ديون القطاع الصحي الخاص في فلسطين: أزمة متفاقمة وسط غياب الحلول الجذرية

ديون حكومية متراكمة تهدد القطاع الصحي الخاص في فلسطين

تواجه المستشفيات الخاصة والأهلية وشركات الأدوية والتجهيزات الطبية في فلسطين أزمة مالية خانقة بسبب تراكم الديون الحكومية التي تجاوزت مليارات الشواقل، ما يهدد استمرارية الخدمات الصحية الأساسية في ظل غياب خطة سداد واضحة. يأتي ذلك في وقت تمر فيه الحكومة الفلسطينية بأزمة مالية معقدة تفاقمت بفعل حصار الاحتلال الإسرائيلي وقرصنة أموال الضرائب.

ديون ضخمة تعيق القطاع الصحي

صرح الدكتور يوسف تكروري، رئيس اتحاد المستشفيات الخاصة والأهلية، أن ديون الحكومة لصالح القطاع الصحي بلغت حوالي 2.5 مليار شيقل، منها 1.3 مليار شيقل مستحقة للمستشفيات الخاصة والأهلية. وأكد أن المستشفيات تعاني من تأثير هذه الديون بشكل كبير، حيث أدى غياب آلية سداد منظمة إلى أزمة حقيقية تهدد استمرارية تقديم الخدمات الطبية.

وأوضح تكروري أن المحاولات المستمرة مع الحكومة السابقة والحالية لوضع خطة واضحة لتسديد الديون لم تسفر عن نتائج ملموسة. ورغم التزام الحكومة الحالية بدفعات شهرية بقيمة 30 مليون شيقل، فإن هذه المبالغ لا تكاد تلبي الحد الأدنى من المتطلبات المالية للمستشفيات التي تعتمد على القروض البنكية والشيكات الآجلة لتأمين احتياجاتها.

شركات الأدوية تواجه تحديات كبيرة

من جانبه، قال الدكتور فراس ناصر الدين، رئيس مجلس إدارة اتحاد الصناعات الدوائية، إن مديونية شركات الأدوية والتجهيزات الطبية تجاوزت مليار شيقل نتيجة التراكم المستمر منذ عام 2019. وأشار إلى أن هذه المديونية أثرت بشكل مباشر على قدرة الشركات على الالتزام بتوريد الأدوية والمستلزمات الطبية، ما يهدد بحدوث نقص كبير في الأدوية والمواد الخام اللازمة لإنتاجها.

وأضاف ناصر الدين أن الحكومة تلتزم حاليًا بسداد مبلغ شهري لا يتجاوز 30 مليون شيقل، وهو مبلغ غير كافٍ لتغطية المديونية المتراكمة أو لدعم قدرة الشركات على الاستمرار في التوريد. وأكد أن استمرار هذه الأزمة سيؤدي إلى زيادة الاعتماد على التحويلات الطبية للعلاج الخاص، مما يزيد الأعباء المالية على الحكومة.

جهود حكومية محدودة في ظل أزمة مالية خانقة

في اجتماع سابق لمجموعة العمل القطاعية الصحية، أكد ماجد أبو رمضان، ممثل وزارة الصحة، أن حجز إيرادات الضرائب الفلسطينية جعل الحكومة غير قادرة على تمويل الخدمات الصحية الأساسية بشكل كامل. وأوضح أن الأزمة المالية أدت إلى تراكم ديون هائلة لمقدمي الخدمات الصحية، بما في ذلك المستشفيات التحويلية، ما يعيق تقديم الرعاية الصحية المناسبة.

وأضاف أبو رمضان أن المستشفيات الخاصة والأهلية كانت سندًا أساسيًا خلال جائحة كورونا، لكنها لم تتلق دفعات منتظمة آنذاك، مما أدى إلى تفاقم الأزمة. وأشار إلى أن الحكومة الحالية تحاول تحسين الوضع من خلال دفعات شهرية منتظمة، لكنها لا تزال بعيدة عن تلبية الاحتياجات الفعلية.

مخاوف من توقف الخدمات الطبية

حذر تكروري من أن المستشفيات قد تضطر إلى تقليص أو إيقاف بعض الخدمات الطبية بسبب عدم قدرتها على تأمين الأدوية والمستلزمات. وأضاف أن استمرار الوضع الحالي يضع المنظومة الصحية بأكملها في خطر، حيث تواجه المستشفيات صعوبات متزايدة في الوفاء بالتزاماتها تجاه الموظفين والموردين.

تسجل الديون الحكومية المتراكمة لصالح القطاع الصحي في فلسطين أرقامًا غير مسبوقة، ما يهدد استمرارية الخدمات الصحية الأساسية. ومع غياب الحلول الجذرية، يبقى القطاع الصحي الخاص في مواجهة أزمة خانقة تتطلب تدخلًا عاجلًا من الحكومة لوضع خطة واضحة لتسديد الديون والحفاظ على استدامة المنظومة الصحية.

وتشير إحصائيات وزارة الصحة إلى أن الاحتلال شن منذ السابع من تشرين الأول / اكتوبر 2023، أكثر من 340 هجومًا على مرافق الرعاية الصحية والعاملين فيها، ومنعها من الحصول على الإمدادات والمستلزمات الطبية وإمدادات الوقود والماء والغذاء والكهرباء، ودمر الطرق التي تؤدي إليها.

وبلغ عدد الشهداء من كوادر القطاع الصحي في غزة 500، وأصيب المئات، وبلغ عدد المعتقلين أكثر من 310، وبقيت 9 مستشفيات تعمل بشكل جزئي من أصل 36 مستشفى، وتم تدمير 130 مركبة إسعاف.

وبحسب المعطيات، فإن القطاع الصحي الفلسطيني في غزة قد انهار، وما بقي منه يخدم ما لا يزيد على 15% فقط من جرحى ومصابي العدوان، وبات غير قادر على خدمة من يعانون أمراضًا مزمنة، وعاجزاً عن معالجة الأمراض الوبائية التي سببها الاكتظاظ في مراكز الإيواء، وتدمير نظام الصرف الصحي.

وفي حال استمرار إسرائيل باحتجاز عائدات الضرائب التي تشكّل 70% من إيرادات المالية العامة، فإن القطاعات الحيوية كافة معرضة للانهيار، وبخلاف الصحة هنالك التعليم الذي شهد اضطرابات في العامين الدراسيين الماضي والحالي، لم يلتحق إثرها الطلبة بمقاعدهم الدراسية بشكل منتظم، بسبب عدم قدرة الحكومة على الإيفاء بالتزاماتها تجاه موظفي وزارة التربية والتعليم العالي، الذين تزيد نسبتهم عن 57% من إجمالي عدد الموظفين الكلي في الدوائر الحكومية، وفق إحصائية لديوان الموظفين العام، فيما بلغت نسبة العاملين في القطاع الصحي 15%.

وحذر البنك الدولي، نهاية شهر أيار/ مايو المنصرم، من أن السلطة الفلسطينية تواجه مخاطر "انهيار في المالية العامة"، مع "نضوب تدفقات الإيرادات، والانخفاض الحاد في تحويلات إسرائيل لإيرادات المقاصة، والتراجع الهائل في النشاط الاقتصادي، على خلفية العدوان المتواصل على قطاع غزة منذ تشرين الأول / أكتوبر 2023.

المصدر: وكالة قدس نت للأنباء - رام الله