كتب عيسى قراقع :- أغلق حاجز الكونتينر يوم 24/12/2024 في أيام الاحتفال بأعياد الميلاد المجيدة، حالة استنفار واسعة للجنود الاسرئيلين، الناطق العسكري الإسرائيلي أعلن ان منطقة بيت لحم هي منطقة عسكرية يحظر الدخول إليها والخروج منها، وكشفت الصحف العبرية ان شخصاً خطيراً ومشبوهاً في طريقه إلى مدينة الميلاد، وانه يشكل خطراً وجودياً على دولة إسرائيل، وهناك على هذا الحاجز العسكري المقام على سفح تلة مرتفعة تطل على وادي النار السحيق، تم إيقاف السيد المسيح عليه السلام وصدر امر باعتقاله.
إلى أين أيها المسيح؟ قال: الى كنيسة المهد وابعد من ذلك، الى غزة والسجون والمعسكرات، عدت احمل رسالة الخلاص لأبناء شعبي، حان الوقت لوضع حد لهذا الطغيان الصهيوني، لقد امتلأت الأرض المقدسة بالجثث والمذابح وأعواد المشانق والصلبان ، سوف الملم عذابات أبناء شعبي وأشلائهم، وبمشيئة الرب احيي العظام وهي رميم.
بعد أكثر من عام على الإبادة الدموية في قطاع غزة، لم يتدخل احد لإنقاذ الشعب الفلسطيني من التطهير العرقي والقتل اليومي سوى المسيح، يبدو ان التوحش الصهيوني الغير مسبوق قد استنفر النبوءة والإلهة ، وهذا المسيح مسلح بالإيمان واليقين، وبالقدرة الروحية والسياسية والإنسانية على بناء دولة فلسطينية فوق صخرة الميلاد، دولة الحب والسلام والإبداع والجمال للمسيحيين والمسلمين وكل العباد، أبناء الله الذين صمدوا على هذه الأرض المباركة احياء وأمواتاً، ولن يركعوا لأحد إلا لله في الصلاة.
اختار السيد المسيح طريق وادي النار الذي كان يطلق عليه وادي جهنم او وادي الأرواح، ليصل الى بيت لحم، هذا الوادي الذي يتكون من 14 منعطفاً حاداً يرافقه النزول العميق في مسافة تزيد عن 1000 متر تحت سطح الأرض، وهي تساوي مراحل درب الآلام في حياة السيد المسيح منذ ان حكم عليه المجلس الأعلى لليهود في المحاكم الرومانية بالصلب والإعدام والموت، وفي كل منعطف يمثل فصل من فصول معاناته، فمن الحياة الى الموت ثم الى الحياة حتى التقى بعد الصلب بوالدته مريم العذراء.
اعتقل المسيح لأنه أراد ان يجعل للمعاناة والتضحيات معنى تحررياً وروحياً وإنسانيا، لهذا اختار في عودته طريق وادي النار، فحسب المعتقدات الدينية فأن الصراط المستقيم يوم القيامة سيمتد من باب الرحمة الى جبل الزيتون الذي يفصل بينهما الوادي، ومن لا يتمكن من عبور الصراط سيسقط فيه، وهذا الوادي هو صلة الوصل بين السماء والأرض، وبين الحياة والموت، وفي هذا الوادي تكمن كل رموز الرواية التاريخية والحضارية والثقافية والدينية للشعب الفلسطيني ، وكان قد شهد هذا الوادي تعذيب وقتل المسيحيين على يد الإمبراطور الروماني ديوكليتانوس، يقول المسيح : لا تخش الأعماق ، فمن خلال التصادم بين النار والدم يظهر المعنى الفائق متجدداً ومنعشاً، الطريق في داخلنا وليست في الإرشادات والتعليمات، فمن قوتك الداخلية سترى كيف تصبح روحك خضراء.
ارتعبت دولة إسرائيل من عودة المسيح في هذا التوقيت، واستغربت قدرته على تجاوز أكثر من 800 حاجز عسكري وبوابة حديدية وسواتر ترابية منتشرة في الأراضي الفلسطينية المحتلة ، والذي أقلقهم أكثر مرور المسيح على حارة النصارى في القدس حيث يوجد حجر كتب عليه ( يسوع الناصر ينتصر) ولقائه مع نساء القدس حيث قال لهن: اذا فعلوا في العود الاخضر هكذا ويرمز لنفسه فكيف يفعلون في العود اليابس، وقام بالاتصال بالقديس هيلاريون الغزاوي وقال له: اشعل الشموع إنا في الطريق إلى بيت لحم ومن ثم إلى غزة.
