تقرير الاحتلال الإسرائيلي يعمّق حصار بلدة سنجل بجدار عازل يُهدّد حاضرها ومستقبلها

قرية سنجل.jpg

رام الله، الضفة الغربية – في خطوة تصعيدية جديدة، تواصل قوات الاحتلال الإسرائيلي بناء جدار عازل يعزل بلدة سنجل شمال شرق رام الله عن محيطها الفلسطيني، في إطار سياسة ممنهجة لتوسيع الاستيطان وفرض وقائع جديدة على الأرض. المشروع، الذي بدأ في أواخر سبتمبر 2024، يمثل امتدادًا لحملة استيطانية محمومة تهدف إلى تغيير الواقع الديموغرافي والجغرافي في الضفة الغربية، مما يفاقم معاناة الفلسطينيين تحت الاحتلال.

منذ عقود، تسعى سلطات الاحتلال لفرض سيطرتها الكاملة على الأراضي الفلسطينية المحتلة، لكن تسارع الإجراءات الاستيطانية في الآونة الأخيرة يعكس نية واضحة لقطع الطريق على أي حلول سلمية. ويأتي بناء الجدار في سنجل كجزء من هذه السياسة، حيث يشكّل طوقًا يخنق البلدة التي تحيط بها المستوطنات والجدران العازلة من جميع الاتجاهات.

جدار إسمنتي يعمّق الحصار

بدأت أعمال بناء الجدار في 28 سبتمبر 2024، حيث استُخدمت آليات عسكرية ثقيلة لتجريف الأراضي الزراعية في بلدة سنجل. وفقًا لمصادر ميدانية، يمتد الجدار الجديد على طول 1500 متر بمحاذاة شارع 60 الالتفافي، الذي يُعدّ شريانًا رئيسيًا لربط المستوطنات في المنطقة. أسفرت أعمال التجريف عن تدمير أكثر من 200 شجرة، بينها 135 شجرة زيتون معمّرة، إضافة إلى تدمير جدران استنادية كانت تحمي الأراضي الزراعية من الانجراف.

الجدار، الذي يبلغ ارتفاعه 4.5 أمتار، مزود بطريق أمني عرضه 6 أمتار يخصص لتحرك دوريات الاحتلال. كما سيؤدي إلى عزل البلدة بالكامل عن أراضيها الزراعية في الجهة الشرقية، والتي تبلغ مساحتها حوالي 8,000 دونم، وتحويلها إلى منطقة مغلقة لا يمكن الوصول إليها إلا من خلال بوابات عسكرية يتحكم فيها جيش الاحتلال.

معاناة السكان في ظل الجدار

يمثل بناء الجدار العازل كارثة إنسانية واقتصادية لأهالي سنجل. البلدة، التي يقطنها حوالي 7,500 نسمة، ستتحول إلى ما يشبه السجن الكبير، حيث يقطع الجدار الطريق أمام التنقل بسهولة إلى المدن الفلسطينية المجاورة مثل رام الله ونابلس. بدلًا من استخدام الطريق المعتاد الذي لا يتجاوز طوله 20 كيلومترًا، سيُجبر السكان على اتخاذ طرق بديلة تزيد المسافة إلى أكثر من 55 كيلومترًا.

إضافة إلى ذلك، سيؤدي الجدار إلى عزل 15 منزلًا فلسطينيًا يقطنها نحو 150 شخصًا في الجهة الشرقية للبلدة. وتُظهر وثائق رسمية أن الأراضي التي استولت عليها سلطات الاحتلال هي ملكيات خاصة موثقة، لكن ذلك لم يمنع الاحتلال من تنفيذ أعمال التجريف دون اعتبار للحقوق القانونية أو الإنسانية.

رئيس بلدية سنجل، د. معتز طوافشة، أكد أن الأعمال الإسرائيلية تجاوزت حدود المسار المقرر للجدار وفق الأوامر العسكرية. وأشار إلى أن هناك 13 منزلًا مهددًا بالتدمير بسبب موقعها ضمن مسار الجدار. وأضاف: "هذه الإجراءات ليست مجرد استيلاء على الأرض، بل هي محاولة لتهجير السكان ودفعهم إلى ترك أراضيهم قسرًا."

مخطط استيطاني متكامل

تحيط ببلدة سنجل خمس مستوطنات رئيسية، منها "معاليه ليفونة"، "عليه"، و"شيلو"، إضافة إلى ثلاث بؤر استيطانية رعوية. هذه المستوطنات، التي تحوّلت إلى طوق يخنق البلدة، تتوسع بشكل مستمر، مدعومة بشبكة طرق التفافية تربطها ببعضها البعض. شارع 60 الالتفافي، الذي يُعدّ المحور الرئيسي للمخططات الاستيطانية، يساهم في تعزيز الهيمنة الإسرائيلية على المنطقة.

منذ بداية الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة في أكتوبر 2023، شددت سلطات الاحتلال الحصار على سنجل، حيث أغلقت مداخلها الرئيسية ببوابات عسكرية، مما جعل الحركة داخل وخارج البلدة مقيدة تمامًا. وفي فبراير 2024، أصدرت أوامر بمصادرة 30 دونمًا من أراضي البلدة المحاذية لشارع 60، بحجة حماية المستوطنين من "تهديدات أمنية". ولاحقًا، في أغسطس 2024، أضافت سلطات الاحتلال 15 دونمًا أخرى إلى الأراضي المصادرة.

شهادات من قلب المعاناة

المزارع عايد راجح غفري، أحد سكان البلدة، وصف كيف دمّرت الجرافات الإسرائيلية أرضه واقتلعت أشجاره. يقول: "الجدار ليس مجرد حاجز، بل هو محاولة لتدمير حياتنا وقطعنا عن مصدر رزقنا الوحيد."

أما موسى سميح شبانة، صاحب مشتل زراعي، فقد فقد مصدر رزقه بالكامل بعد أن شقت سلطات الاحتلال طريق الجدار وسط مشتله، مما أدى إلى دفن أكثر من 200 شتلة زيتون وعنب. يضيف موسى: "لم أعد أستطيع الوصول إلى المشتل بسبب وجود الجنود طوال الوقت. الجدار ليس فقط يسرق أرضنا، بل يحرمنا حتى من محاولة إنقاذ ما تبقى."

انتهاك القانون الدولي

يؤكد المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان أن بناء الجدار العازل يمثل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي. قرار محكمة العدل الدولية في أغسطس 2024 أكد عدم قانونية النشاطات الاستيطانية والجدران العازلة في الأراضي الفلسطينية المحتلة. وعلى الرغم من ذلك، تواصل إسرائيل فرض الأمر الواقع، متجاهلة كل القرارات الدولية التي تدين سياساتها.

المركز دعا المجتمع الدولي إلى تحمل مسؤولياته القانونية والضغط على إسرائيل لوقف بناء الجدار وإنهاء الاستيطان. ويؤكد أن الصمت الدولي يشجّع الاحتلال على التمادي في انتهاكاته بحق الشعب الفلسطيني.

يمثل بناء الجدار العازل في سنجل جزءًا من مخطط استيطاني أكبر يهدف إلى فرض السيطرة الكاملة على الأراضي الفلسطينية المحتلة. في ظل الحصار المتزايد وتوسيع المستوطنات، يواجه أهالي سنجل خطرًا حقيقيًا على مستقبلهم. إن غياب التدخل الدولي الحاسم يُنذر بتفاقم معاناة السكان، ويضع المنطقة على طريق مجهول يتسم بالمزيد من الانتهاكات والمعاناة.

المصدر: وكالة قدس نت للأنباء - رام الله