يبحث عن الأمان تحت ظل الاحتلال والدمار المستمر.