زياد خداش يصنع "سنابل الحقل" من وثائق شهداء "انتفاضة الأقصى"

زياد خداش


تجلّى المعنى المجازي للشهادة في كلمات القاص زياد خداش، الذي مزج ما بين الأدب والدراما ليعكس الجماليات والمآسي في أحداث تاريخ الشعب الفلسطيني، في مجموعته القصصية "سنابل الحقل: قصص الأطفال الشهداء"، واحتضنت قاعة مؤسسة إنعاش الأسرة" في مدينة البيرة، فعالية إطلاقها، بعد ظهر أمس.
عبّر خدّاش عن الحزن والألم بسبب فقدان العديد من الأطفال الذين اغتيلوا، مشيراً إلى أن الكتابة عنهم ليست بالأمر السهل، بل تحتاج إلى تواصل عميق مع حياتهم وأحلامهم، وتحدث عن الكيفية التي من خلالها سعى للتعرف عن كثب على حيوات الأبطال الشهداء، متطرقاً إلى تفاصيل حياتهم الصغيرة، من قبيل ماذا كانوا يحبون، وما الذي يسعدهم أو يحزنهم.
خداش في مجموعته الصادرة عن دار طباق للنشر والتوزيع، بالتعاون مع جمعية إنعاش الأسرة، كما في كلمته في حفل إطلاقها، اخترق الحواجز الزمنية والوجودية، لدرجة أنه كان يشعر وكأنه واحد من هؤلاء الشهداء، يعيش تجاربهم، حيث قام بمحاكاة أرواحهم بطريقة تعيد الذاكرة إلى تلك الفترات.
استعرض خداش، في قراءته لواحدة من قصص المجموعة، كيف أن كل معلم فلسطيني يواجه مقعداً فارغاً في الصف، يُعد رمزاً للفقدان، ويتطلب منه أن يحمل وزن هذا الغياب في كل درس يقدمه، لافتاً إلى أن تجسيد ذكريات أولئك الأطفال في الفصول الدراسية وفقدانهم يفرض حنيناً دائماً، ما جعل أي درس عن التاريخ أو الرياضيات يرتبط ارتباطاً وثيقاً بذكراهم.
وأظهر العمق العاطفي الذي تحمله القصص، فكل مقعد فارغ يعد تذكيراً مؤلماً بفقدان الأرواح التي كانت تسعى للعلم وتعيش الحلم بمستقبل أفضل، مُشيراً إلى أن وجودهم يبقى حاضراً في قلوب زملائهم، مُواصلاً الحديث عن التحديات التي يواجهها المعلمون الفلسطينيون في ظل غياب هؤلاء الشهداء، وكيف أن دموع الأمهات تنعكس على وجوه الأطفال في المدارس، ما يخلق جوّاً مُعقداً يمزج بين التعليم والفقدان.
وكانت ريم مسروجي، رئيسة مجلس إدارة جمعية إنعاش الأسرة، شدّدت على قوة الأمهات اللواتي فقدن أبناءهن، وصمودهن الأسطوري في مواجهة الاحتلال، ما يعكس شجاعة وعزيمة الشعب الفلسطيني، مُبرزة دور الشهداء في إعادة الأمل إلى المجتمع، حيث تُجمع الكلمات بين التأكيد على ألم الفقد ومعاني الصمود، في ظل المعاناة المستمرة، لافتة إلى أن القصص التي توثق حياة الشهداء تبقى حاضرة في الوعي الوطني، حيث يعكس هذا الفقد عظمة التضحية، فيما تستمر النداءات لاستذكار الشهداء كجزء من النضال الفلسطيني المتواصل، وهو ما بادرت إليه الجمعية، عبر الخروج بهذه المجموعة القصصية من وحي أرشيفها حول شهداء انتفاضة الأقصى (الانتفاضة الثانية)، التي اندلعت في العام 2000.
وتطرقت مسروجي إلى أهمية دور الكتابة في توثيق قصص الشهداء، حيث يسلط الأضواء على أهمية الحفاظ على تلك الذكريات، مؤكدة أن الشهداء ليسوا مجرد أرقام بل قصص وملاحم.
وكان وسام الرفيدي، منسق الدائرة الثقافية في جمعية إنعاش الأسرة، اكتشف تلك الوثائق والقصص التي يحويها الأرشيف الثري للجمعية، بحيث تم تكليف خداش بكتابة تلك القصص بطريقة درامية، ما سهل على القارئ تخيّل حياة الشهداء.
وأشار الرفيدي إلى أن هذا المشروع يعد بداية لتدوين قصص الشهداء بشكل يجسد حيواتهم، ويعبّر عن أمل الجمعية في الوصول إلى عدة مؤسسات وأشخاص للمشاركة في توثيق هذه القصص، لتستمر الكلمات في التأكيد على واجب المجتمع في حفظ وتدوين ذكرى الشهداء، من بابا الإيمان بأهمية الصمود والحفاظ على الذاكرة الجمعية، مؤكداً في نهاية المطاف على مساعي الجمعية بالاستمرار في هذا النهج.
وشدّد الرفيدي على أن اختيار القصص جاء بحيث يعبّر عن شهداء من أجيال مختلفة، بعضهم أطفال رضّع، ومن مناطق مختلفة في فلسطين، مشيداً بدور القاص زياد خداش بتحويل سيرهم المؤرشفة إلى نصوص قصصية إنسانية، تكرس عملاً يجب أن يتواصل لجهة إحياء ذاكرة الشهداء.
وقبل تكريم ذوي الشهداء ممّن تناول الكتاب قصصهم، تحدثت حنان أبو غوش، شقيقة الشهيد ياسر أبو غوش، عن تفاصيل إنسانيّة من حياته، هو الذي كانت تربطه بجمعية إنعاش الأسرة علاقة خاصة، وقرّر أن يكون جزءاً من النضال ضد الاحتلال، فطورِد لثلاثة أشهر قبل استشهاده، مشيرةً إلى أن أطفال العائلة لا يزالون يتذكرونه ويسألونه عنه، ما يعكس قوة تأثير الشهداء المستمرة.
وعبّر قصص المجموعة، أعاد خداش صياغة سير الشهداء: حسام عماد الديسي، ومحمود مصطفى محمود مطير، وشاكر حسونة، وأحمد القواسمي، وصابرين عبد الكريم أبو سنينة، ووضحة رضوان الصيداوي، وياسر الأشقر الطويل، ومحمد نبيل حامد، وبراء كمال أبو سمرة، وبلقيس أحمد توفيق العارضة، وشقيقها سفيان، ووائل مطلق عسّاف، وأسعد عبد الرحمن دقة، ومحمد عادل أبو طاحون، ووجدي علّام حطّاب، وفارس عودة، ومحمد سعدي حلس، وكرم فتحي الكرد، وخليل إبراهيم المغربي، وإيناس سمير أبو زيد، وشقيقها سليمان، ووالدهما سمير.

المصدر: وكالة قدس نت للأنباء - رام الله