مع اشتداد برودة الشتاء وتواصل الهجمات الإسرائيلية على قطاع غزة، تتفاقم معاناة النساء النازحات اللاتي يجدن أنفسهن في قلب أزمة إنسانية متعددة الأبعاد. فبين النزوح القسري وغياب المأوى الملائم، يتحملن مسؤوليات مضاعفة في ظل انعدام الموارد الأساسية ووسائل التدفئة، مما يجعل البقاء على قيد الحياة تحديًا يوميًا يتجاوز قدرتهن الجسدية والنفسية.
واقع يومي لا يرحم
على مدار الأشهر الماضية، وثق طاقم المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان معاناة النساء في مناطق النزوح داخل قطاع غزة. وأظهرت التقارير أن النساء يعشن تحديات مركبة في ظل شتاء قاسٍ يزيد من هشاشة وضعهن. فمع غياب وسائل التدفئة وانعدام الأدوية، تواجه النساء الحوامل وكبيرات السن أو المصابات بأمراض مزمنة تهديدًا مستمرًا لصحة أجسادهن المنهكة.
نجاح إبراهيم، أرملة في الثانية والستين من عمرها وأم لستة أبناء، تتحدث عن معاناتها منذ نزوحها القسري من بيت لاهيا قائلة: "أجبرنا على إخلاء المنزل تحت تهديد السلاح دون أن نتمكن من أخذ أي من أمتعتنا. خرجت على كرسي متحرك إلى مخيم النازحين في ملعب اليرموك، حيث اضطررنا لنصب خيمة بدائية من النايلون. الآن أعيش في خيمة مع 20 فردًا، لا تقي من البرد ولا المطر. وضعي الصحي يتدهور يومًا بعد يوم، والبرد القارس يجعل الألم في قدمي التي تحتوي على بلاتين لا يطاق".
عبء العناية بالأسر في ظل انعدام الموارد
النساء في غزة لا يواجهن معاناتهن الشخصية فحسب، بل يتحملن أيضًا عبء العناية بالأطفال وكبار السن وسط ظروف قاسية. يعانين من الشعور بالعجز عندما يرين أطفالهن يرتجفون من البرد دون وسيلة لتوفير الدفء لهم. فاطمة فراج، أم لطفلين، تصف وضعها قائلة: "هذا هو الشتاء الثاني الذي أعيشه في الخيام. نحاول مشاركة الأغطية القليلة المتوفرة، لكنني أشعر بالعجز عندما لا أستطيع أن أدفئ أطفالي، وأخشى عليهم من الموت بسبب البرد".
تدهور البنية التحتية والخدمات الصحية
الهجوم الإسرائيلي المستمر أدى إلى انهيار شبه كامل للبنية التحتية في غزة، مما زاد من صعوبة الحياة اليومية. انعدام الكهرباء والوقود اللازم للتدفئة دفع الكثيرين إلى اللجوء إلى وسائل بدائية مثل إشعال الحطب، وهو ما يعرض العائلات لمخاطر إضافية. كما أن نقص الأدوية وانقطاع الخدمات الصحية زاد من معاناة النساء، خاصة مع خروج 23 مستشفى عن الخدمة وتدهور المنظومة الصحية بشكل عام.
عبير محمد عدوان، أم لخمسة أطفال، تتحدث عن صراعها اليومي في ظل هذه الظروف قائلة: "نعيش في خيمة صغيرة مع والديّ زوجي اللذين يعانيان من أمراض مزمنة. أواجه يوميًا مشقة غسل الملابس يدويًا وطهي الطعام على النار، وعندما تأتي الأمطار، تغرق الخيمة ونفقد كل ما لدينا. الأطفال يصابون بالإنفلونزا ولا نجد الأدوية اللازمة لعلاجهم".
أزمة المياه والصحة الشخصية
مع استمرار الحصار الإسرائيلي، أصبح الحصول على الماء الساخن شبه مستحيل، مما يعمق من معاناة النساء، سواء في أداء الأعمال المنزلية أو الحفاظ على النظافة الشخصية. نور عبد اللطيف، أم لثلاثة أطفال، تصف هذا التحدي بقولها: "المياه الباردة تجعل الاستحمام كابوسًا، وغسل الملابس والأطباق يدويًا يزيد من آلامي الجسدية. أطفالي يعانون من نزلات البرد، ومعظم الوقت أنا أيضًا مريضة لأن الأدوية إما مفقودة أو باهظة الثمن".
دعوات لتدخل دولي عاجل
في ضوء هذه الظروف الإنسانية المتدهورة، يدعو المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان المجتمع الدولي إلى التحرك العاجل لوقف الانتهاكات الإسرائيلية وتقديم الدعم الإنساني العاجل للنازحين، خاصة النساء والأطفال. يشدد المركز على ضرورة اتخاذ إجراءات حاسمة للضغط على إسرائيل لوقف الحصار وفتح المجال أمام وصول المساعدات الأساسية مثل الأغطية، الملابس الشتوية، والأدوية.
كما يدعو المركز إلى وضع خطة شاملة وطويلة الأمد لدعم النساء في قطاع غزة، بما يضمن حصولهن على حقوقهن الأساسية ويخفف من وطأة الأزمة المتفاقمة التي يعشنها. دون تدخل فوري وفعّال، ستظل النساء في غزة يتحملن العبء الأكبر في معركة البقاء على قيد الحياة وسط شتاء قاسٍ وعدوان مستمر.