عاد المسيح الى بلده لأن مبادئ وقيم المحبة والسلام والمسرة قد دمرت على أيدي الهمجيين والشياطين الذين استباحوا الإنسانية والعدالة وكرامة الإنسان في بلده فلسطين ، ولأول مرة يحمل المسيح بندقية وفأساً وإنجيلاً ومن حوله جيش سماوي لإنقاذ البشر من هذا الخراب وهذا الحريق الذي يزاد سعيراً، انها غزة ، انها القدس ابعد من ان تكون خبراً او رواية او صراعاً على ارض بعثروا أشلائها في الخيام المتناثرة هنا وهناك ، او في الخطابات او الإعلام تصويراً وقصائد ومؤتمرات وبيانات، انها ارض الأنبياء ، الثقافة والرسالات والتاريخ والحضارات منذ آدم وحواء.
القي القبض على السيد المسيح على مشارف بيت لحم، اعتقل صوته الذي ينادي على المدينة المحاصرة: يا روحي اين انت ، هل تسمعيني ؟ هل انت هنا؟ لقد عدت، انا هنا مجدداً ، لقد أزلت غبار الأرض كلها عن إقدامي واتيت اليك ، انا معك بعد سنوات طويلة من الغياب ، عدت اليك مجدداً، قادتني النجمة الأخيرة اليك ، أعطني يدك يا روحي، ساحطم قيدك ونعيش الى ما بعد الوراء، العيش بحرية نحو الامام ، سنغسل أجسادنا ونتعمد في صلاة منتصف الليل حتى يضيء الحق في الصلاة .
ايها العالم الغربي الذي سيصلي في الكنائس هذا العام، تحتك إنقاض وفوقك انقاض، سيطفئ الرب شموعك وسيغرسها في عينيك، عيناك عمياءً وعمياء، الابادة الفظيعة في غزة اغلقت ابواب السماء بجثث الأطفال والنساء ، لن تقرع الأجراس هذه السنة، فالهواء يرتجف ومدجج باصوات القنابل والطائرات ، كل شيئ صدى ، حديد وجوع ومقابر ورفات .
اعتقل المسيح على حاجز الكونتينر العسكري خلال عودته الروحية الى وطنه، وكان ضرورياً ان يعود بأقصى سرعة ممكنة ، وكما يقول خرجت من الأعماق بعد ان وجدت في بلادي برداً مرعباً يهبط من الفضاء، لا بد من لحظة تحول لننتقل من عالم الدم المغلق الى عالمنا المفتوح ، هناك جرائم ولكن لن نتحدث إلا مع الحياة، الظلام الذي هجم علينا يزيدنا نوراً، وانا احمل رسالة تقول: الالهة في بلادي لا تبكي ، السماء رحيمة تعيد لحمي وعظامي وغيابي وكلامي ، وفي هذه السنة فاني اعلن ان الكنيسة هي المعبد والخندق، وبعد قليل سنفتح قبورنا ونقيم عالمنا ونطلق الاغاني.
القي القبض على السيد المسيح على حاجز الكونتينر، اجتمع الحاخاميون الصهاينة والقادة والجنرالات العسكريون، قالوا: ان من علامات عودة المسيح ظهور الوحش وانتشار الضيق العظيم، وفي ذلك نهاية دولة اسرائيل، وها هو الوحش الصهيوني يظهر ، وكان قد تنبأ به السيد المسيح عندما قال ( ويل لساكني الارض والبحر عندما يظهر الوحش على شكل انسان)، واعتقد القادة الإسرائيليون ان المسيح قد عاد ليحمل دولة اسرائيل المسؤولية عن جريمة اعتقاله وصلبه واعدامه واستمرارها في اعدام وقتل سكان الاراضي المقدسة ومحوهم من الوجود، وقالوا المسيح ذبيحتنا الاولى، فلا بد من اعتقاله وزجه في السجن مع الاف المعتقلين ، سنرسله الى معسكر سدي تيمان حيث الاخفاء القسري والتعذيب والجحيم، وهناك سنصلبه مرة اخرى ونلقيه في وادي النار الى جانب المئات من القديسين الذين سفكنا ارواحهم في هذا الوادي ، لكن المعضلة التي تواجه دولة اسرائيل ان المسيح في كل مرة يعود، يرونه مرة في رفح وجباليا، ومرات في القدس وجنين، انهم احفاده وابناؤه الذين يخرجون من مقابرهم ويفتحون الطريق.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت