لجنة إسناد مجتمعي: لا تُدار المصائر بالترقيع

بقلم: أكرم عطا الله

منذ بداية الحرب كان واضحاً أن هناك إجماعاً إسرائيلياً وعربياً ودولياً تقف خلفه الولايات المتحدة بكل ما تملك من أسلحة ونفوذ، يقضي بعدم السماح باستمرار حكم حركة حماس لقطاع غزة. وتحت هذا الهدف المعلن كان نتنياهو يجد متسعاً من الوقت لتدمير مدن غزة وجعلها غير صالحة للحياة. ومنذ البداية لكل من يعرف بالسياسة وتوازناتها كان يطالب الحركة بقطع الطريق وسرعة الإعلان عن تخليها عن حكم القطاع لنزع مبرر تمديد الحرب، لكن الحركة في البدايات لم تلتقط الفكرة لتقول إن «ما بعد حماس هي حماس».

وبعد أن انتقدت الكتّاب الذين كانوا يحاولون البحث مبكراً عن مخارج تخفف من هول القادم، والآن وبعد قراءة متأخرة  تحاول قطع الطريق على إبادة بغطاء دولي، جاءت بالحديث عن لجنة لا تشارك فيها حركة حماس يجري تداول فكرتها مع مصر وبعض الفصائل الفلسطينية، وسط خلاف جديد مع السلطة وحركة فتح، كجزء من التقليد الفلسطيني الذي لن يشفى من صراعاته، فقد أحالت حركة فتح الأمر هذه المرة للجنة التنفيذية للمنظمة التي جرى إفاقتها على عجل لرفض اللجنة قبل أن تعود لكمونها.

هل نتفق أن طرد السلطة من قطاع غزة كان استثناءً خاطئاً وليس فعلاً سوياً في المسار الفلسطيني؟ إذا كان الأمر كذلك فهذا يعني أن السلطة هي من يتحمل مسؤولية قطاع غزة، أما من يرى طردها كان حدثاً وطنياً بغض النظر عما أورثه ذلك الحدث من مآسٍ وصلت ذروتها في تدمير مدنه، فمن حقه أن يبحث عن أي خيار باستثناء الخيار الطبيعي وهو عودة مسؤولية السلطة، والتي لم يخفِ بنيامين نتنياهو رفضه لهذا الخيار باحثاً عن أي شيء إلا السلطة وحماس. وإذا كان خيار رفض حكم حماس هو قرار دولي وإقليمي لكن خيار السلطة يحظى بدعم دولي وإقليمي، لكن المهم هل نريد تصحيح خطأ طرد السلطة أم استمرار الهروب للأمام؟ أم تصحيح الخطأ بخطأ أكبر؟

لا يعرف الذين يبحثون عن حلول على نمط لجان، أنهم يقعون في الفخ الإسرائيلي الذي يبحث عن خيارات بديلة على نمط لجان إسناد مجتمعي أو ما شابه، وهي حلول ترقيعية قياساً بالمأساة الفلسطينية، وكأن قطاع غزة لم يشبع على امتداد سنوات طويلة من الترقيع الذي حوّل سكانه إلى حالة من التسول، لتبلغ ذروتها نتاج جملة من السياسات الخاطئة وصلت ذروتها في السابع من أكتوبر، حين أقدمت  حركة حماس على الانتحار الجماعي دون أن تقرأ لوحة السياسة وتوازناتها، لتنتهي بتدمير القطاع وعيش سكانه بين الخيام، لأنها لم تدرك أن الفلسطينيين يواجهون عدواً وحشياً هو جزء من عالم يمتلك القوة الكاسحة، وأن مقارعته تحتاج إلى كثير من الحكمة والعقل وليس الأحلام البريئة والرغبات.

هل هذه هي السلطة النموذجية بالنسبة للفلسطينيين؟ بالقطع لا، فهي سجلت وتسجل الكثير من الإخفاقات وفقر الإدارة وتدني الكفاءة، لكنها هي السلطة الشرعية المسؤولة عن الشعب الفلسطيني وفقاً للاتفاقيات المودعة في الأمم المتحدة، وأن قطاع غزة هو مسؤولية السلطة، وأن أي حلول خارج هذا السياق هي حلول تكشفها بعض المعلومات عن تواصل إسرائيلي ولقاءات مع بعض الشخصيات، لترؤس لجنة لإدارة غزة، بل ووصل بها الأمر لتحديد راتب رئيس اللجنة.

في السياسة لا شيء عبثي، وخاصة حين يتعلق الأمر بإسرائيل تقل المصادفات وخصوصاً حول قطاع غزة الذي ظهر منه يوماً ما خطر اعتبرته وجودياً، وتسعى لهندسته بالتفاصيل وفق الرؤية الإسرائيلية، بدءاً من السيطرة الأمنية وإنشاء قواعد عسكرية دائمة أو الحكم المدني للقطاع. فإذا كانت اسرائيل تقول «لا حماسستان ولا فتحستان» فلماذا المسارعة بالبحث عن لجان خارجهما؟ وإذا كان هناك «فيتو» كوني على حكم حماس فإن في حكم السلطة «فيتو» إسرائيلي فقط «وهذا ما يستدعي مراجعة أعوام سابقة، لأن أوروبا تطالب السلطة بأخذ دورها بغزة، وقد أعلن رئيسها أكثر من مرة أن السلطة جاهزة لتحمل مسؤوليتها بغزة وتلك ورقة يمكن استغلالها.

أما اللجان الترقيعية باسم الحاجة الإنسانية وجاهزيتها لليوم الثاني بالمعنى التقني، فيجري الحديث عن شخصيات يتم ترشيحها للقيادة، لكن ماذا عن الطواقم والعاملين والإمكانيات؟ هل ستبدأ من الصفر؟ هذا يحتاج وقتاً ليس لغزة ترف انتظاره، لكن لدى السلطة موظفيها وطواقمها وقواعد بياناتها وإمكانياتها، وقد حاولت أن ترسل مساعدات لغزة، لكن خلافاً نشب مع حركة حماس ونذكر «مؤامرة ماجد فرج وأنه أرسل رجاله من خارج غزة بين طرود المساعدات للقيام بانقلاب» وتم استدعاء الغرفة المشتركة لصد المؤامرة والحملة الإعلامية التي صاحبت ذلك، ما جعل السلطة تتوقف خوفاً من صراع داخلي هو آخر ما يريده الفلسطينيون وسط حرب الإبادة.

أي لجنة في غزة بعيداً عن السلطة هي وصفة للانفصال الدائم ليس فقط للحفاظ على الانقسام، وستكون هذه الهزيمة الكبرى إذا ما انتهت هذه الحرب بترسيم الانفصال النهائي، فلا يحتمل الوضع الفلسطيني مزيداً من العبث والاجتهادات المدمرة، وخاصة غزة التي جرى عليها تطبيق واحدة منها، لكن السلطة يجب أن تكون في حالة وفاق مع الجميع، وتمثل الجميع، شريطة أن تتفهم حركة حماس أنه خلال التسونامي القائم لا يمكن للسلطة حملها. عليها أن تأخذ استراحة هي بحاجة لها لمراجعة السياسات التي اتبعتها، والتي أوصلت الحالة إلى هذا الانسداد حتى تمر الأمواج العاتية بسلام، يحتاج الأمر إلى توافق تحت الطاولة ... القادم مع ترامب ليس سهلاً لا على الضفة ولا على غزة ولا على القضية... ولا تُدار السياسات ومصائر الشعوب بالترقيع.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت